18 ديسمبر، 2024 8:22 م

الغطرسة الإسرائيلية، من المسؤول؟

الغطرسة الإسرائيلية، من المسؤول؟

من حق نتياهو ووزراء خليته الأمنية العليا أن يضحكوا في عبّهم، وأن يشكروا المرشد الإيراني، على خامنئي، ورهطَ مستشاريه المعممين وقادته العسكريين، لأنهم منحوا إسرائيل، عن جهل أو عن دراية، وضعَ الدولة الأقوى في المنطقة التي يحق لها وحدها أن تصول وتجول، وتضرب يمينا ويسارا، شرقا وغربا، ولا أحد يتجرأ فيسقط واحدة من طائراتها، أو يقتل واحدا من جواسيسها، من باب رد الاعتبار، ومن أجل التظاهر ببياض الوجه، أمام شعبه وشعوب المنطقة والعالم.

فمنذ سنوات وإسرائيل، إما بصواريخها أو بجواسيسها، تحرق وتدمر أوكار النظام الإيراني في سوريا ولبنان، وفي الخليج العربي، وفي داخل إيران نفسها.

ولكن أمَّ العواصف الإسرائيلية كانت هي التي تمكن فيها الموساد الإسرائيلي من أن يصطاد العالم النووي الإيراني، محسن فخري زادة، القيادي البارز في الحرس الثوري، والعقل المصمم والمُشغل لبرنامج النظام الإيراني النووي، في عز الظهر، ولا من شاف ولا من درى.

أما الصاعقة الأكبر من كل صواعق اليهود السابقة التي مرغت أنف النظام الإيراني المتغطرس بالتراب فهي التي حدثت في الأسبوع الماضي. فقد تمكن الموساد من اقتحام أخطر مواقع النظام وأكثر حصانة، وزرع عبوة ناسفة في مجمع الطاقة الخاص بموقع نطنز النووي المحصن.    
وحين سئل نتياهو عن مسؤولية حكومته عن ذلك التفجير اكتفى بتجديد تعهداته المتكررة السابقة بعدم  السماح لإيران بحيازة سلاح نووي.

ولكن وزير خارجية الولي الفقيه، جواد ظريف، أعلن أن إيران لن تقع في “الفخ الإسرائيلي” الهادف إلى إفشال مباحثات فيينا حول الاتفاق النووي، و”لكننا سننتقم من الصهاينة”.     

وصدق الوعد وتَحقق ما أراده ظريف. فبعد كل ما فعلته الصواريخ الإسرائيلية بنا، نحن سكان المستعمرات الإيرانية، وبإيران ذاتها، تجرأ صاروخ إيراني فأصاب إسرائيل في مقتل!!.

فقد أفادت وكالة رويترز للأنباء بأن هجوما (إيرانيا) وقع على سفينة “هايبريون راي” التجارية المملوكة لشركة إسرائيلية في بحر العرب، والمخصصة لحمل السيارات. وقالت إسرائيل إن السفينة  “واصلت رحلتها رغم استهدافها بصاروخ“.

ألا ترون؟.فمنذ أول يوم هبط فيه الخميني على أرض مطار طهران 1979 وإلى اليوم ونظام ورثتِه المعممين يروج لفكرة تصدير الثورة، مؤكدا أن العبور من العراق إلى سوريا ولبنان ليس له سوى هدف واحد، هو تحرير الأرض العربية الفلسطينية، والثأر للشعب الفلسطيني، وإقامة دولة العدل الإلهي الرشيدة، بعد ذلك.

وتحت هذه اللافتة أصبح كل غزو يقوم به حرسُه الثوري لدولة عربية، مباشرةً أو بواسطة ذراع من أذرعه العراقية واللبنانية والفلسطينية والسورية واليمنية التي أنشأها ومولها وسلحها، إنما هو خطوةٌ على الصراط المستقيم المُوصِل، في النهاية، إلى القدس، وإلى فلسطين المحررة من النهر إلى البحر، كاملة دون نقصان، بعد محو إسرائيل من الوجود.

ثم تحقق له ما أراد، وتمكن، أخيرا، من غسل قدميه بمياه البحرين، الأبيض والأحمر، وأصبح مكتبُ نتياهو ومبنى موساده ومُفاعل ديمونا على أمتار، وفي مرمى صواريخه التي باركها الله ورسوله والإمام الغائب، وسط تهليل أولاده المجاهدين وأنصاره الفسطينيين واللبنانيين والعراقيين والسوريين واليمنيين.

بالمقابل، وعلى طول السنين المتلاحقة، كانت الصعقات الإسرائيلية تتكاثر وتتعاظم، فتنسف وتدمر معسكراته، وتقتل مجاهديه كل شهر، وأحيانا، كل يوم، في سوريا ولبنان والعراق وإيران ذاتها، ولا يرد.

والأغرب من الغرابة أن الشعب العربي الذي كانت ملايينه تهب غاضبة داعية إلى الجهاد عندما يتجرأ شرطي يهودي فيقتل بقرة أو يقلع شجرة إسرائيلية صار لا يغضب عند كل غارة إسرائيلية مجلجلة جديدة، بل يصمت، وبعضه يفرح شماتة.

بدون جدال، إن النظام الإيراني مسؤول كليا عن هذا التحول المحزن في المزاج الشعبي العربي في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان واليمن وباقي الدول العربية.

فبعد الإيمان المبدأي الثابت بأن إسرائيل هي العدو رقم واحد أصبحت هي الدولة القائمة التي يحق لها العيش بسلام، ويمكن التفاهم معها ومصادقتها، لا من قبل الحكومات العربية وحدها، بل من الشعوب.

والأكثر إيلاما وحزنا وندامة هو أن المغتصبة القاتلة الملعونة أصبحت اليوم، بفعل سياسات المعممين الإيرانيين وأحلامهم الطائفية العنصرية الخائبة، مُطيبةَ خواطر ضحايا ظلم الشقيق الإيرني المسلم، المقتولين، والمحروقين أحياءً، والمخطوفين، والمغيبين، والمهجرين المطرودين من بيوتهم ومزارعهم ودكاكينهم، والآخذة بثأرهم النائم منذ سنين.

بصراحة، لقد أسقط المعممون الإيرانيون من يد الشعب الفلسطيني ورقة اللاءات الثلاث، “لا للصلح، لا لتفاوض، لا للاعتراف بإسرائيل”، ووضَعوا في يدهِ مكانَها “نعم للصلح، نعم للتفاوض، نعم للاعتراف”، وأفقدوه القدس، ربما بلا عودة، وأجبروا أهم أشقائه الذين كانوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين على الاحتماء من الشر (الأخوي) الإسلامي الأكبر إلى الشر (الأخوي) اليهودي الأصغر.

ولو تجاوزنا جميع الكوارث التي ألحقها المعممون الإيرانيون بحكومات الدول العربية وشعوبها فإن أكبر وأخطر وأسوأ ما فعلوه هو أنهم حولوا الصراع من (عربي إسرائيلي) الى (فلسطيني إسرائيلي)، محض، ولحماس (الإيرانية القطرية) وفتح (الأمريكية السعودية المصرية الأردنية) جميع حقوق البيع والشراء والسمسرة. وكان الله في عون فلسطين، وفي عون شعبها المعذب الأصيل.