خرج الطبيب من بيته مسرعا نحو الحي المقابل والذي يفصل بينهم وبين الحي الاخر شارعان عريضان , اسرع خارجا بعد ان تلقى مكالمة هاتفية من امرأة تستغيث لان ابنها الصغير لم ينم منذ ثلاثة ايام بلياليها وحرارته مرتفعة جدا ولم يذق الطعام او الشراب منذ اكثر من ثلاثة ايام كان يتقيأ كثيرا اما الان فلم يعد يتقيأ ربما لانه افرغ معدته من محتوياتها, تردد صوت المرأة في مسامعه مرارا وهي تبكي وتندب وخرج من بيته ملبيا نداء المرأة التي يجهلها ويجهل موقع سكناها لكنه ذاهب حسب الوصف الذي وصفته اياه المرأة خرج رغم تردد زوجته وممانعتها لان الامور ليست على ما يرام وحوادث الخطف والقتل قد انتشر صداها في المنطقة والمليشيات تنتشر هنا وهناك تقتل وتفسد وتعبث لا احد يمنعها او يلجمها وقد قطعت الطرق فهي اقوى من القانون وعندها امضاء شرعي من ( مرجع الطائفة ) بفتوى الجهاد الكفائي , الوضع الامني كان منفلتا بشكل مخيف لكنه رغم اصرار زوجته بعدم مغادرته الا انه أبى الا ان يخرج لانقاذ ذلك الطفل البريء المسكين وهو بهذه الحالة مسرعا يتحرك و بينما يفكر اذ اوقفته مجموعة من الرجال في زاوية خالية في احدى الشوارع الفرعية كاد يصل قريبا لولا هؤلاء الذين اوقفوه وقد سألوه بصوت اشبه بالصراخ …
* قف من انت والى اين انت ذاهب ؟
* – انا طبيب وذاهب لاحد المرضى
* سأله احدهم وماهذه الحقيبة التي تحملها وما بداخلها ؟
* انها عدة فيها مستلزمات طبية .
* سأله احدهم هل انت شيعي ام سني ؟
هنا اطرق الطبيب الى الارض لحظات واجابهم ,
* انا لست شيعيا ولا سنيا !!
* اذن انت مسيحي ؟
* يا اخي انا عراقي قبل كل شيء ولا اؤمن بتلك المسميات ,
* هل تريد ان تصبح وطنيا برؤوسنا اجابه احدهم حدد هل انت سني ام شيعي ؟
* قلت لك انا لا اؤمن بتلك المسميات انا عراقي على اية حال وذاهب لعيادة طفل مريض جدا ,
* ما اسمك؟ سأله احدهم .
* انا اسمي عمر .. الدكتور عمر الجبوري ,
* ها عمر !! اذن انت سني ؟
لم يكمل الطبيب الاجابة حتى تلقى بضع طلقات في رأسه وصدره أردته صريعا في الحال , وتركوه ملقىً على قارعة الطريق فيما لاذوا هم بالفرار , رجع المليشياوي الذي كان غائبا عن بيته منذ اكثر من اربعة ايام مع المجاميع المسلحة يعيثون فسادا وقتلا واجراما رجع الى بيته وهو منتشٍ ومغتبط قتل احد السنة قتل طبيبا قبل قليل , تلقته زوجته وهي تصرخ وتولول وتلطم على وجهها مات ابنك الصغير لقد كان مريضا جدا وعبثا حاولت الاتصال بك لكن جهازك كان مغلقا !!
* ماذا هل مات ولدي الصغير؟!!
* نعم مات قبل قليل وقد اتصلت باحد الاطباء الذي كان منزله بالحي المقابل ولم يحضر لحد الان بالرغم من انه اكد لي انه قادم الينا ولا ادري مالذي أخره لغاية الان ؟!! كانت تكلمه وهي تولول وتصرخ ودموعها تنهمر كالسيل ..
* – ما اسم الطبيب ؟
* قالت له زوجته اسمه عمر الجبوري
حينها وقع المليشياوي الى الارض مغشيا عليه من هول الصدمة العنيفة التي وقعت على رأسه كالصاعقة ثم افاق ليجد أصحابه المليشياويون وبعض الجيران وهم يرشون بعض الماء على وجهه فقال لصاحبه الاخر اتدري الطبيب الذي قتلناه كان ينوي المجىء الى ولدي الصغير الحبيب لقد قتلناه فقال له صاحبه اصمت يا هذا مالذي تهذي به كفى هذيانا , فراح المليشياوي يبكي كالطفل ويزحف على الارض غير مصدق وفجأة حضر احدهم من مجموعته ليهمس له في اذنه اتدري ايها الصديق , الطبيب الذي قتلته انت تبين ان والده شيعي وامه سنيه .
ازداد المليشياوي تعجبا ودهشة خرج الزبد من فمه وانفه وبدأ يرتجف واصفر وجهه واخذ يمسح بكفيه على بلاط الارض كأنه يقول في نفسه انه افلس انه خسر كل شيء وفي لحظة اخرج مسدسا من معطفه وبسرعة البرق اطلق النار تحت ذقنه ليسبح في دمه وسط ذهول الجميع ..