الجامعة الدولة ، مصطلح افتراضي وتحفيزي يهدف لتكامل وترابط الفعاليات التي تقوم بها المنظومة الجامعية وأنظمتها الفرعية ، فالجامعة ( ( University ) يمكن أن تكون ( دولة ) نظرا للتشابه بين عناصرها وعناصر الدولة بالمفهوم الواسع ، فهي لها اسما وعنوانا وحدودا وكيانا اكتسب الشرعية وعد معترف به ولها من ينتمي إليها ويعبر لها عن الولاء ، كما إن لها جمهورها الداخلي وتتصل بمجتمعها الخارجي وتحتفظ بموارد وإمكانيات وتحتفظ ببعض الرموز الخاصة بها من العلم والنشيد و ( اللوكو ) والبيروقراطية الإدارية التي تنظم عملها أفقيا وعموديا بضوابط وتعليمات ضمن هيكل معلن ومعروف ، وهناك العديد من الجامعات العالمية التي تعمل بصيغة الدولة حيث تعتمد على مواردها الذاتية واستقلاليتها العلمية لتحقيق الرؤية والرسالة والأهداف (Vision, Mission, Objectives ) ، ويختلف الموضوع في بلدنا نوعا ما لان الجامعات الحكومية محكومة بنصوص وردت بقانون التعليم العالي رقم 40 لسنة 1988 والتعليمات التي تصدرها الوزارة من خلال هيئة الرأي او الدوائر التي ترتبط بمركزها ، وقد كفلت التوجهات العامة للدولة ولوزارة التعليم من حيث المبدأ الاستقلالية للجامعات ( رغم إن تحقيق هذا الموضوع تعتريه بعض الصعوبات ) بموجب التشريعات التي وفرت غطاءا قانونيا لإنشاء موارد ذاتية للجامعات من خلال الفعاليات الإنتاجية وخدمة المجتمع او من خلال الدراسات المسائية والموازية والدورات وغيرها ، وسعيا لتحقيق أهداف ورسالة الجامعات الحكومية فإنها تسعى لان تكون لها استراتيجيات ومساعي في بلوغ أهداف مشروعة كالجامعة المنتجة او الجامعة للمجتمع وهي تصب جميعا في تحقيق الجامعة الدولة ، والجامعة الدولة تحقق مجموعة من المزايا الايجابية ، وأبرزها إمكانية التميز والإبداع واستثمار طاقات ( الأبناء ) في الانتماء والاندماج المؤسسي الذي يقلل الفجوة بين الأهداف الفردية وأهداف الدولة الجامعة ، وغيرها من الفوائد العديدة التي يصعب ذكرها ( هنا ) جميعا والتي يمكن أن تتحقق بزيادة الاعتماد على إمكانيات الجامعة في تحقيق الأهداف بدلا من أن تكون تابعة وتخضع لضغوط الظروف والتمويل المركزي ، ومن الفوائد التي يمكن إن تتحقق من إتباع هذا النمط من الجامعات تطبيق الشفافية والنزاهة ومعالجة الفساد بأنواعه المختلفة واعتماد لوائح معروفة للأنماط السلوكية المرغوبة ، بما يحقق العدالة وتكافوء الفرص واستخدام الموارد البشرية والمادية بشكل كفوء وفاعل بعيدا عن الهدر والتبذير لان للجميع مصلحة في مجمل الانجازات لأنهم أصحابها وشركاء .
ومن التجارب التي تم الاطلاع عليها بهذا الخصوص واقع حال جامعة الفرات الأوسط التقنية في مسعاها لبلوغ الجامعة الدولة ، فقد تأسست هذه الجامعة في سنة 2014 بتوقيت مرت به البلاد بأصعب الظروف ، إذ لم تشرع موازنة اتحادية والدولة مشغولة بالإرهاب الداعشي الذي اجتاح مساحات مهمة في بعض المحافظات ، وما كان لهذه الجامعة لتشرع وتنمو لولا استخدام نمط غير اعتيادي من الأداء ، آخذين بنظر الاعتبار إن كلياتها ومعاهدها التقنية تتوزع في خمسة محافظات ( النجف الاشرف ، كربلاء المقدسة ، بابل ، المثنى ، الديوانية ) ، وقد اضطرت رئاسة الجامعة لإشغال مواقع كرفانية لديمومة عمل أقسامها ، وبفعل تلك السياقات والأثر القيادي وتفاعل ملاكاتها وكأنهم في وطن ( مصغر ) ضمن الدولة الكبيرة فقد تحققت وتوالت العديد من العلامات المشرقة التي تتجسد اليوم بشكل جلي ، ومما يحسب لها إنها قطعت ومنذ بداية تأسيسها واستمرت بوتيرة متصاعدة خطوات واعدة وليست رتيبة في الأصعدة والمستويات كافة ، حيث حققت العديد من الانجازات وتبنت الكثير من المبادرات تنوعت ما بين تطوير وسائل التعليم والتدريب إلى تنشيط حركة البحث العلمي لتسجل حضورا مهما في المستوعبات الرصينة ، كما التزمت الجامعة بالعديد من المسارات ذات الصلة بالعملية التعليمية استنادا لمتطلبات البيئة الجامعية النموذجية مع مراعاة استيفاء الشروط والمعايير التي تؤمن مستوى عالي في الأداء التدريسي والتدريبي بما يواكب التطور في دول العالم المتقدمة ، وقد شرعت الجامعة وتشكيلاتها كافة بحملات اعمار واسعة لتأهيل البنى التحتية وإنشاء مبان حديثة بتصاميم تحاكي الحداثة والتراث في آن واحد ، وتمت مراعاة آن تكون قادرة على تلبية متطلبات التعليم الالكتروني والتعليم المدمج الذي فرضته ظروف جائحة كورونا ، وهي تعتمد على فلسفة التعليم التفاعلي الحديث المبني على اعتبار الطالب ركنا أساسيا للعملية التعليمية لتكون مخرجاتها بمستوى التحديات ، كما تسعى الجامعة لاستحداث البرامج النوعية المتخصصة التي تلبي احتياج أسواق العمل في مختلف القطاعات على أصعدة الدراسات الأولية والعليا والتدريب والتطبيق ، وتولي اهتماما بالغا بحركة البحث العلمي إيمانا منها بان أي تقدم لا يمكن أن يتحقق و في أي من مجالات الحياة بدون البحث الذي يلبي الحاجات ويواكب التطور العالمي ، وللجامعة نوافذ متعددة أوجدتها لخدمة المجتمع ولتحقيق الأهداف العلمية وتدعيم الموارد الذاتية بما يحقق المنافع لكل الأطراف ، حيث قامت بالعديد من الفعاليات والأنشطة من مؤتمرات ومهرجانات وورش عمل ومعارض ودورات وتقديم استشارات وخدمات ومنتجات استهدفت شرائح المجتمع في التوعية وبناء القدرات والقيام بادوار فاعلة ضمن الرقعة الجغرافية وخارجها .
وان ما تقدم ليس مدحا او تجميلا لصورة تلك الجامعة ، وإنما إنصافا للجهود التي تبذلها الملاكات الوطنية في تحدي الصعاب وتحقيق أكثر من الممكن للتقدم بخطوات للأمام ومنع التراجع والتشكي بواقع لا يمكن تغييره إلا بنكران الذات والتضحيات ، وان تسليط الأضواء على الأعمال الايجابية للجامعات التي تستحق ذلك بالفعل لا يندرج ضمن المجاملات ، وإنما نعتقد بأنه إنصافا وواجبا يجب الاضطلاع به عند عزله عن المتغيرات ، فالواجب المهني يتطلب رفع المظلومية عن سمعة ومكانة الجامعات العراقية التي يصفها البعض بالتدهور الكبير ، ووجه الإنصاف في الموضوع إن العديد من جامعاتنا ليست خالية من الانجازات والإبداع والابتكار قياسا لما يتوفر لها من إمكانيات وظروف ، ولكي تستمر بمسيرتها الواعدة فان من الواجب المهني تشجيعها ودعمها وإبراز دورها لتشكل أملا للمجتمع لتأكيد إننا شعب حي وينمو رغما عن كل الظروف ، وفي الحالة المشار إليها في أعلاه فنحن نتكلم عن صرح علمي شق طريقه ولا يزال بعمر 7 سنوات ، وهي جامعة فتية ينتسب لها أكثر من 30 ألف طالب في الدراسات الأولية ( الصباحية والمسائية ) والعليا ، وتخرجت من أروقتها وجبات ومنها وجبة العام الدراسي 2020 \ 2021 التي بلغت 8398 خريجا في مختلف الاختصاصات والمستويات ، وبرغم العمر والموقع فإنها تسجل حضورا يستحق الثناء والتقدير .