الموضوع : 1 . لنسرد أولا بعض التعاريف الخاصة بالفتوى .. تعريف الفتوى لغويا : اسم مصدر بمعنى الإفتاء ، والجمع : الفتاوى والفتاوي ، يقال : أفتيته فَتْوى وفُتْيا : إذا أجبته عن مسألته . والفتيا : تبيين المشكل من الأحكام ، وتفاتَوْا إلى فلان : تحاكموا إليه وارتفعوا إليه في الفُتيا . تعريف الفتوى في الاصطلاح : أما تعريفُ الفتوى في الاصطلاح .. قال القَرافي : ” الفتوى إخبارٌ عن حكم الله تعالى في إلزام أو إباحة “. وقال الجرجاني : ” الإفتاء : بيان حكم المسألة “. وقال ابن الصلاح : ” قيل في الفتيا : إنها توقيع عن الله تبارك وتعالى”.. ومن خلال التعريفات السابقة وغيرها يمكن تعريف الفتوى بأنها : بيان الحكم الشرعي لمن سأل عنه على غير وجه الإلزام .
2 . ولقد وردت كلمة الفتوى في عدد من الآيات القرآنية ، منها : قوله { فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ } [الصافات:11] ، يعني : فاسأَلْهم سؤال تقرير ، و { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ } [النساء:176] ، و { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِن } [النساء:127] ؛ أي: يسألونك سؤال تعلُّـم .
3 . وقد لجأ المسلمون إلى الاستفتاء منذ الصدر الأول للإسلام ، فصدرت فتاوى سيد المرسلين ، وإمام المفتين ، وأمينه على وحيهِ ، وسفيره بينه وبين عباده ، ((( فكان يُفتي عن الله بوحيه المبين ))) ، وكان كما قال له أحكم الحاكمين : { قُلْ مَاأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } ، فكانت فتاويه جوامعَ الأحكام ، ومشتملة على فصل الخطاب ، وخَلَفَه في ذلك علماءُ الصحابة والتابعين . * قد أستهلت هذه المقدمة / الموضوع ، من موقع طريق الأسلام – وقد تم ذلك بتصرف وبأختصار .
4 . من أهم كتب الفتاوى / لأهل السنة والجماعة – وفق موقع المكتبة الشاملة الحديثة ، التالي ( فتاوى السبكي / تقي الدين السبكي ، فتاوى قاضي الجماعة / أبن سراج الأندلسي ، الحاوي للفتاوي / السيوطي ، فتاوى الرملي / شهاب الدين الرَّمْلِي ، فتاوى ومسائل / للشيخ محمد بن عبدالوهاب .. ) . ويقف في مقدمة كل ما ذكر من شيوخ الأفتاء ، شيخ الأسلام أبن تيمية / 661 – 728 هج . الذي قال عنه الحافظ البزار ( وأما مؤلفاته ومصنفاته ، فإنها أكثر من أن أقدر على إحصائها أو يحضرني جملة أسمائها . بل هذا لا يقدر عليه غالباً أحد؛ لأنها كثيرة جداً، كباراً وصغاراً، أو هي منشورة في البلدان فقل بلد نزلته إلا ورأيت فيه من تصانيفه / نقل من موقع صيد الفوائد ) . وعلى أساس فتاوي أبن تيمية ، تم ذبح وحرق وصلب وسحل .. الكثير من البشر ، وذلك من قبل المنظات الأرهابية الأسلامية ك ” القاعدة وداعش والنصرة ” .
5 . كما يوجد العديد من كتب الفتاوى لأئمة الشيعة منها للمراجع التالية : الخميني والحكيم والخوئي والصدر والسيستاني .. ، وكاظم الحائري / 1938 م – ، المولود في العراق ، والمقيم في طهران ( وفي كتابه ” دليل المجاهد ” – المثير للجدل ، يفتي بفتاوى كارثية منها ” جواز قتل الجندي العراقي المجاز ، تسميم مياه وغذاء الجيش العراقي ، يجوز قتل الأسير العراقي ، يجوز قتل البعثي في منزله وبين أفراد عائلته ، جواز قتل أشبال صدام ، جواز قتل الشرطي ، جواز قتل كل المتعاونين مع النظام .. / منقول من برنامج تلك الأيام للدكتور حميد عبدالله ) ، وكل هذه الفتاوى تخص العراقيين خلال الحرب العراقية الأيرانية ، أرأيتم عراقي يفتي بقتل أبناء جلدته تملقا لأيران ! .
6 . وكان لشيوخ الأفتاء دورا كبيرا في أرضاء الخلفاء ، فهم يسخرون ويرقعون كل النصوص من أجل نيل حضوة ولاتهم ، والقصة التالية أكبر دليل على ذلك ، أنقلها من موقع / قصة الأسلام (( أخرج السلفي في الطيوريات بسنده عن ابن المبارك قال : ” لما أفضت الخلافة إلى الرشيد وقعت في نفسه جارية من جواري المهدي ( أبيه ) فراودها عن نفسها فقالت ” لا أصلح لك فإن أباك قد طاف بي” ، فشغف بها فأرسل إلى أبي يوسف القاضي ( تلميذ أبي حنيفة ) فسأله : أعندك في هذا شيء ؟ فقال : يا أمير المؤمنين أو كلما ادّعت أمة شيئًا ينبغي أن تصدق لا تصدقها فإنها ليست بمأمونة )) . * لذا أستخدم الأفتاء في تسخير أمورا جنسية لأولى الأمر في عهود معينة – ولا زال ، والذات الألهية أرفع وأقدس من هذه الشؤون ، فكيف لهولاء أن يحكموا نيابة عن الله أو بأسمه ! .
القراءة الأولى : أولا – أني أرى واقعة ” قتل أسرى يهود بني قريضة ” تشكل نموذجا دمويا لأولى الفتاوى الذي وقعت في صدر الأسلام / عام 5 للهجرة ، حيث أن بني قريضة ، أستسلموا للرسول بعد حصار 25 يوما ، وتولّى الصحابي سعد بن معاذ الحكم عليهم ، فقضى بقتل رجالهم وسَبي نسائهم وأطفالهم .. وهو ما تم بالفعل ، فقُتل منهم 700 رجلًا / وتفاصيل الواقعة مثبتة في المصادر – يمكن الرجوع أليها للأستزادة . ولابد من القول ، أن سعد بن معاذ لا يستطيع أن يحكم بالقتل ، لولا موافقة رسول الأسلام ، الذي بارك حكم القتل بقوله « قضاء الله فيهم من فوق سبع سماوات » . هذه الفتوى بني على أساسها الكثير من الأحكام من قبل شيوخ الأفتاء لاحقا ، وأخذت بها المنظمات الأرهابية الأسلامية في قتل المخالفين لهم ولأفكارهم.
ثانيا – أرى انه يمكن أن نقبل الفتاوى بشؤون محددة ، كقضايا العبادات / الصلاة وطرق الوضوء والصوم ، وقضايا الأرث والزكاة / في نطاق ضيق . وأرى أن القوانين المدنية يمكن أن تحل باقي الأشكالات المجتمعية الأخرى في عصرنا الحالي .
القراءة الأساسية : لو تركنا القراءة الأولى جانبا ، فسنكون أمام معضلة أشكالية كبرى ، لا بد لنا أن نحلل مضامينها وفق العقل والمنطق . (1) في صدر الأسلام كان محمدا هو الذي يفتي ، على أعتبار الرسول أنه ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى / سورة النجم: 3، 4 ﴾ ، ولكونه ” الأمين على وحيه ، وسفيره بينه وبين عباده ، فكان يُفتي عن الله بوحيه المبين ” ، وهذا يعني أن محمدا رسول الأسلام ، يفتي نيابة عن الله على الأرض ، وبمعنى أدق أنه يمثل الله على الأرض ، وبما أن قوم محمد لا يمكنهم مخاطبة الله ألا عن طريقه / محمد ، فكان هو الوحيد الأوحد الذي يكون الأتصال بالله من خلاله ! . (2) ولو فرضنا جدلا أن آل محمد ، الذكور منهم – أولاد فاطمة وعلي بن أبي طالب ، والذين يمثلون نسل النبي ، لحد الأمام الثاني عشر / أبو القاسم محمّد بن الحسن العسكري – الأمام المهدي ، ممكن أعتبارهم أهلا للفتوى ، على أعتبار أنهم من صلب محمد / عن أبنته فاطمة ، ولو أضفنا أليهم فرضا بعض الصحابة ، لأن بعضهم من المبشرين بالجنة والتابعين أيضا لغرض الفتوى ، كل ذلك ممكن قبوله على سبيل الجدل – ولكن لا بد لنا من جانب اخر ، أن نقول ، أن هؤلاء سيمثلون الله على الأرض ، أي حالهم حال رسول الأسلام ، وهنا نكون أمام مطبا أخرا أفحم من أوله ، وهو كم ممثلا لله على الأرض أي : ” محمد وآل بيته والصحابة والتابعين ” . (3) في موضوع مثير للقلق ، هو الذي يحدث في مصر ( مؤسسة الأزهر ، تتمادى في أعطاء الفتاوى ، حيث أسس ” مركز الأزهر العالمي للفتوى الألكترونية ” ، وأضيف أليه فتاوى عن طريق ” الهاتف ” ، مع فتح ” أكشاك للفتوى ” في محطات المترو والطرقات ) .. ختام الأمر فقد أصبحت للفتاوى دكاكين . (4) من كل ما سبق – ونظرا لوجود مئات الألاف من شيوخ الفتاوى ، فهذا يعني ووفقا من أن الفتوى حكما ألهيا شرعيا ، فهذا يدلل بشكل غير مباشر ، من أن كل الشيوخ ممثلين عن ” رب البشر ” . علما أن المنطق يقول و وفق بعض المواقع أن من يخلف الرسول في الفتوى هم ” الصحابة والتابعين ” ، وليس كل من لبس العمامة أصبح شيخا ومن ثم مفتيا ! .
خلاصة : رجال الدين ، يستولون على قدسية مهام الله / بشرعنة معتقدية ، بأتخاذهم تحليل وتحريم وجواز وألزام أفعال معينة ، دون أخرى ، بحجة أنهم يفتون من كتاب القرآن وسنة وأحاديث محمد ، هذه الفتاوى ، جعلت رجال الدين يشكلون جبهة دنيوية أرضية ، تحكم للبشر بأسم رب البشر ، فكم نائب وممثل ووكيل عن رب العالمين ، هذا الوضع أصبح مأساويا ، حيث أن المتاجرة بأسم رب العالمين أصبح رسميا .