مـن لـزومـيـات مـا لا يـلـزم ! هـي لـزومـيـة الـتـرابـط ألـصـمـيـمـي فـي مـقـيـاس درجـة التـخـلـف فـي أي مـجـتـمـع ، هـو مـقـدار انـدفـاعـه نـحـو الـمـشـعـوذيـن والـدجـالـيـن وقـراء الـكـف والـطـالـع . وقـد راجـت فـي الـعـراق وبـشـكل مـلـفـت للانـتـبـاه فـي الـسـنـوات الأخـيـر مـثـل هـذه الـظـواهـر الـمـفـجـعـة الـتـي تـدل عـلـى عـمـق الانـحـطـاط الـفـكـري والـثـقـافـي ، وانـهـيـار الـبـنـى الأساسـيـة وضيـاع الـمـنـاهـج الـعـلـمـيـة والإعـلامـيـة والـتـعـلـيـمـيـة وتـفـشـت وبـنـمـطـيـة واسـعـة عـنـاويـن الاسـتـشـفـاء مـن الأمـراض الـمـستـعـصـيـة وطـرد الـجـن والأرواح الـشـريـرة والـعـلاج بـالـعـسـل ! وازدحـمـت بـيـوت هـؤلاء الأمـيـيـن بـعـشـرات الـبـائـسـيـن مـمـن فـقـدوا الأمـل ( وغـالـبيتـهـم مـن ذوي الأمـراض الـنـفـسـيـة ) وجـلـهـم مـن الـنـسـاء . وصـارت تـعـلـق لـوحـات إعـلانـيـة كـبـيـرة تـشـيـر إلـى الـمـعـالـج الـروحـاني أبـو سـجـاد الـبـعـاج والمـعـالج بـالـقـرآن أبـو أحـمـد الـكـاظـي وشـيـخ الـمـعـالـجـيـن أبـو عـلـي الـشـيـبـانـي وقـائـمـة تـطـول مـن هـؤلاء الـمـنتـفـعـيـن عـلـى حـسـاب جـهـل زبـائـنـهـم الـبـؤسـاء ومـا أكـثـرهـم .
والـمـضـحـك الـمـبـكـي إن بـعـض الـفـضـائـيـات الـتـي كـنـا نـتـرجـى بـهـا خـيـرا ً قـد أنـخـرطت وبـدوافـع مـاديـة بـحتـة فـي الـتـرويـج لـهـؤلاء الـدجـالـيـن وخـصـصـت لـهـم مـسـاحـات واسـعـا فـي تـغـطـيـتـهـا الـيـومـيـة وكـادت أن تـألـهـهـم ، ومـنـهـا فـضـائـيـة الـديـار الـتي يـرأس مـجـلـس إدارتـهـا الـسـيـد فـيـصـل الـيـاسـري الـمـحـسـوب عـلـى شـريـحـة الـمـثـقـفـيـن الـعـراقـيـيـن ، وقـد زج بـبـعـض الـفـنـانـيـن الـعـراقـيـيـن الـقـدامـى تـحـت فـاقــة الـعـوز ، لـيـقـابـلـوا ( الـمـعتـوه أبـو عـلـي الـشـيـبـانـي ) خـجـلـيـن مــكسـوري الـجـنـاح تـلـمـح الـحـرج عـلـى وجـوهـم بـوضـوح وهـو يـلـقـي عـلـيـهـم وعـلـى جـمـهـوره الـواسـع محاضراته الـطـبـيـة وأخـراهـا كـتـابـه الـذي يـعـده للـطـبـع والـذي سـيـغـنـي كـل مـن يـقتـنـيـه وعـائـلـتـه مـن الـذهـاب إلـى الـطـبـيـب أبـدا ! وفـي مـداخـلـة مـع مـقـدم الـبـرنـامـج الـفـنـان الـخـجـلان ! صـرح أبـو عـلـي الـشـيـبـانـي بـان أحـدى شـركـات الـنـشـر عـرضـت عـلـيـه مـبـلـغ ( عـشـرون مـلـيـون دولار ) مـقـابـل شـراء مـخـطـوطـتـه الـنـادرة الـتي سـتـحـدث زلـزالا ً فـي الأرض كـمـا لـم تـحـدثـه نـسـبيـة أنـشتـايـن واكـتـشـاف الـبـنـسـلـيـن .
وهـنـا أذكـركـم بـعـبـارة أطـلـقـتـهـا الأديـبـة الـعـربـيـة غـادة الـسـمــّان فـي مـطـلـع الـسـبـعـيـنـات تـندرج فـي هـذا الـمـفـهـوم ، إذ تـقـول : مـا مـن حـاكـم ٍ ظـالـم ٍ مـستـبـد ، إلا ّ ورائـه شـعـب ٌ اسـتـبـد بـه الـجـهـل … وأقول وراء كـل مـشـعـوذ جـيـش مـن الـجـهـلـة .