23 ديسمبر، 2024 6:30 ص

الفاشلون يدفعون الثمن في كوردستان ولا يدفعونه في بغداد

الفاشلون يدفعون الثمن في كوردستان ولا يدفعونه في بغداد

في مشهد حزين أقر الأتحاد الوطني الكردستاني بهزيمته في الإنتخابات البرلمانية في أقليم كردستان العراق , هذا الحزب العريق بدأ ينزف رصيده الشعبي منذ الأعوام الأولى لإحتلال العراق في حين ان القطب الثاني للحركة الكوردستانية الحزب الديمقراطي الكوردستاني ما زال يتزعم الكتل البرلمانية في الأقليم وهو رغم مفاسد السلطة واضرارها ما زال يتمتع بالشعبية الأوسع بين جماهير الأقليم ونخبه السياسية والفكرية الا ان الامر عكس ذلك مع حزب المام جلال ولا بد من وجود أسباب تفسر هذا التراجع المدوي لهذا الحزب العراقي التاريخي وهذه الأسباب ليست بخفية عن الرجل الكردي البسيط او حتى العربي لذي ينتقل مصطافا في ربوع كردستان فهناك هوة واسعة ما بين الاعمار والخدمات والمستوى المعاشي بين قطبي الاقليم أربيل والسليمانية فاربيل محافظة حيوية غبار الاعمار يغطي سمائها الصافية وانت تنتقل بين شوارعها الرئيسية تشعر وكأنك في أحدى دول الجوار المتقدمة عكس الحال مع السليمانية فهي لم تشهد ما شهدته أربيل الا في السنوات القليلة الماضية وبعد أن بدأ الشارع السليماني يضيق ذرعا بسياسات الحزب وفساد شخصياته وتلكؤهم في بناء مدينتهم وبعد ان خرجت قيادات كبيرة من هذا الحزب وشكلت حركة التغيير الكوردستانية والتي تنشط في السليمانية مستغلة السخط الشعبي على اداء حكومة السليمانية وتعثرها في أداء مهامها قياسا الى اربيل , الضغط الشعبي كان له دور كبير في تصحيح مسارات الجزب وتعديل سياساته نوعا ما الا ان هذا التصحيح والصحوة المتأخرة فيه لم تسعفه البتة فسخط الشارع السليماني كان أكبر من أن تحتويه معالجات وقتية وحلول ترقيعية إعتاد عليها الساسة العراقيون بعربهم وأكرادهم , إن ما حدث في انتخابات كوردستان الاخيرة هو انقلاب كبير بكل معنى الكلمة دفع ثمنه حزب المام جلال الطالباني وسبب تسميته بالأنقلاب لأن المجتمع الكردي مجتمع محافظ لا يغير ارائه بسرعة وهو وفي لقياداته وزعاماته التاريخية ومن الصعب ان تجد كرديا متقلبا في ارائه بل بالعكس من ذلك تراه متعصبا لحزبه وفئته وقوميته وزعاماته التاريخية وهذا ميزة معروفة لديهم وبالتالي ان هذا التغيير في مواقف الشارع الكوردستاني يوازي برأيي ما حصل في عام 1958 بانقلاب عبد الكريم قاسم فعلى عكس الكردي الانسان العربي في العراق لا يشعر بالولاء لقياداته ولا يتحزب لهم ولا يتعصب لهم بل يستطيع ان يغير من قناعاته بين ليلة وضحاها وهذا ليس عيبا في العقلية العربية البتة انما ناجم من كون القيادات الحزبية العربية قيادات فاسدة وتخذل جماهيرها دائما عند أول مغنم عكس القيادات الكوردية التي لم تلوثها أدران السلطة الا في فترة متأخرة من القرن الماضي والعقد الأول من هذا القرن .
ان الانقلاب الكردي في مدينة السليمانية وصعود نجم جبهة التغيير سيخلق ارباكا في المشهد السياسي الكردي الذي اعتاد على نمط الحزبين الحاكمين ومعارضة اسلامية خجولة , ولكن هذا الأرباك سيصب حتما في مصلحة المواطن الكردي البسيط اذ ستلجأ حركة التغيير الى احداث النغيير المطلوب وتحقيق شعاراتها على أرض الواقع سيما وان جل جمهور هذه الحركة هم من الشباب الكردي الذي ضاق ذعا بالسياسة الأيوية لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني , وبالتالي إذا ما نجحت حركة التغيير في تحقيق شعاراتها فأن حزب مام جلال سيواجه حرجا أكبر في المستقبل ولربما تنشق عنه قيادات أخرى شادة الرحيل نحو زميلهم القديم زعيم حركة التغيير نوشروان مصطفى , وإذا حدث العكس وفشلت حركة التغيير وقام الزعيم الكوردي البراغماتي التكنوقراطي برهم صالح في تصحيح مسارات الحزب المهزوم وتعديل مساره وبذل الجهود من أجل الأقتراب من مطاليب الجماهير الكوردية فمن الممكن أن يستعيد الصدارة ويكسب وهكذا هذه هي بإختصار اصول اللعبة الديمقراطية فالناس تعطي أصواتها لمن يحقق مصالحها وعلى الأحزاب ان تتنافس لخدمة الشعب ووجماهيرها في ان واحد كي تضمن البقاء في السلطة وتحقيق اهدافها وبرامجها .
مغزى هذه المقدمة الطويلة هو ان نطرح سؤالا مهما لماذا لم يحدث هذا في بغداد ؟ لماذا أحزاب السلطة هي هي (دعوة , مجلس اعلى , تيار صدري , حزب اسلامي , عراقية ) منذ عام 2003 الى الان  , لماذا أصبحت رئاسة الوزراء حكرا على حزب الدعوة الذي فشل في كل شيء ؟  لماذا احتجنا الى تغيير النظام الانتخابي الى نظام سانت ليغو لنضمن تغييرا لا يلبي الطموح في كنس أحزاب السلطة تلك في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة ؟ فحسب دراسة احد اعضاء المفوضية السابقين فان النظام الانتخابي القديم لو طيق على الانتخابات المحلية الماضية لتصدرت احزاب السلطة نفسها نتائج الانتخابات ولظل المشهد السياسي والخدمي على حاله بل من أسوء الى أسوء , ان ما تفاجئت به من تصريح هذا الشخص التكنوقراطي يدل على ان قناعة الناخب العراقي الذي يذهب فعلا الى الانتخابات لم تتغير وان الناخب العراقي الرافض لمفاسد أحزاب السلطة أحجم عن الذهاب الى مراكز الإقتراع لأسباب عديدة , ويبدو ان هذا الوضع يرضي أحزاب السلطة الى حد بعيد وخاصة هي من تروج لأفكار قبل الانتخابات بان النتائج محسومة وان الكل اقتسم الكعكة ولا حاجة بك يا ناخب ان تذهب الى مراكز الاقتراع وبالمقابل تحث انصارها وممن لا تشك بولائهم للذهاب الى مراكز الاقتراع وايضا تحاول شراء اصوات المترددين في التصويت , وقد نجحت الدعايات الحزبية تلك اذ فضل البغداديون قضاء عطلة انتخابات المحافظات في شمال العراق او الانكفاء في بيوتهم بدلا من التصويت ف اكثر من 62% من الناخبين لم يدلوا باصواتهم , فأين الديمقراطية المزعومة وأين حرية التعبير ؟ وأين الحرص على تلبية متطلبات الشعب ؟
طبعا ساسة أحزاب السلطة عللوا بأن هذا الأمر طبيعي لان في الدول المتقدمة لا تزيد نسبة التصويت احيانا عن الخمسين بالمئة في أحسن لأحوال ولكن نسوا هؤلاء ان تلك الدول المتقدمة الناس فيها لا يعرفون حتى إسم رئيس جمهوريتهم لان حقوقهم ملباة قبل ان يطالبوا بها وان القانون هو الذي يحكم وان المؤسسسات هي التي تدير النظام لا الافراد وبالتالي الناخب الاوروبي والاميركي قد لا يعنيه من يحكم طالما ان مصالحه محفوظة في ظل حكم س او ص ولكن حتى مع هذا الأمر فان ادارات الدول المتقدمة يزعجها هذا الأمر وتعمل درسات وتستعين بخبراء في الاجتماع والسياسة والرأي العام لكي تتدارس هذا الأمر وتحد منه , وأنا بنفسي رأيت ان معظم السويسريين لا يعرفون اسم رئيس دولتهم أو وزير خارجيتهم فهم لا يعبأون بهذا الأمر عكس الحال معنا في العراق وفي الدول الديمقرطية الحديثة اذ لا بد ان تكون النسبة مرتفعة جدا جدا لان الناس تطمح بالتغيير ولكن كما أسلفت ان احزاب السلطة بعد فشلها في ادارة البلاد عمدت الى تغييب دور الناخب العراقي وتزوير ارادته من خلال التزوير او استيراد الانظمة الانتخابية والمعادلات المعقدة في حساب الأصوات التي لا يفهمها الرجل المثقف احيانا فما بالك بالرجل البسيط , انه المشهد القاتم الذي سيتكرر بعد أشهر عندما يبدأ العد التنازلي للانتخابات تفجيرات ارهابية كبيرة حملات إغتيال , تهجير طائفي , تسقيط سياسي وسجالات سياسية تقتضي الإطاحة ببعض رؤوس الفساد الصغيرة دون الكبيرة ذرا للرماد في العيون والنتائج الانتخابية على حالها لربما يزداد الطين بلة من خلال نجاح احزاب سلطة رئاسة الوزارة في إضعاف خصومها كالقائمة العراقية بعد الاطاحة برؤوسها ونفيهم او عزلهم عن الحياة السياسية والصدريين الذي سحب البساط من تحت أرجلهم في بعض معاقل التيار بسبب نشاط الميليشيات الموالية للحكومة وكذلك من خلال تبني نموذجا جديدا للنظام الانتخابي سيكفل القضاء على الفرص المحدودة أصلا لظهور بعض الكيانات الصغيرة في البرلمان , المشهد الانتخابي القادم سيكون مشهدا مؤلما وسيكون اشد إيلاما من المشهد الحاضر , فالإرهاب واليأس غيب و سيغيب الناخب العراقي عن اخذ دوره في قيادة التغيير المطلوب  وبالتالي ستظل عحلة الفساد دائرة وستزداد سرعة عجلة الإرهااب , لهذا على الجميع ان يطمئن ان بغداد لن تلحق بركب اربيل ولا السليمانية في التطور لأن النتيجة ستكون انهيار كتل واحزاب السلطة ورميها الى مزابل التاريخ , هنيئا لك يا اربيل وهاردلك لك يا بغداد .