23 ديسمبر، 2024 3:21 ص

الغطرسة الامريكية بين الحاضر وما كان قبل هذا الحاضر

الغطرسة الامريكية بين الحاضر وما كان قبل هذا الحاضر

دأبت امريكا منذ نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي وانتهاء حلف وارسوا في املاء ارادتها على المجتمع الدولي ومصادرة حرية القرار في مجلس الامن الدولي. لقد حصرت جميع القرارات ولعقدين مضيا بارادتها وتحويل مجلس الامن الدولي الى منصة تابعة لها في اصدار القرارات ضد الدول التى تصنفها في خانة الدول المارقة. وفي حقيقة الامر ان تلك الدول هي دول تبحث عن مصالح شعوبها حتى وان اقتضى ان الامر ان تتقاطع تلك المصالح مع مصالح امريكا وهي بالتاكيد مصالح غير مشروعة. اما الان وفي هذا الوقت فقد تراجع النفوذ الامريكي على مجلس الامن ولم يعد لإمريكا القدرة على املاء ما تريد على المجتمع الدولي ومنبره، مجلس الامن الدولي. نتذكر هنا جيدا كيف ان امريكا ورئيس ادارتها او وزير خارجيتها، كانا حين يريدا اصدار قرار ما ضد دولة ما، يصرحان بان على الدولة س، القيام او العمل كذا وإلا فانها سوف تعرض نفسها الى عقوبات صارمة وفعلا حين يكون الرد بالفرض او الصمت القاتل باهمال التهديد الامريكي حينها يصدر القرار من مجلس الامن، ضد هذه الدولة او تلك الدولة، وفي كل الاحوال يكون القرار ضد شعب هذه الدولة او تلك الدولة وليس ضد النظام الحاكم فيها. امريكا الان تتخبط في سياستها الخارجية وهي تواجه عالم قد تغير ولم يعد في قدرتها املاء ما تريد وترغب من قرارات على مجلس الامن. المشكلة هنا ان امريكا لاتريد ان تفهم او تتقبل ان عالم اليوم هو ليس عالم الامس وان هناك دول عظمى وكبرى لها مصالحها سواء في دول المنطقة العربية او في غيرها من بقاع الكرة الارضية، لذا، فهي حين تواجه مشكلة ما مع دولة ما لاتبحث عن الاساليب السياسية والدبلوماسية لحلها او اجتراح طريقا ما للحوار والتفاوض مع هذه الدولةاو تلك الدولة لأيجاد منطقة مشتركة تحفظ مصالح وكرامة وسيادة هذه الدولة او تلك الدولة ومصالح امريكا بعد النزول بتلك المصالح الى المستوى المقبول من العدل والحق والشرعية. وهي بدلا من هذا الاتجاه في التحرك السياسي والدبلوماسي، تختار اقصر الطرق واكثرها عنجهية وقسوة وظلم بفعل ما في حيازتها من عناصر القوة الاقتصادية والتحكم المالي في مناطق الكرة الارضية، سواء ذاتيا بما في حيازتها او ما في مناطق نفوذها وهي كثيرة… تبدأ وكما وصفها مؤخرا وزير خارجية روسيا السيد لافروف بان الدبلوماسية الامريكية امرها محزن وكما قال بالمعنى وليس حرفيا؛ بانها تختار طريق العقوبات بعد الانذارات وليس الطريق الدبلوماسي والسياسي للحل. هل ان هذا الامر يرتبط بقرارات ترامب وادارته العنصرية والذين يكادون، ان يكونوا جميعهم وبالذات الحلقة الضيقة المحيطة به من المحافظين، المتطرفين الجدد، الجواب: كلا، فان الامر برمته يرتبط بالمؤسسة الامريكية العميقة وليس بشكل الادراة الامريكية، ربما في نوع وشكل التسويق السياسي لأمر ما او مشروع ما او خطة ما وليس في مضمون ما سبق. على الرغم من سلوك وتصريحات وقرارات ترامب والتى فيها الكثير من الحماقة والخراقة، لأنها مباشرة وحادة وتفتقر الى اللياقة وتجنح الى اجراء متسرع، شديد السرعة، بحرق الزمن والمراحل فلوا كان هناك غيره على رأس الادارة الامريكية هل يتغير الامر من حيث جوهر الاهداف الامريكية والعنجهية والغطرسة الامريكية، شيئا جوهريا في اساس ولب السياسية الامريكية واهدافها؛ من المؤكد، لن يكون هناك اي تغيير إلا الصياغة والاسلوب والزمن ووقت التنفيذ. ولناخذ مثالا على هذا؛ اعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني، هذا القرار كان قد اتخذه الكونغرس الامريكي قبل سنوات بعيدة جدا، لم يلغ هذا القرار في اي دورة منه، ظل على رف الانتظار.. جميع الرؤساء الامريكان لم ينفذوه ليس لأنهم غير مقتنعين به بل لأن الظرف غير ملائم ومن ثم جاء ترامب ونفذه.. الامريكيون الى الان يرفضون الاعتراف بان العالم قد تغير وعلى ما يظهر لم يزلوا حتى الوقت الحاضر بانهم اي امريكا، القطب الوحيد والاوحد في العالم وليس هناك قوى عظمى تنافسهم على مناطق النفوذ او انهم ينظرون لها باستخفاف، لأدراكهم بان لديهم الاقتصاد القوي والقوة العسكرية الساحقة والتى لها القدرة ان تجوب جميع اصقاع الارض وبحاره ومحياطاته، وهذا هو بذور تراجعهم الحتمي ان عاجلا او اجلا، ان هم استمروا في هذا النهج الامبريالي وهم سوف يستمرون عليه، لأن حركتهم في الساحة الدولية بدفع من محركات هذا النهج، فالعلاقة بينهم وبين هذا النهج، علاقة مشيمية، الحركة تغذي النهج بانساغ الحياة والنهج يحضهم على مواصلة الحركة سواء مشروعة او غير مشورعة. جميع دول العالم وشعوبها تريد ان تتحرر من الهيمنة الامريكية إلا الدول الخانعة اي انظمة بعض الدول، الخانعة بالفطرة والجينات..لكن في المقابل هناك شعوب ودول وهي تشكل القسم الاكبر في العالم، تريد التخلص باي ثمن من الهيمنة الامريكية بما في ذلك دول كبرى حتى وان كانت تسير اقتصاديا على ذات النهج، كي تكون لها بعيدا عن الاملاءات الامريكية، شخصيتها المستقلة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، الاتحاد الاوربي مثلا. مما يغري جميع الشعوب والدول الطامحة الى الحرية او التحرر من الجبروت والطغيان الامريكي، ان البديل يختلف كليا عن النهج الامريكي، يختلف في نوع المسار الاقتصادي وشكل العلاقة وطبعية االتعاون وماهية النتائج من حيث الفائدة والنفع في فضاءات تحفظ الاستقلال الاقتصادي في تبادل نفعي متكافيء وهنا نقصد طريق واحد..حزام واحد..بالاضافة الى علاقات اقتصادية اخرى كالعلاقة بين روسيا والمانيا او علاقة اقتصادية وعسكرية كالعلاقة بين روسيا وتركيا وايران والهند..وهناك بالاضافة الى هذه العلاقات؛ البريكس وشنغهاي…في الخلاصة ان العالم يسير في مسارات بعيدة عن السيطرة الامريكية وان لم تتجذر وتترسخ هذه العلاقات بعد في الواقع ولكنها في الطريق اليه في اجواء التمادي والغطرسة الامريكيان..