ان انقلاب 17 تموز في العراق عام 1968 هو الانقلاب الوحيد في العالم الذي لم يكن دمويا و لم تُراق فيه قطرة دم واحدة و لهذا استحق ان يكون في نظر مؤيديه (الثورة البيضاء)ان المجموعة التي قامت بانقلاب 17 تموز في العراق هي نفسها المجموعة التي قامت بانقلاب 8 شباط في 1963 (14 رمضان) او امتدادا لها و كان العنف غالبا عليها في 8 شباط و كانت المجاميع المنتظمة في الحرس القومي لحماية اهداف و افكار القائمين على الانقلاب و التي كانت تتصف بشراسة كبيرة ضد خصومها و كان النزاع محتدما على أشده و قد ذهب ضحاياه الكثير من ابناء الشعب العراقي
ان انقلاب 8 شباط و ما صاحبه من عنف جاء رد فعل لتفرد الزعيم الاوحد بالحكم و ما قام به من تأرجح في سياساته بين الشرق و الغرب و بين الحركات و الاحزاب في الداخل و التخبط في علاقاته الاقليمية و العربية
ان الذي يتحمل جزءا كبيرا مما حصل في 8 شباط هو من أسبغ على عبد الكريم هالة زائفة من الالمعية خلقت منه الزعيم الاوحد
ان فكرة الزعامة و التعظيم فيها لم يتصف بها صدام حسين فحسب
بل هو منهجا دأب عليه المتزلفون في خلق زعامات زائفة
و عليه (ان من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها)
من الخطأ ان نوجه سهام نقدنا و غضبنا ضد صدام حسين حينما جعل من نفسه زعيما اوحدا
فقد سبقه اليها عبد الكريم قاسم بفضل من التف حوله من الشيوعيين و جعلوا منه زعيما أوحداً
و جاء من بعده محمد صادق الصدر ليجعل من نفسه الاعلم
و اليوم نشاهد ابنه مقتدى الذي فوضه الجاهلون ليكون ممثلا عن جميع العراقيين
و قد سبقهم المصريون حينما جعلوا اذاعتهم تنطق مدوية باسم (جميع) العرب لتبث فقراتها عبر الاثير و هي تردد (هنا صوت العرب – من القاهرة)
و قد سبقهم الاسلام حينما نسف جميع الديانات التي كانت في يوم تعتبر نفسها انها ديانات سماوية و ان معتنقيها من أحباب الله و انهم من (الفائزين)
جاء الاسلام ليجعل من دياناتهم مرفوضة و غير مقبولة و انهم من (الخاسرين) حينما نادى بأعلى صوته (و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الاخرة من الخاسرين)و لم يكتف بنسف دياناتهم بل جعلهم من (الخاسرين)
جاء انقلاب 17 تموز بعد مضي أقل من خمسة سنوات عن الانقلاب الاول بعد اجهاضه في ردة تشرين ليصحح اخطاءه السابقة و ليستفيد من تجاربه و تجارب غيره و يجعلها ثورة تحمل كل معاني الرفعة و الخير و العطاء للعراقيين و كان عازما في الوصول الى غاياته الطيبة
و لهذا تحالفت جميع الاطراف بعد ان تنبهت بخطورة استعادة الدور الحقيقي للعراق لتقف سدا منيعا امام تحقيق اهدافه النبيلة
و قد تآزرت جميع الاطراف فيما بينها محلية و خارجية – دينية و ليبرالية و علمانية لتقف ضده
و رغم ان الانقلاب حقق الهدف و تحول الى دولة عتيدة ذات سيادة و مؤسسات رصينة
و بقت هذه الدولة (العراق) كيانا صلبا تجاه المحن و العواصف التي لم تبرح لحظة واحدة من الكف عن التآمر ضده
و تفاقمت المؤامرات و الفتن و عظمت الرزايا ضد العراق و العراقيين
الى ان أنهكته و جاء اليوم الذي فصلت فيه الجسد عن الرأس ليبقى العراق صريعا مضرجا بدمه
و بعد مضي ما يقارب 48 عاما جاء انقلاب تركيا في 16 تموز عام 2016 ليحرك هاجس الخوف لدى الحكام البلداء الذين لم يتعضوا من حركة التاريخ و اوهموا انفسهم بان الانقلابات ولّت الى غير رجعة
ان انقلاب تركيا سيعود اكثر قوة و اكثر مراسا
و سيحقق نجاحا كبيرا بعد ان يتجاوز أخطائه
ليكتسح أردوگان و غير أردوگان الى الابد
و لا يفصل بيننا و بينه إلاّ زمنا لم نراه بعيدا