23 ديسمبر، 2024 5:28 م

الـ (نكتة) في حياة العراقيين

الـ (نكتة) في حياة العراقيين

لا اعرف حقا مصدر كلمة (نكتة) التي يرددها العراقيون، وهي تقابل (طرفة) في العربية الفصيحة ،واشتهر العراقيون عموما بحب تداول الـ (نكات) في مجالسهم  مصحوبة بضحكات وبقهقهات عالية الصوت تبعا لمعنى وقوة  مضامينها ، فضلا عن نهاياتها التي لابد وان تكون مدخلا للضحك ،وتعد الـ (نكتة) في واقعها صورة (كاريكاتيرية) تحفل بالرموز والتشفيرات والمبالغة والتضخيم الدرامي ،ولهذا الغرض ليس كل امرء حافظ لـ (نكتة) يستطيع ان يرويها لانها تفترض شروطا منها:حسن الالقاء وجودة التمثيل والعرض وتتابعيته والتشويق بقصد جذب واثارة  المستمعين ،وهناك من يستمع ويضحك وهناك من يلاحق اخر الـ (نكات) ويعدها جزءا من اهتماماته اليومية ،ولربما مدمن في حفظها وتداولها ،وتعد الـ (نكات) سجلا حكواتيا هزليا يستمد معينه وافكاره من شواغل الشعب الفرحة والحزينة ،وارتبط كثير منها بمواقف حصلت لايمكن ان تحصل في ظروف طبيعية ولايكاد شعب على البسيطة ليس له خزين من الـ (نكات)التي لربما تؤثر او لاتؤثر في شعوب اخرى لأرتباطها القوي بعادات وتقاليد ومواقف تلك الشعوب ،واستمد العراقيون عموما (نكاتهم) من واقعهم وما مر بهم فهناك مايخص مواقف الحكام والسلطات ،وهناك مايخص الفنانين والادباء والمثقفين ،وهناك مايخص عامة الشعب ،وفي ظروف سلطوية مهيمنة اطلق عديد الـ (نكات) التي تخص هذه الفئة المجتمعية ،او تلك وكانت مقاصدها واضحة وهي لاشك غير بريئة وخبيثة في ذات الوقت ،بل تداول الناس ما يخص الانشغالات الدينية والسياسية والعقائدية ،ويرى كثيرون بأن ترتيب وتوليف الـ (نكات) لايتم اما وفق فعل تراكمي مرتبط بموقف،او هو ناتج عن عمل مرتبط بأجهزة الدولة ،وذلك لرصد انفعالات او ردود فعل معينة ،وهذا معمول به في الاجهزة المخابراتية والامنية وغيرها،وفي العراق ارتبطت كثير من الـ (نكات) بكثير من تلك المواقف  على مستوى احداث الدولة او الفرد او المجتمع ،وقسم منها مازال في ذاكرة العراقيين الذين يطلقونها ايام الضيق والألم  والكبت، وبطبيعة الحال لم يبقى موضوع الا وقيلت فيه (نكتة)،والذي يصاحب انسانا محبا وراويا للـ (نكات) ،فانه لاشك يصاحب انسانا مرهف الحس طيب القلب (اريحي) المزاج،يروح عن نفسه والاخرين دون مقابل ،ويمكن ان يضحكك اناء الليل واطراف النهار بقدر مايحفظ من قديم او جديد، ونحمد الله ان احداث العراق الدراماتيكية تفتح الباب واسعا امام مخيلة سينارستيت مؤلفي و مرتبي الـ (نكات) حتى في اسوء الظروف الحزينة بغية التخفيف ،وبالطبع لايقصد من ذلك السخرية او الاستخفاف ،بل تأتي من منطلق انساني جميل ،وعموم العراقيون يحبون رواة الـ (نكت) لانهم يلطفون الجو ويبعثون في المجالس عطرا طيبا ،وقلة قليلة لاتحفل بذلك ،ان الشعب العراقي هو شعب حي ،و لاتتوافر الـ (نكات) الا عند الشعوب الحية ،لانها ترجمة صادقة عن انشطتها الحياتية ،واحدث الـ (نكات ) او (التحشيشات ) التي سمعتها هذا اليوم مرتبطة بالانتخابات وكان اجملها ان اسماء المقترعين  الذين لم تظهر اسماءهم البارحة ظهرت اليوم!!!او ان هناك دورا ثانيا وثالثا لمن فشل !!وهكذا وبطبيعة الحال ستطلق (نكات ونكات اخر) طيلة  ما استمر نشاط الانسان في حزنه او فرحه وهي بالنتيجة ضحك على الواقع وهروب نحو افق خال من الهم والغم الانساني.