مما لاشك فيه، إن حكومة السيد العبادي شكلت في وقت إستثنائي، حيث كانت المساحة السياسية، مشحونة بالصراعات الحزبية والقومية؛ لكن رغم كل هذه التجاذبات، أتفق معظم الكتل السياسية الوطنية، وفي مقدمتهم كتلة المواطن وتيار الاحرار؛ على برنامج حكومي وأضح المعالم، من خلال ما أعلنه رئيس الوزراء، أبان تشكيل كابينته الوزارية، وأكد في البرنامج الحكومي على نقاط مهمة وإستراتيجية، وقد كان أولها أن تلغى مفهوم الوكالة، للوزارات والهيئات الأخرى، وتسنم بالأصالة حسب الإتفاقات السياسية، والإستحقاقات الإنتخابية، من أجل التوازن في المركب
الحكومي.
هذا المفهوم لم يكن في البرنامج الحكومي وحده، وإنما جاء مراراً وتكراراً في البيانات المتتالية للمرجعية الدينية، التي حذرت الحكومة من الوقوع مره أخرى في هذا الفخ، والغول الكبير الذي أبتلع العملية السياسية ومؤسسات الدولة، وجعلها أشلاء لا تقوى على إعادة ترتيب نظامها الداخلي، وبالتالي أصبح هذا الأمر مرفوض؛ من قبل المرجعية والقوى الوطنية والشعب العراقي، الذي ذاق مرارة الوكالات والروتين القاتل، والإرباك الكبير والفساد الإداري والمالي، والرشوة التي إستشرت في جميع مفاصل الدولة.
أمانة بغداد وهيئة الحج والعمرة وهيئة النزاهة، ثلاثة هيئات بالوكالة لحد الأن في حكومة السيد العبادي، ولا سيما وان هذه الهيئات مهمة وحيوية، ولها تماس مباشر مع المواطن، بعضها تتعلق بالخدمات وراحة البغداديين، وبعضها تحافظ على مقدرات الشعب وتتبع خيوط الفساد والرشوة، وتكبح كل من تسول له نفسة بهدر المال العام؛ والأخرى لها إرتباط دولي ولها ميزانية كبيرة وملفاتها شائكة.
إن الوكالة أشبه بالذي يؤجر دار للسكن، ينتظر متى يخرجه صاحب الدار منها، فلذلك لا يمكن أن يرممها ويبذل جهد عليها، وقد تتهالك تلك الدار بسبب كثرت المستأجرين ولا مبالات فيها، هكذا أصبح معظم دوائر الدولة ومؤسساتها، منذ 2003 تدار بالوكالة، وفي مقدمتهم الوزارات الأمنية في حكومة الولايات المتعاقبة.
غول الحزب والسيطرة مره أخرى على مفاصل الدولة، بداء يقترب من السيد العبادي، ويلتهم جميع ما حققه خلال الأشهر المنصرمة، وهذا منحدر خطير على العملية السياسية، في ضل هكذا أمور محتدمة، وخطوة غير موفقة، قد تجعل معظم القوى تتخلى عنه، ويصبح ضمن إطار” الوجوه الكالحة”.