23 ديسمبر، 2024 3:29 م

الفتلاوي وارادة الصوت الأخير …

الفتلاوي وارادة الصوت الأخير …

الصوت الأخير: ارادة قررت التمرد على مستنقع العملية السياسية للفساد والأرهاب, حيث لم تجد لها سكينة هناك, تركت الجدار مثقوباً لمرور من يجد نفسه في غير بيئته ولا يمكن له ان يكتب صفحاته الوطنية على سواد المرحلة, انها السباحة المضنية عكس الشلال, قد يبدو الأمر مستحيلاً, بالأرادة وحدها يستطيع المرء ان يبلغ الأعالي لقطع دابر الرذائل من منابعها ليستوي المستحيل طريقاً الى المياه المتحركة للوطن والناس .
السيدة النائب حنان الفتلاوي ورفيقات لها ورفاق قد بلغت ارادتها نقطة الضوء, من هناك اطلقت مبادرتها, فرمت مؤتمرها حجر حرك المياه الراكدة, ردة فعل رافضة ستستقبلها شواطيء المظلومين والمغيبين والمسروقين, الفعل الوطني  يكتب تاريخه والشعوذات تستقر دائماً على القارعة .
البيئة الفاسدة لا يمكنها ان تجمع الأضداد الى ما لانهاية, الخير والشر لا يصطّفى الى جانب بعضهما كما الأصوات الوطنية لا تهتف منسجمة مع نباح الخيانة, سيغرد تجمع (ارادة) من خارج حشر الأنتكاسة, قد يطول الطريق وعوائق غير المسموح قد تتكاثر وتتنوع, لكن عندما يكون الفعل وطنياً مسلحاً بالوعي وحسن النوايا و وضوح الرؤيا, ستفقد المستحيلات صمودها ويبتسم الدرب للأرادات الخيرة لأكمال المشوار .
مع احترامنا لشجاعة ووضوح السيدة حنان الفتلاوي, لكن مبادرتها عمل كبير لا يتسع لأنفاسه فساد المنطقة الخضراء, عمل يجب ان يتمدد على سعة الشارع العراقي ليملأ صحراء الفراغ, يجب وبالضرورة ان يكون واعياً مبرمجاً تتصدره قيادات وكوادر شديدة الأنسجام والتماسك ويجب الا يكون للعفوية خيطاً في نسيجه, العراقيون ورغم طيبتهم, لكن التجربة المريرة وخيبات الأمل والأحباط, سلحهم بوعي المراجعة والتدقيق واعادة التقييم والأرتياب بالمفردات اللامعة, هنا يكون للبرنامج المميز الواضح الرصين دوره في استقطاب الرأي العام والحركة الجمناهيرية الواسعة .
المبادرات والمؤتمرات والتصريحات والوعود لم تعد وحدها كافية في بيئة الأنفلات الأعلامي للمزايدات, البرنامج السياسي الثقافي الأجتماعي وحده يميز بين هذا وذاك ويعيد تأثيث الفراغ بالمعاني الوطنية الأنسانية, الأهم من كل ذلك وضوح نكهة الوطنية العراقية من داخل البرنامج, بعد طغيان الهويات الفرعية وانحسار الهوية الوطنية المشتركة, يجب ان يكون للأنتماء الوطني وضوحاً, العراقيون والوطن معهم سئموا هويات التجزئة والتقسيم بعد ان فقدت سمعتها ومكانتها في الوعي المجتمعي, اصبحوا لا يتقبلون هويات ثانوية ملطخة باوحال الطائفية والعرقية بديلة عن وحدة الأنتماء الوطني .
العراقيون هم اول من تداولوا مفهوم الوطن والوطنية, الهوية التي تؤطر القيم المادية والمعنوية لأندماج الأرض والبشر, علاقة تفاعلت وانسجمت واندمجت عبر تاريخ وطني مشترك بين مكونات الأمة العراقية, مثلما ينتمي الأنسان للأرض والأرض للأنسان, فالعراق هنا للعراقيين مثلما هم له ولا توجد حالة انتماء سوية خارج هذا الأطار الخالد, اما من يدعي غير ذلك مع انكار الذات العراقية المشتركة, فتلك ظاهرة عوق لا يمكن النظر اليها بغير الأزدراء .
مبادرة (ارادة) التي تتصدرها الدكتورة حنان الفتلاوي, تحتاج الى مزيد من الوضوح الوطني لا يسمح لأختراق التأويلات المربكة ولا تترك لوناً رمادياً بين ما هو ابيض وما هواسود, وضوح يميزها عن فوضى التسويف التي تسبح فيه اطراف الفساد والأنكسارات, ان تعبر عن قناعاتها برصانة وموضوعية وشفافية تفتقر اليها كتل وتحالفات قطاع الطرق, عليها ان تفتح افقها لمختلف الأراء والأتجاهات ووجهات النظر البناءة لتصبح بيئة مثالية لأزدهار التيارات الوطنية والحراك المجتمعي  .
صحيح ان الأمر يبدو كامنيات او احلام لا ارضية لها, لكنه للواقع العراقي تفسير آخر للكثير من الظواهر التي تتحرك في الأفق الوطني, ان من يريد ادراك الحقائق, عليه ان يتحمل عناء الأبحار بأتجاهها, الأنتظار على قمة الترقب السلبي, ضياع تام وتبذير للوقت والطاقات والفرص, كمن يرمي جمرته في الماء ليجني رماداً عالقاً على سطح فقاعات طارئة, هنا تتحول المبادرات الى كابوس اضافي يزيد من طين الواقع بلة .
لم تعد السيدة حنان الفتلاوي سهلة التحدي والأبتزاز, لقد تجاوزت الأسوأ وخرجت مؤطرة بشعبية واسعة, جمهورها والجمهور العراقي بشكل عام, يعي خلف من سيقف وماذا يريد, وعلى تجمع (ارادة) ان يدخل من الأبواب الواسعة للمشروع العراقي, ان يتخذ من شعلة الوطنية العراقية سراج لأنارة الطريق نحو المصالح العليا للشعب والوطن, المشاريع الطائفية القومية, لم تعد طريقاً امناً , انها الغياب والضياع في متاهات فساد العملية السياسية .
لقد تلوثت النفوس وحتى البريئة منها باوحال المشاريع الطائفية العرقية للتجزئة والتقسيم, ورغم التراجع الحاصل للمشروع الوطني, الا انه لا زال دليل عمل ومرجعية وهيكلية سيعبر عن ثبات ووضوح ومشتركات الهوية من داخل الحراك المجتمعي, اطراف الأنتكاسة الراهنة تتخبط الآن في مستنقع النفس الأخير للفساد والأرهاب, الكلمة الأخيرة الحاسمة سيصرخها العراق نهضة وطنية, سذاجة مطلقة وتخاذل غير مبرر ان نسمح للأمر الواقع ان يمارس فينا تدمير الأرادة, في حساب التاريخ الوطني العراقي لا توجد  “للسيد دار مامونه” .
صحيح ان النشاط الوطني وفي اية جغرافية من مثلث التقسيم, سوف لن يجد له بيئة ومساحة للتمدد داخل مثلثات العزل الأخرى, من هو جاد فعلاً, عليه ان يتمدد وطنياً في جغرافية المثلث المحاصر داخله, يحاصر من يحاصره وينتصر على ثقافة التجزءة والتقسيم ويعيد روح الوطنية العراقية الى جسد مجتمعه ثم يمد يد الأنفتاح السياسي الفكري الأعلامي والتنظيمي للآخر من داخل المثلث الأقرب اليه والتضامن معه في اطار المشروع الوطني المشترك, مع ان النهوض من الكبوة مرة اخرى قد لا تبدو سهلة, الأردة وحدها تعيد حراثة الواقع  .
السيدة الفتلاوي ورغم نباح الأعلام المأجور, تبقى ارادة الصوت الأخير في حكومة قطع الفساد لسانها, شراسة الأشاعات والأكاذيب ومهما كان الأثر النفسي والمعنوي التي ستتركه احياناً, لكنها ستعود في النهاية الى حضيض الأنزواء, الحقائق ومهما تأخر منطقها, ستجد سكينتها في ضمير ووعي الرأي العام, ومهما كان الطريق طويلاً معبداً بالمصائد والمكائد, لكن من يسير عليه بأرادة واعية وثبات وطني سيصل نقطة الأنفراج حتماً .
على الوطنيين والخيرين, سياسيين كانوا ام مثقفين وباحثين واعلاميين, الا تتأخر مواقفهم التضامنية في محطات الترقب السلبي بعيداً عن ساحات المواجهة, يجب رفع الغطاء عن الأورام الأعلامية التي تركها الأحتلال على عموم خارطة واقعنا, نـأمل ان تتمدد مبادرة (ارادة) تيار وطني عابر للطائفية والتعنصر القومي, وتحرص ان تكون غرساتها الأولى ثابة على تربة مجتمع الجنوب والوسط, ويبقى العراق في النهاية الوطن الذي لا يصح الأنتماء والولاء لغيره, الأطراف التي اصابها العطب يجب الا تعالج بغير الأستئصال, اذا ما اصيبت رئة المجتمع بالتدرن الطائفي العرقي, فالأصوات التي تغرد من داخلها سوف لن تعطي لحناً شعبياً منسجماً  .
هنا لا نطالب الجماهير ان تفهمنا, بل الصحيح ان نتفهمها ونتفاعل معها ونعد نبض وعيها وردود افعالها ونتابع تحولات ومتغيرات مزاجها, وبالقدر الذي نمثلها, يكون التناغم معها مثمراً, البرنامج الرصين الصريح المستوفي لما يتعلق بمصالحها, وحده اللغة التي تصغي اليها وتتفهما .
في الوقت الذي نرجو فيه ان تشق مبادرة (ارادة) طريقها وسط عتمة فساد وانحلال العملية السياسية, نأمل ان يستعيد الرأي العام العراقي رشده ويصلح بصيرته ليرى المأزق عارياً والمرحلة قد اكتمل فيها نضج المبادرات للأصلاح والتغيير, وهناك على الأرض اكثر من (ارادة) تتمدد بأتجاه بعضها على كامل جغرافية العراق, لتتحد تيار وطني لا يقبل غير المشروع العراقي مخرج .