23 ديسمبر، 2024 4:42 ص

الغرور: خطيئة تخرج صاحبها من الجنة وتلقي به الى النار كما فعلت بأبليس

الغرور: خطيئة تخرج صاحبها من الجنة وتلقي به الى النار كما فعلت بأبليس

عبد ابليس الله سبحانه وتعالى آلاف السنين وكان يسمى بسبب عبادته تلك بطاووس الملائكة ولكنه اغتر بكونه مخلوق من النار فعصى ربه بعدم سجوده لآدم الذي خلق من طين وهو يعلم بأن هذا السجود ليس عبادة بل هو تواضع واحترام وتقدير بأمر الله. و من الخطأ ان يقال ان ابليس ضن بأن السجود لله وحده لأن الملائكة كلها علمت بأن ذلك غير سجود العبادة الإلهية لانه لو كان ضنا منه فقط لما برر رفضه بقوله:

قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا۠ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍۢ وَخَلَقْتَهُۥ مِن طِينٍۢ.

ولو كان الرفض مرتبط بالضن فقط ان السجود لايصح الا لله لكان رد ابليس على الله بأن يقول انه لايصح السجود الا لك ياربي؟ وكذلك لِما كان عقاب الله له بالطرد من رحمته. اذن هو الغرور الذي لم تنفع معه عبادة الالاف السنين! وابليس كان يجهل بأن الطين هو خير من النار لان الطين يثبت والنار لاتثبت والطين يطفيء النار ولكن النار ليس دائما تشعل الطين كما وان الطين مصدر الحياة بينما النار تدمر الحياة. اذن فأن الجهل هو صنوان للغرور خلاف العقل الذي هو مطية التواضع.

 

واليوم كم من مغرور بنفسه او عبادته او صفاته او قوته او سلطته او علمه او مركزه الاجتماعي او نسبه او تصدره حزبه او كتلته او غير ذلك من أمور جعلت من هؤلاء المغرورون ينظرون للناس كأنهم على قمة جبل يرون الناس صغارا ولكنهم لايشعرون بأن الناس يرونهم اصغر وهؤلاء لايعلمون بان الله يمقتهم ولاتنفعهم عبادة مئات السنين لان غرورهم يرديهم كأبليس. المغرور يقيس نفسه ويراها افضل من الاخرين فيحتقرهم ويظهر لهم العداء ولايستطيع تقديم التنازلات لهم. يعقتد المغرور بانه الأكثر استحقاقا على الدوام ولذا فانه لايقر بالهزيمة ابدا ولايعترف بالفشل فهو دائما وان فشل يدعي النجاح والتقدم على غيره بالقوة او بدونها. المغرور شخص لايحترم آراء الاخرين ويبحث دوما عن مبررات للتبرير على انه على حق دوما. و المغرور شخص يعتبر كل من يخالفه هو عدو له مما يجعله لايشعر بالأمان ابدا. والمغرور يخفي ما لايظهر فهو شخص يميل لجذب الاخرين له ولكنه في داخله عدائي وقد لاتظهر هذه الروح العدائية الا في أوقات الاختبار كما فشل ابليس في اجتيازه وكان اختبار الهي من رب العالمين وبسؤال واحد بسيط كما ذكرنا. فهو قبل ذلك كان طاووس الملائكة ولكنه بعد فشله في الاختبار اصبح افعى سامة قاتلة تدس سمومها بواسطة الوسواس الخناس او ينفثه كما تنفث الافعى سمها فتصيب فريستها بالعمى من مسافة امتار. و المغرور يريد من الاخرين الثناء عليه بشكل دائم حتى وان كذبوا.

 

قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): لا يدخل الجنّة من كان في قَلبهِ مِثقال ذرةٍ من كِبر. الغرور يولد البغي على الاخرين ويولود الدونية والذل والتصاغر للذين لهم اعلى من المغرور وعكس ذلك التواضع. فالذي يمتاز بالتواضع يعلم انه كلما زاد رفعة في العلم او المال او السلطة او النسب وغيرها كلما زاد تواضعه لان جميع ذلك من الله وليس له هو دور فيه. فالعالم المغرور يرديه علمه والعالم المتواضع يرفعه علمه.

قال الامام علي (عليه السلام): مسكين ابن آدم! مكتوم الاجل، مكنون العلل، محفوظ العمل، تؤلمه البقة، وتقتله الشرقة، وتنتنه العرقة.

اذن كيف بمن خرج من مجرى البول مرتين ان يتكبر او يصاب بالغرور؟! كما وان التشبث بالرأي والعناد من صفات المغرورين وهذا ما أصاب ابليس(انظر سياق الايات). والذين يصابون بالغرور هم الجهلاء لان العقل يتنافى مع الغرور حيث ان العاقل هو الذي يستطيع ان يضع الأشياء موضعها الصحيح وهذا عكس الغرور الذي ينأى بصاحبه نحو التقدير الخاطيء و غير الصحيح. اذ ان الغرور يعرف على انه ميل النفس الى ما يوافق هواها مما يجعلها تنخدع وتنكر نعمة الله على الانسان فتميل به الى الشر وان كان ظاهر ذلك الشخص وتصرفاته توحي الى الخير كما فعل (طاووس الملائكة) ابليس. قال عز من قائل: فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ. وقال تعالى: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ. وقال: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولً.

 

وحسب علم النفس (السايكولوجي) فأن الغرور هو من اخطر واعظم المفاسد الأخلاقية وعادة ما يصاب به الأشخاص الذين لايمتلكون ثقة بأنفسهم وقد تراكمت فيهم على مر السنين سلبيات نفسية مكتسبة مما تعرضوا اليه من تربية خاطئة او مشاكل تغلبت عليهم ولم يقوموا هم بالتغلب عليها بل تركوها تترعرع في دواخلهم فصارت صفة استحوذت عليهم بما تمليه نفوسهم من هوى. ومن هؤلاء مثلا الجواسيس والخونة لاوطانهم هؤلاء يتبعون اهوائهم نحو حب المال او السلطة او الجاه فيبيعون اوطانهم بالمال ليصبحوا جواسيس وعملاء للاجنبي سعيا واراء ما يغذي فيهم شعور الغرور وهو نقص في دواخلهم يحاولون سده ببعض ملذات النفس ومن ذلك السلطة لانها من الهوى واللذة. هؤلاء وان كانوا يدعون الدين ولكنهم نسوا ان الدنيا دار متاع وان الاخرة لهي دار القرار فتراهم يعملون ليل نهار من اجل متع الدنيا ونسوا لله فانساهم انفسهم يتباهون بقوتهم وهم يعلمون ان ذلك من العُجب الذي انكره الله حينما قال: لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍۢ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْـًٔا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ…. أي انكم بتوكلكم على الله فيما سبق انتصرتم ولكن في حنين قلتم اننا لايمكن ان نُغلب اليوم لأننا الأكثر والاقوى فاصابكم الغرور فوليتم بعد ذلك مدبرين. و قال تعالى: إنما الحياة الدنيا لَعِب ولهو وزينة وتفاخر بينكم، وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفّار نباته، ثم يهيج فتراه مصفرّاً، ثم يكون حُطاماً، وفي الآخرة عذاب شديد.

 

ويقول علم النفس ان المغرورون لديهم شخصية صعبة فهم لا يأخذون بوجهات نظر غيرهم ولايعنيهم الا ما يجول في دواخلهم من خيالات و تصورات وان كانت خاطئة فهي عندهم هي الاصوب وبشكل دائم. وعندما لاتسير الأمور كما يرغبون يشعرون انهم فقدوا السيطرة وتظهر لديهم الروح العدائية والانزعاج مما يتسببون بازعاج من حولهم حتى يسير كل شيء بالطريقة التي يريدونها.

قال عز من قائل: فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ.

وقد اقترن الغرور بالظلم حيث قال عز وجل: بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا.

فاحذروا الغرور لانه يردي وقد أطاح بعبادة الالاف السنين لمن كان يسمى بطاووس الملائكة فابلس من الجنة فصار ابليساً لاتشمله رحمة الله والله ارحم الراحمين.