23 ديسمبر، 2024 5:25 ص

الــمــبـــدع والــمخـــابرات – 03-

الــمــبـــدع والــمخـــابرات – 03-

قـرينـــة الـتجـنيد
فـمن الطبيعي أن يندهـش المرء ويضطرب أمام ما يسمعـه في شأن العملاء والجواسيس؛ لأنه في عقد السبعينيات من القرن الماضي؛ بعْـد اشتداد الصراع وقتئذ بين{ اليمين/ اليسار} كانت التهمة الرخيصة في صفوفنا تجاه كل معارض لأفكارنا أو تصوراتنا بأنه{ مخابراتي} وتلك لعمري؛ كانت تهمة لها مفعولها؛ حينما نعيد أشرطة الماي ووضع مقاربة أو قرينة بما ينشر الآن من معْـطيات وتسريبات جـد خطيرة كوثائق (ويكـليكس) و( كريس كـولمان) وعَـلى ذكر هـذا الأخير لقد سـرب وثائق في حق العديد من الصحفيين المغاربة؛ وهي حقـا مثيرة للغاية : إن الواقع الملموس؛ المسنود بالصور(..)هـو أن أغلب الوثائق المسربة؛ ممـضاة من طـرف شخص واحـد معـروف أو موجهة إلى نـفـس الشخص؛ وهو صحفي نعـرفه رئيسا لمجلس إدارة جـريدة يومية؛ كانت لسان حـزب كبير؛ وهو الذي اشـتـرى مجلة أسبوعية وهـو المحَـررالدائم في قناة إلكترونية لمواضيع تدعـو إلى الإخـلاص الـوطني والإصلاح السياسي… فـمـن سَـرَّبَـها للمسمَـى كـريس كـولمان ؟ ثـم إن الوثائق التي تحمل اسـم هـذا الصحـفي(..) كـلها ذات أهـداف انتهازية؛ شخـصية تنطـق سطـورها بالرغـبة للحـصول على الأمـوال التي لـَيست موجهة للصحفيين الأجانب وحـدهـم …(1) فـفي هـذا السياق فالصحفي يمارس فن القـول (أي) يظل مبدعـا سواء في صياغة الخبر أو استجلابه للقراء/المستمعين/المشاهـدين؛ وإذا عدنا للردود وردود الفعل بين( صلاح نصر/ مصطفى أمين وأخيه) المعروفين كصحفيين في صحيفة ( الأخبار) فمصطفى : كان سندا لمذكـرات (اعتماد خورشيد) وعلى ضوئها تم إنـتاج العـديد من الكتابات والأفلام المرعـبة عـن المخابرات: وهكذا قضية العميل مصطفى أمين؛ لم يكن مصطفى أمين هـو الهدف؛ ولم نتتبـعه إلا بعد أن تيقن لرجال مكافحة التجسس أنه عميل من عملاء” بروست أوديل تايلور” ولا أستطيع أن أذكر لك تفاصيل لتتبعنا لنشاط بروس وغيره من عملائه (2)هـنا يتضح بأن المخابرات لها علائق وطيدة بالإعلام والصحافة؛ وهاته الأخيرة من طبيعة مهامها لها علائق بالفن والابداع؛ ولاسيما أن الوسط الفني ؛ يعتبره العـديد بأنـه نسيج من الرذيلة والانحلال، والاسفاف السلوكي والفكري ! لأن الأسئلة دائما تتناسل (مثل) كيف بلغ – فلان- النجاح والشهـرة والمجـد وفـنه هابط ولا قـيمة له من الناحية الجمالية ولا الفكرية حتى ؟
ومفتاح الجـواب ( هنا ) يمكـن تصديق سقـوط جملة مـن المبدعين في أحـضان الجهاز. فحينما يصرح الممثل إيهاب نافع في مذكـراته بأنه : طـیار ورجل مخابرات اقتحم عالم التمثيل للتخـفي، ھكـذا عـرف الفنان الراحـل إیھاب نافع، والذي وصف نـفسھ بأنھ “عمیل مـزودج للقاھـرة وإسرائیل”، وعمل منتجًـا بالتلیفزیون، ومثّـل كذلك في عـدد من الأفلام خارج مصر، ومن بینھا فـیلم ” طریـق بـلا نھایة ” و” في طریقي رجـل” وغیره (3) ألا يمكن تصديق مثل هـذا. وبالتالي فاتهام المخـرج والممثل المسرحي السوري همام حوت:: بأنه يعمل لصالح الأجهزة الأمنية وأنه يسـوّق لها عن “طريق التنفيس” الذي يمارسه في مسرحه، كما اتهمتـه بذلك وسائل إعلام غـربية.إلا أن هـذه الاتهامات ليست غريبة على الفن السوري، فـقـد وجهت من قبل لدريد لحام وياسر العظمة الذين بدا للصحافة الغربية ومراقبين غربيين “أنهم يتمتعون بقدر عال من الحرية في نقـد الأوضاع الداخلية السورية في بلد تسيطر فيه الدولة على كل وسائل الإعلام وتحظر فيه الأنشطة السياسية المعارضة ويخاف فيه الناس من نقد الحكومة والحـزب في أحاديثهم العامة(4) ولكن الفنان [همام حـوت] حاول أن يدافع بشدة عـن مسرحياته في وجه “اتهامات” التي وجهت له ؛ بما فيها تعامله مع المخابرات؛ مؤكِـدا بأنه انتقـد المخابرات في أعماله المسرحية، كـَما انتقـد أدق تـفاصيل الوضع الداخـلي الســــــوري.

الـســــؤال الــمـحـيــر: ؟

كيف يشعـر المرء وهـو يدافع عـن الاتهامات الموجهـة إليه من لدن أصدقاء وزملاء و أفـراد أو صحف؛ وهـو أساسا يـدرك أنه فعـلا متـواطئ ومتورط بشكل أو آخـر في معمعان الجهاز المـخـابراتي؟
كهمام الحـوت الذي قام [الأسد ]بعد ذلك بتـقـديم الدعم لـه ؛ ليعرض مسرحيته في دمشق تحت رعاية “وزارة الدفاع” وبعدها أمسى يجمع الملايين…وكـشف أحـد أعضاء الفرقة المسرحية عن موقف مخجل تعرض له الفنان جهاد سعد، أحد أعمدة المسرح السوري، عندما فرض عليه “الحوت” إيقاف أحـد عروضه، ليبدأ هو بعروضه، وعندما هم “سعد” بطرده، رفع “الحوت” هاتفه الخليوي وأجرى اتّصالاً حل الموضوع، وتم بعدها إيقاف عروض الفنان جهاد سعــد(5) يبدو أن الصورة واضحة؛ من خلال لقطاتها المتعددة؛ تجاه هـذا الفنان؛ والذي يذكي تعامله أوتجنيده في صفوف المخابرات السورية؛ وإن حاول تبرئة علائقه؛ لأن كل المعطيات التي قيلت في حقه والمنشورة هنا وهنالك؛ لكافية رغم انخراطه في صفوف الممانعة حسب ما يُروج لنفسه؛ لأن المسرحي – دريد لحام- يبدو لنا أنه في خط الممانعة ؛ وحقيقة المعـطيات تشير عكس ذلك؛بعْـدمـا إكتشف السوريون وبعض العرب مقالب (غـوارالطوشة) الشيعـي الـذي تـآمر مع النظام ضد الشعب السوري ! فـأحد الكتاب المغتربين وعـضو في رابطة كتاب الثورة السورية. أشار في موقعـه الشخصي: تناقلت بعض وسائل الاعلام قبل أيام تصريحاً للمثل السوري (دريد لحام) في مقابلة له على إحدى الفضائيات اللبنانية بأنه (سيتخلى عن جنسيته السورية في حال أن سقط الأسد) من جهتي، فلم أكلف نفسي حتى مشقة البحث عن هذه المقابلة لأنها لم تفاجئني أصلاً، فالرجل ومنذ بداية الثورة وقف مع النظام القاتل وبصراحة لا تقـبل التأويل ضد الشعْـب المنكـوب. وهو بذلك إنما يكون قـد سقط مرتين، مرة فنياً ومرة إنسانياً وتلك هي القصة(6) ممكن أن نؤول كلامه؛ بأن هنالك تحاملا سياسيا؛ وصراعا بين النظام السوري والثـوارفي الداخل والخارج؛ يفرض لعبة الاتهامات وتسريب الإشاعات؛ باعتبارها نوعا من أنواع الحرب النفسية. ولكن هناك العـديـد مـن الفنانين والمبدعين والمثقفين؛ تم اعتقالهم في سجون النظام السوري (ك)الكاتب سامررضوان/الفنانة مي سكاف/ الفنان جلال الطويل/السيناريست محمد أوسـو/ الكاتب عدنان زراعي/ المنتج السينمائي عروة نيربية / المسرحي زكي كورديللو وابنه الفنان مهيار/ الفنانة ليلى عـوض هاته الأخيرة : صدَّقت الفنانة ليلى عوض على ما يبدو دعوة الفنان دريد لحام في الدخول إلى سوريا بعـد أن نشر دعوته القائلة بأنه سيكون مستقبلاً لجميع الفنانين المعارضين على الحدود … لكن على ما يبدو أناب عنه من يفي بالواجب، فاستضيفت في بلدها خير استضافة في محكمة الإرهاب ولم يحرك ساكناً (7) فطبيعي أنه كلما كانت السلطة أقل شرعية، تكون بالضرورة أكْـثر بطشـا و استبدادا، وتعسفها على المبدع أكبر وقعا وأشد أثرا. ولكن حينما تجـد في صفها أو خدمتها عملاء وجـواسيس !وهـذا الإقرار؛ الذي أدلت به الفنانة – ليلى عَـوض – لواضح بأن – دريد لحام – لمـجند في الجهاز المخابراتي ؛ وهو الذي تقلد منصب( سفير الـنـوايا الحـسنة) ويبدو لي أن هـذا( المنصب) يحتاج لنقاش أعمق(أي) لكشف ماهي الشروط الضمنية والسرية التي تسمح للفنان أن يتـولاه ؟ وبالتالي ما كان ينجزه – دريد لحام- أنه إبداع طليعي؛ ماهـو إلا تنفيس عما يعيشه المواطن من تجويع وظلم و تخويف و قمع، كاستراتيجية للحفاظ على السلطة وتكريسها، وهذا مبدأ السلطة التي تستعين دائما بالشريحة الفنية والثقافية لتتبنى ثقافة السلطة وتقوم على بـغية نشرها وتعميمها في مفاصل المجتمع. كما أكد العديد من المهتمين والنشطاء و النقاد والفنانين السوريين مؤخرا؛ بأنه ومن خـلال أعماله [السياسية] كان يدعـو إلى عكس مانـَراه منه اليوم، وبالتالي فممارسته الفنية ؛ لم تختلف عن الفنان (عادل إمام) الذي بدوره قدم أعمالا مسرحية/ سينمائية/ ضـد القهروالظلم وتحاربه ؛ مطالبة بذلك بالحرية والعَـدالة ! فـإذا به وقف وقـفة عناد وصلابة، ضد الثورة المصرية ومـؤيدا جهرا وبكل طاقته نظام (حسني مبارك) فمن خلال هاته الحقائق؛ يتبين أن جـل المبـدعـين(العرب) يعيشون في كنف المخابرات التي هي عـين السلطة بدون منازع ؟
فإذا عُـدنا للمخابَـرات المصرية التي كشفت تقاريرها ومذكرات بعضهم؛ بتجنيد الفنانين في صفوفها؛ فكيف لا يتم تصديق ما كشفت عـنه: التحقيقات التي قـام بها جهاز “الكسب غير المشروع”، التابع إلى وزارة العدل المصرية. أن صفوت الشريف؛ رئيس مجلس الشورى الأسبق، وأحـد ضباط المخابرات المصرية في فترة الستينيات، يملك 4 قصور في منتج “الميراج” في القاهرة الجديدة. أحـد هـذه القصور حصلت عليه الفنانة المغربية سميرة سعـيد… حيث تـقـدم محامي صفوت الشريف بمستندات تفيد أن القصر رقم 132 تم تسليمها إلى سميرة سعيد، ما جعل التساؤلات تحوم حول وقـوعها وانضمامها إلى قائمة الفنانات المجندات على يد صفوت(8) وهذا ليس غـريبا عن المخابرات المصرية ؛ لأن نفس الإهـداء قام به صلاح نصر: وكانت الراقصة ( أ . س ) التي فـشلت في الفـن؛ فاستخدمها الشيطان في أوامر السيطرة واشترى لـها فيلا في العجوزة …والممثلة ( أ. ز ) التي جندها لحسابه في بيروت؛ وغيرهـن من كبار الفنانات.. وأنصاف المشهورات.. والكـومبارس (9)من هنا ندرك الفرق بين الإبداع الذي تريده السلطة؛ والابداع المتميز والفاعل ؛ ذاك الذي يولد من رحِـم المعاناة والإكراهات والحاجه، فهذه فالظروف المأساوية التي يعيشها المبدع الذي هـو جزء من الكيان الاجتماعي؛ تعطيه دفعة قـوية لاستخـدام للفكر و الخيال ؛ لينتج ابداعـا له من الخصوصية الحياتية ما يميزه؛ باعتبار أن الإبداع في عـموميته مخاض بين الذات والواقع والفكرة؛ لكي يحمل في أعماقه تجربة فـكرية وجمالية تضاف إلى تجارب الآخرين. كمحصلة لتفاعـل الذوات المبدعة بالواقع المعاش، وهـذا الإبداع هو المستهدف عـند السلطة بالمفهوم الواسع ؛ وتسعى لتـدجنـه وترويضه ؛ لتعـزز انـوجادها وتكريس ذاتها كمؤسسة ناظمة لمنظوم المجتمع وبنياته ؛ فمن هـذا التصور تسعـى المخابرات أن تخترق المبدعين والفنانين؛ لكي يكونوا طوع منظوم السلطة؛ بحيث عيونها في كل الفنون؛ ولكن الآن تمركزت على السينما كإحدى وسائل التواصل الأكثر تأثيرا وقـوة الحضور في عقلية ووجدان الجماهير؛ مما أضحت بعض التـد وينات تكـشف عـن هاته العـلاقة ك: ضابط مخابرات له صلة عميقة بخالد صلاح (رئيس تحرير صحيفة اليوم السابع) ويظهر دائما في الصور معه بجانب صديقه المقرب رجل الأعمال أحمد أبوهَـشيمة، الـذي وصفه بالممول لأنشطة المخابرات الإعلامية…(من هـذا الضابط؟): هو ياسر سليم ضابط المخابرات العامة السابق، أو جنرال المخابرات حـسبما تطلق عـليه وسائل إعلام مصرية، شخصية ظهرت فجأة وتغلغلت في الوسط الإعـلامي والفني في مصر، ويشارك الآن في إدارة المشهد الإعلامي والفني عبر شركة تدعـى “بلاك أند وايت” للإنتاج الـفني والتي يشغل رئيس مجلس إدارتها(10) وهـذا ليس غـريبا؛ لأن المجال السينمائي مجال استثماري؛ وباستطاعـة السلـطة اختـراقه من باب وضع رجـل أعمال[ صوري] تـوظفه لأغـراضها؛ لأن المؤسسات في الـوطن العَـربي ، تدرك جـيدا ما لـقـوة السينما / المسرح كأسلحة زئبقية تستطيع بأفـكارها ورؤاها اختـراق عقلية ووجْـدان الجماهير؛ بحكـم عـملهما الجمعَـوي وباعتبارهِـما أسلحـة تواصلية بشكـل مباشر؛ وبالتالي فالمبدع كينونة موصلة بحياكة خطاب مُشوش وملـغـوم وإنتاج معرفة مشوهة وتعميمها، حتى تترسخ مفاهيم ساذجة وتصورات سطحية ؛ متباعـدة جـدا عـن سؤال الفهم والقبض على جـوهر الحقائق أو العـكس (أي) تفعيل ثـقافـة معارضة وإبداع مـلتزم بقضايا الشعْـب وهمومه ومعاناته ، ففي هـذا الإطار يكون المبدع واضعا خطـا مفصليا بينه وبين السلطة ؛مما يحـدث ذلك التجاذب والعـناد بينهما ؛ فـإن لم يسقـط ( ذاك) المـبدع فـي فـخ الاستقـطاب أو الانبـطاح ؛ تتمظهر آلية التهميش والإقـصاء ؟ ولكن الغـريب في هاته الآليـة يمارسها المبدعـون فـيما بينهـم خاصة في التظاهـرات واللـقاءات –
لــــــــــمــــــاذا ؟؟
هـنا لـن نمارس الإسقاط؛ أو أحكام قيمة ؛ على هاته الممارسة الإقصائية ؛ وحتى إن حاولنا تفكيك السؤال؛ فربما فيه إحــراج لجـهـة ( مـا ) مـمكن أن تكـون مجنـدة أو مُـسيـسـة أو انـتهازيـة . فـفي كـل الأحـوال ؛ ليس سـهلا القبض عـن كـُنه الإشكـال؛ وفي نفس الموضوع يصعـب على أغـلبية المجـنـدين أو المتـواطئين مع قـطاع ثقافي/ فني/ إبـداعي/ البـوح بـذلك والكـشف عن حقيقة الوجه الثاني؛ لكـن ما أثارني بشكـل مستفـز تصريح فنان سوداني [ جمال فرفـور] في برنامج منتدى (حكايات) الاجتماعي الفني : نعَـم، انتمى لجهاز الامن والمخابرات الوطني وافتخـر بهذا الشرف والانتماء، فأنا ضابط بقـسم الشؤون القانونية (11) وهـذا جاء بناء على سؤال محمد الاقـرع من صحيفة (الوفاق): هل فرفور مُنتمي لجهاز الامن والمخابرات الوطني؟ فهل تصريحـه غـباء أم مباهاة أم جنون العظمة أم تخـويف لمنافسه في الميدان؟ فهاته التـساؤلات نـجـد بأن أحـد المبدعين المسرحيين رد عليه بقـوله: …لـقـد ظـلت الـعـلاقة بيـن الـفنان والسلـطة علاقـة يشوبها الحـذر والتعـقيد والتناقض واختـلاف منطلقات كـُل منها عـن الآخـر…… وأنت تـقـر وتفتخر بانتمائـك لجهاز سلطـة الدولة؛ فإنها لمناسبه لهـذا التـداعي من التحاور والتأمل والاستـدراك. لقـد كان لـزملائـك ضباط جهاز الأمـن والمخابرات دورا كبيرا في إعاقــة وتعطيل مسيرة الفـنون والثـقافة في بـلادنـا سـواء أن كان ذلك في عهد الحكومة الحالية أو سابقاتها. فالأمنيـون بطبعهـم ميالون لأن يكـون الأمـن مستتبا ….. أما الفنون والتي تعـد أنت أحـد الناشطين فيها ؛ فإن فيها من الحـيويـة والحِـراك ما يجعـلنا نبتعـد بها قـلـيلا من المقابر. حين نـود إطــلاق شـرارتها لـتـشعـل الحياة بالحـيوية والحـراك والفعل الجمالي و الإيجابي…. لقـد ظلت الـعلاقـة بين رجل الأمـن ورجل الفن عـلاقـة يشوبها الشك والطبيعـة المتباينة. كثير من أهل الأمـن في العالم الثالث ينـظرون إلـى الفنون كـضجيج وفعـل يستـلزم الرقابة (12) فهـذا الـرد يكشف عـن خطابين متنافرين بين الولاء للسلطة ومعارضتها أو الابتعاد عنها قـدر الإمكان؛ فبالأحْـرى الانخـراط فيها والعمل في صفوفها مبدع يدعي أنه ( فنان محترف) وبالتالي فالرسالة أوالـرد يعـد بمثابة مدخل أساس لتـعميق النقاش والتفكير بين مفهوم الفـن والإبداع ومفهوم الأمـن والمراقبة في عـصرنا الحالي؟ لكن في المجتمع العـربي فالسلطة هي مركز السياسات الإبداعية والثقافية؛ فلولاهاته الحقيقـة لما كان للمخابرات اليـد الطولي في كل تحركات ! وبالتالي ففي سياق هذا فالمبدع / المثقف/ غير الموالي ؛ يعتبر عـدوا استراتيجيا للسلطة وللبورجوازية التي تملك وسائل الإنتاج ؛ التي تساهم بدورها في استقطابه بالمال والجاه ؛ الـذي يكـون مدخلا أساسيا للانخراط في شبكة السلطة؛ والتوغل في كـنهها . ولاسيما أن كُـنـْـه السلطة وتناقضاتها بين العطاء المالي ومنـح الجاه والصولة في الميدان وغيره وشراستها وعـنف ممارستها؛ فـهي اساسـا لا تـعـرف صديقا ولا مريدا ولا خـدومـا؛ حينما تنقضي أغـراضها منـه ؛ أوتجاوز الخطـوط الحمـراء؟ إذ كـيف استجـلب مبدع ( ما ) أمـوال سهـراته الخاصة؛ تقريبا بشكل يومي، في أبهى الحانات وأرقاها في فنادق فاخرة؟ تـلـك حقيقة لا يمكِـن استغـفالها أو مجادلتها؛ لأن هنالك تصريحات في هـذا الباب: …وإن الجميع يعمل في مجال جمع المعلومات وتبليغها وكان المتعاملون مع الجهاز يجمعون من سهراتـهم في الفنادق الخمسة نجوم المحدودة في القاهرة في ذلك الوقت كـفـندق الهيلتون أوفنادق الأربعة نجـوم كشبر وسميراميس الـقـديم.. حيث كان يسهر المثقـفون والكتاب وكبار الاعلاميين من مصر والعالم العربي وكانوا يجمعون المعلومات ويبلغونها الى مكتب فتحي الديب نائب رئيس جهاز المخابرات (13) يبدو أن المشهد فيه مبالغة ؛ ولكن نزيد تأكيدا بأنها الحـقيقـة؛ لأن العَـديد من الفنانين والمثقفين والمبدعين؛ انتهت حياتهم نهايـة تـراجيدية؛ منهم من تـوفـي فقـيرا ومعـدمـا ومنهم من لم يجد حتى مصاريف الأدوية والعلاج :(مثال) / أمل طه /عـدنان شلاش / فاضل جاسم /طالب القره غولي ( الـعـراق)/ العربي اليعقوبي/ عائد مـوهوب(المغرب) سعد الله ونوس/ نضال سيجري(سوريا) عبد الهادي القلة (تونس) أمين الهنيدى / عبد السلام النابلسى/ أحمد شحاتة / فاطمة رشدى/ عبد الفتاح القصرى / زينات صدقـى عبد العزيز مكـيوي / محمود مصطفى العقاد( مصر) وعلى ذكر العقاد؛ المثقف والمفكرالذي يعد نار على علم ؛ عاش فقيرا ومات معدما؛ فكان في أغلب الأيام، لا يجد ما يأكله. مما اضُطر إلى بيع مكتبته مرتين، لكي يأكل فـقط. ولاسيما أنه كان يرفـض الاحسان من أصدقائه وتلامذته. لأنه كان ذا مواقف واضحـة وخاصة مسألة الثورة المصرية؛ لأنه كان غير راضٍ عن خطابها السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي وبالتالي أصبح من خصومها؛ مـبتعدا عن نشاطه السياسي الصاخب الذي قام به قبل العام 1952، واقتصر نشاطه على العمل الصحافي في الأدب والثقافة من خلال يومياته في جريدة “الأخبار” القاهرية (14) تلك ليست حالة نادرة بل مثله العـديد من المبدعـين والمثقفين من العالم العربي عـاشوا حياة الضنك والحاجة ولازالـوا؟
عــلى سبيــل الــخــتـــم
وحتى لا نـظل نلعـب باللغـة (هـؤلاء) وغيرهم لم يكـونوا بوقـا أو في أحضان السلطة وخـدامـها؛ فلـو كانوا كذلك ؛ لما انتهـوا بهـذا الشكـل الفـظيع والمـفـجع أليس كـذلك؟ مقابل هـذا إن كان البعـض منهم في أحـضانها؛ وانتهى بهاته النهاية أوتلـك ك(سعاد حسني ) التي قـتلـت وهى لا تملك سوى بضـعة جُـنيهات إسترلينيه للعلاج ولنفقات المعـيشة، بعد أن منعت الدولة عنها الإعانة المخصصة لها ولعـلاجها. لأنها تجاوزت الخطوط الحمراء بسبب إعـلانها عـن نـشر كـتاب كانت تعـدّ له يكشف خفايا وعلاقات مع المخابرات المصرية ؟ يبقى قتلها لـغزا كمـقـتل /سيد درويش / اسمهان/ يوسف السباعي/ميمي شكيب/ مصطفى نيازي/…./ ولكن جملة من الأقوال والملابسات والأحداث المركبة؛ تشير لحضور المخابرات في عملية القتل ؛ ولدينا تصريح للفنان الكوميدي التونسي لطفي العبدلي، يؤكد بالقول علنا: إنه تلقى تهديدات بعْـد انتقاده للإمارات وحكامها، موضحا بأن شخص تونسي يعمل لدى المخابرات الإماراتية حـذره مـن ذكراسـم الشيخ زايد(15) هـذا مارس السخـرية؛ كـنوع من الكوميديا؛ في حق دولة ليست دولته وتلقى تهديدا بالقتل؛ فمـا بـالنا من أفشـى أسـرارالجهاز متجاوزا عـن قــصـد أو بـــدونــه الخـطوط الـحــمراء ؟؟؟
الإحـــــالات:
1) قــراءة في الوثائق المقرصنة عن المخابرات المغربية : ركن الحقيقة الضائعة لمصطفى العلوي بصحيفة الأسبوع الصحفي في 17/11/2014
2) صلاح نصر يتذكر: الثورة – المخابرات – النكـسة لعبد الله إمـــام ص 149 دار الخيال القاهرة/1999
3) الـوجـھ الآخـر..ل« إیھاب نافع » عن جـريدة التحـرير الإخباري في 01/09/2017
4)مخرج مسرحي معروف يتحدث عن عـلاقة أعماله بالمخابرات السورية دبي- العـربية. نـت في – 10 أبريل 2007
5) هـمام حوت .. قصة متسلّق من أحضان الأسد إلى أحضان جبهة النصرة: بقلم البيرق
نايمز- لموقع تـويت بوك – في22 – مارس- 2016 –
6)كلمة حق في دريد لحام، وماهـي قصة سقوطه مرتين؟ لطريف يـوسف آغـا- في 1/04/2013
7) الفنانة ليلى عوض صدَّقت دعـوة دريد لحام بالرجوع فاعتقلتها المخابرات: بقلم جورج الشامي(دمشق) جريدة – صوت الإمارات–في 18/ 12/2013
8) نقـلا عن الصحف المصرية :هـل كانت الفنانة المغربية سميرة سعيد “ضحية” المخابرات المصرية؟ جريدة اليوم 24- في 19/04/2015
9)مـذكرات اعتماد خـورشيد شاهـدة عـلى انحرافات صلاح نصر:ص 114- ط 3/1988 مؤسسة أمون الحـديثة – القاهـرة –
10)المخابرات والسيطرة على صناعة السينما في مصر: من مـدونة الجزيرة لأحمد عبد القـوي- في 18/11/2017
11)جمال فـرفور : أنا ضابط بجهازالأمـن والمخابرات الوطني- صحيفة الراكــوبة
(أخبارالسودان) بتاريخ – 29/06/2014
12)أخي جمال فرفور: تمهل قليلا قـبل أن تفـتخـر: بقلم طارق الأمين – صحيفة الراكـوبة ( السودان ) في – 07/06/ 2014
13) خلف الكواليس : مذكرات الفنانة المجهولة: موقع السينما المصرية نقلا عن مجلة الشاهـد الكويتية في-28 يناير2016
14) لنتصفـح كتاب العقاد بين اليمين واليسار- لرجاء النقاش (و) في ديوان العقاد- لأنيس منصور
15) المخابرات الإماراتية تهـدد فنان تونسي بسبب سخريته من أبوظبي- جـريدة الشعب
نقـلا عـن قـــناة حـنبعل في 9/01/2018