20 ديسمبر، 2024 4:16 ص

الـرَقم و الوقت … أين نحن منهما – 2

الـرَقم و الوقت … أين نحن منهما – 2

عنصرين حاسميين يلعبان الدور الأهم في مجال التنمية بكل أنواعها ومستوياتها و فروعها ، والدول التي سبقتنا في مضمار التخطيط والدراسات الأستراتيجية جعلت منهما محور لنجاح وفعالية جميع خطط التنمية ومشتقاتها .. والحال اليوم لا يوجد أي نشاط أو تخطيط في كل مجالات الحياة .. مالم يستند الى هاتين الأيقونـَـتين الرقم .. والوقت.
الوقـــت :
تحدثنا في الجزء الأول عن الرقم وأهميته في حياة الفرد والدولة والمجتمع .. وهنا سنتناول بشئ من التفصيل  الوقت وأهميته في حياتنا الشخصية وحياة المجتمع والدولة .
الوقت والزمن مفهومان متداخلان يـُـفـسـّر أحدهما الآخــر .. ولكن علماء اللغة يـُـعرّفون الزمن بأنه وصف لقليل الوقت أو كثيرهُ .. فعندما نقول : طال عليه الزمن نعني مـَرّ عليه وقت طويل ..أو نقول أزمنَ المكان أي أقام به وقتاً طويلاً .. أو نقول زمناً يسيراً بمعنى وقتاً قليلاً .. وهكذا ، ويمكننا بعبارة أخرى أن نقول أن الوقت هو تفاصيل الزمن .. والمفارقة أن تعبير الزمن أرتبط في أذهان الكثير من الناس بالماضي ، وشاعت مقولات كثيرة من نوع عفا عليه الزمن أو أستغرق زمناً طويلاً أو قل للزمان أرجع يازمان ..! وهذا خطأ معرفي بالطبع بينما الحقيقة أن الزمن يشمل الماضي والحاضر والمستقبل .. فعندما نقول في زمننا الحالي نعني الحاضر وعندما يقول الرسول الكريم ( ص) : سيأتي زمانّ على أمـّتي …! هنا بمعنى المستقبل .
توصيف الوقت

  الوقت هو الحياة .. هو عمر الأنسان وهو أغلى وأندر مورد إنساني وحياتي.
 الوقت غير قابل للخزن أو الحفظ ..!
  الوقت غير قابل للتعويض .. الدقيقة التي تذهب لن تعود ..!
 الوقت رأس مال غير قابل للتجديد أو الإحلال .. فلا توجد وسيلة لإيقاف دوران الوقت أو لاسترجاعه ، لـذا يجب استثماره لا إنـفاقــه..!!
 الأستخدام الفعـّال والملائم للوقت هو معيار الفشل والنجاح .
 الوقت ثروة تـتآكل يومياً .. العاقـل مـَن يستـَغلـّها والجاهل يتفرّج عليها ..!
يقول الحديث النبوي الشريف : : ( لا تزول قدمُ عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال : عن عـُمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه، و عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل فيه ).
ويقول الفقيه الحـَسن البصري : ( يا ابن آدم ، إنما أنت أيام ، إذا ذهب يومـَك ذهب بعضُك )  وقال : ( يا ابن آدم ، نهارك ضيفك فأحسِن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتـَحل بحمدك ، وإن أسأت إليه ارتحل بذمِّك ) . ويقول أيضاً : ( الدنيا ثلاثة أيام : أما الأمس فقد ذهب بما فيه ، وأما غداً فلعلّك لا تدركه ، وأما اليوم فلك فاعمل فيه ).

أهمــية الوقت في حياتنا تنبع من مبدأ : أن أحترام الوقت واستثماره بشكل صحيح يعني أن لديك هدف تـُريد تحقيقه .. والوصول للهدف حتماً مرتبط بفترة زمنية وألاّ لا يمكن أن يكون الزمن مفتوح الى ما لا نهاية .. والأفراد والمجتمعات والدول التي لا تحترم الوقت يعني ليس لها هدف ..! وينطبق ذلك على الدول والحكومات بشكل أكثر من الأفراد كون الدولة مـُمثلة بمؤسساتها وقوانينها وأجراءاتها مـَعنية بمصير ومصالح ومستقبل مجموع الأفراد في المجتمع .. ومن هنا يأتي أرتباط الوقت بالتنمية .
المفهوم التقليدي للتنمية يـقوم على أساس لحاق الدول المتخلفة بالدول الصناعية المتقدمة والسير على نفس الطريق (اقتصاد السوق) أي أن الاقتصاد وحده هو الهدف وهو المؤشر على التنمية، والتنمية بهذا هي تنمية اقتصادية محضة ، تؤكد على تكوين رأس المال العيني الثابت على نحو تراكمي ، وترى في عنصر العمل البشري أحد الموارد المـُغذية للتنمية ، كالطاقة أو الموارد الطبيعية، و أطلقت تسمية  ” الموارد البشرية ” على العامل الإنسان . ولهذا المفهوم التقليدي طرائقه وأساليبه والتي من أهمها عنصر ” التقليد ” ونقل النموذج كطريقة للتنمية، ولا يرد في الاعتبار عنصر الإبداع أو الابتكار، فالتنمية حسب هذا المفهوم عملية نقل وتقليد ، فسادت مصطلحات من قبيل ” نقـل التكنولوجيا ” و ” نقل العلوم ” و ” ونقل وسائل نشر الثقافة ” مما يـُبقي الدول المتخلفة في إسار الهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية للدول المتقدمــة ،  وبما إن الإنسان بالنتيجة هو هدف التنمية وهو كذلك وسيلتها .. بدأ المفهوم التقليدي للتنمية يأخذ منحى آخــر في الدول الطامحــة للـّحاق بركب الدول المتفدمة .. فبدلاً من نقل التكنولوجيا والأكتفاء بشرائها ..! اصبحت الرؤية الجديدة هي تطوير قـدرات الأنسان وتنمية طاقاته في مجال الأبداع والأبتكار والتطوير .. فتحوّل مفهوم (الموارد البشرية ) الى مفهوم التنمية البشرية والتي أنتجت مفهوم التنمية المـُستدامــة ..!
أهداف التنمية البشرية :
1- بناء انسان قادر على مواجهة الحياة والتغيرات التى تحدث حوله بشكل ايجابى وفعال.
2- مساعدة الفرد على التفكير بشكل ايجابى وابداعى وتغيـيّر نظرته من نظره سطحيه الى نظرة اكثر عمقا وبشكل مختلف للحياة من حوله.
3- محاولة اثراء تواصل الفرد بالمجتمع بشكل اخلاقى ومؤثر يعبر فيها الفرد عن نفسه ويتولد شئ من الارتياح بينه وبين اسرته واصدقائه وزملاء العمل ومــُجتمعه عموماً .
4- كيفيه تعامله مع فريق العمل ومع قائد الفريق ويجب ان نعلم جيدا ان الفرد كالترس ( الدشـّلي) سواء كان الترس الرئيسى او الصغير فى الماكينة وهي هنا المؤسسة او المجتمع بصفه عامة , وبدون الترس الصغير لن يدور الترس الكبير , لذلك يجب ان يتفهم الفرد انه مهما كان دوره صغيراً فانه سيكون مؤثرا اذا ما قام به على النحو الامثل وعمل على اظهار ابداعاته الخلاقه به. فهو قائد المهمة التى يقوم بها مهما صغرت.
5- بناء انسان يـُدرك ماهى اهميه الوقت و اهمية دوره .. وكيفية استغلال طاقاته ومواهبه ووضع اهداف لحياته.
6- كيفيه التعامل مع المشكلات التى تواجه الفرد بشكل ايجابى, فلا يتعامل مع المشكله وكان فوهة مدفع مصوب لراسه.

وهكذا يمكن القول أن للتنمية البشرية بـُعدين ، أولهما يهتم بمستوى النمو الإنساني في مختلف مراحل الحياة لتنمية قدرات الإنسان ، طاقاته البدنية ، العقلية، النفسية ، الاجتماعية ، الحرفية ، الروحية ..أما البعد الثاني فهو أن التنمية البشرية عملية تتصل باستثمار الموارد والمـُـدخلات والأنشطة الاقتصادية التي تولد الثروة والإنتاج لتنمية القدرات البشرية عن طريق الاهتمام بتطوير الهياكل والبنى المؤسسية التي تتيح المشاركة والانتفاع بمختلف القدرات لدى كل الناس. 

في اليابان يعملون وفق مبدأ الوقت المـُحدد ( in time ) .. ونحن نعمل وفق نظرية أي وقت ( any time ) …!!

المؤسسات والشركات اليابانية تـعتبر الوقت أحد أهم الأصول التي يجب أستثمارها .. والشئ الرائع أنهم يربطون بين القـيـَم .. بين قيمــة الوقت وقيمة العمل وقيمة الزبون … وأنتج هذا المفهوم أسلوب الأنتاج في الوقت المــُحدد ( just in time ) .. فمثلاً  قامت أحدى شركات أنتاج السيارات والتي تقوم بانتاج جميع أجزاء السيارة ما عدى الأطارات والتي تحصل عليها من مـُجهّز آخر ، قامت بالغاء فقرة تخزين الأطارات على أساس تركيبها بعد أنتهاء صـُنع بقية أجزاء السيارة .. حيث وجدوا أن تخزين الأطارات في مصانع الشركة يستهلك نفقات أضافية ووقت أضافي .. فقاموا بالغاء هذه الفعالية … وبدلاً عنها لجأوا الى ترتيب وصول الأطارات من المـُجهـّز متزامناً مع الوصول الى آخر مرحلة من عملية تصنيع السيارة ليبدأو بتركيب الأطارات حين وصولها على شاحنات المــُجـَهز ..!
وســُئـل أمبراطور اليابان عن أهم أسباب تقدم اليابان في مدة قصيرة فأجاب : بدأنا من حيث أنتهى الآخرون .. وتعلـّمنا من أخطائـهم .. وأعطينا المـُدرّس حصانة الدبلوماسي و راتب الوزير …!!

أين نحن من أحترام الوقت .. واستثمار الوقت واعتباره أهم الموارد الناضــبة ..!!

أكاد أقول أننا من ضمن أكثر شعوب الأرض هدراً للوقت .. الى درجة أن مقولات تسفيه الوقت شائعة بيننا من قبيل : خـلـّي نكضي وكت أو أمشي نلعب دومنة .. شي يخلصه الوكت ..! أو شنسوّي د نضيـّع وكت ..! وهكذا .. والسبب في تقديري يعود لعاملين أولهما ضـُعف الوعـي لدى عامـّة الناس بقيمة الوقت وثانيهما ضـُعف الوعي أو ربما أنعدامه لدى الحكومات التي تعاقبت على البلد منذ عشرات السنين والى يومنا هذا ..!
ضعف الوعي لدى الناس بقيمــة الوقت يعود الى عدم أدراك مغزى الحياة والهدف منها .. وأن الأنسان وجــِدَ لأعمار الأرض وتحسين حياته وصولاً لتحقيق السعادة البشرية .. والسعي لهذا الهدف غير مـُحدد بزمن ألاّ بوفاة الأنسان وقيام الساعة … بمعنى أن على الأنسان أن يستثمر حياته لما فيه خيرهُ وخير الناس .. وألاّ ما معنى حديث الرسول الكريم ( خير الناس من نــَفعَ الناس ) أو حديثه ( ص ) : إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة .. فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل ..!
وهو للدلالة على أن على الأنسان أن يعمل حتى آخر لحظة في حياته أذ ربما سيعود عمله بالخير للآخرين ..!

أما على صعيد الحكومات والبرلمانات ودورهما في التفريط المـُفرط للوقت .. فأكاد أجزم أننا أحتكمنا ونحتكم على أكثر المسئولين أستخفافاً واستهانـة بالوقت … حكومــة و برلمان …!

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات