22 ديسمبر، 2024 5:24 م

الغرق في الطقوس العاشورائية .. بين الأمس واليوم

الغرق في الطقوس العاشورائية .. بين الأمس واليوم

المقدمة : تختلف النظريات الشيعية فيما يتعلق بأصول الطقوس العاشورائية, أذ يعود بعض أصولها مباشرة إلى أحداث كربلاء ومقتل الإمام الحسين بن علي على يد قوات يزيد بن معاوية، وأن نساء آل الحسين بدأنها حزناً على فقدان الحسين وال بيته وصحابته.

ويعزوه البعض إلى بداية ظهور الدويلات الشيعية الصغيرة، وعلى رأسها الدولتان البويهية والصفوية , وهذه الشعائر ولدت في بلاد فارس والعراق، ومارسها الفاطميون بمصر والحمدانيون بحلب.

1الطقوس تاريخيا :

لقد ساهمت أحداث كربلاء في تشكيل ذاكرة الطائفة الشيعية، ومنحت الجماعة ماضًا مشتركًا ورسختها في التاريخ, كما أوجدت مجموعة من الشعائر الخاصة بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية.

اتخذت طقوس استشهاد الحسين أشكالاً مختلفة في أوائل القرن العشرين، وكانت بسبب تطور التقاليد القديمة التي كانت منتشرة على نطاق واسع بين المسلمين من مختلف طوائفهم, وقد تم إحياء هذه التقاليد منذ زمن الصفويين (15011722)، مع إضافة التعبير عن المأساة على شكل مجموعات أو ما تسمى (مواكب ).

وبذلك تصبح الشعائر الكبرى التي تطورت عبر العصور لدى الشيعة بمناسبة ذكرى عاشوراء، خمسة :

مجالس العزاء أو التعزية.
زيارة قبر الحسين لا سيما في العاشر من محرم وفي الأربعينمنه.
المواكب الحسينية.
أعمال الشبيه.
وقد تُرافق المجالس والمواكب أعمال مختلفة من أذى النفس، تتراوح بين ضرب الصدر باليد ( اللطم )، وضرب الظهر بالسوط( الزنجيل )، أو ما يسمّى بالتطبير( ضرب الرأس بألة حادة ).

وقد تزايد انتشار هذه الطقوس وتضاءل، وتغيرت أشكالها، كما تصفها المستشرقة الفرنسية (سابرينا ميرفان ) في كتابها “حركات الإصلاح الشيعية: علماء وكتاب جبل عامر من أواخر الإمبراطورية العثمانية إلى أوائل استقلال لبنان”. حسب المناطق المختلفة في العالم الشيعي.

وتتجدد الخلافات حول طقوس عاشوراء كل عام، مما يؤدي إلى نقاشات سنية شيعية وخلافات شيعية شيعية. تختلف حسابات أصلها. ويربطها البعض مباشرة بأحداث كربلاء ومقتل الحسين بن علي، فيما يربطها آخرون ببداية ظهور دويلات شيعية صغيرة، وعلى رأسها الدولتان البويهية والصفوية.

وتروي المستشرقة الفرنسية، أن “مجالس العزاء أول ما ظهر من هذه الشعائر، فقد أعادتها بعض السنن إلى يوم الفاجعة نفسه، إذ بدأت بها نساء آل الحسين قبل اقتيادهنّ إلى دمشق. ثم توبعت هذه المجالس في العهد الأموي، سرّاً في البيوت، ثم أقيمت في العهد العباسي علناً، فقد أقيمت في القرن العاشر الميلادي في أماكن في بغداد وحلب والقاهرة يجتمع فيها الناس خصيصاً لإقامة هذه المجالس التي سُمّيت بالحسينيات؛ وكانوا يبكون فيها وينتحبون وينشدون المراثي ويقرأون المقاتل. وقد أصبحت مجالس العزاء تقام بعد ذلك طوال الأيام العشرة الأولى من شهرمحرم”.

كانت زيارة قبر الحسين ومقابر شهداء كربلاء شائعة في العصور الوسطى الإسلامية, والدليل هو أن الخليفة العباسي ( المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد 232247هـ)، الذي أراد وضع حد للتقاليد الإسلامية، دمر قبر الإمام الحسين بن علي .

2التشيع نوعان :

في المقابل، يرى الدكتور والمفكر الإيراني (علي شريعتي 19331977م ) في كتابه “التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي”، أن “الطقوس العاشورائية الحالية ناتجة عن الارتباط بين الصفوية والمسيحية، حيث تضامن الاثنان لمواجهة الإمبراطورية الإسلامية العظمى التي شكلت خطراً جدياً على أوروبا، وفي هذا الإطار عمد الشاه الصفوي، إلى استرضاء المسيحيين من خلال دعوتهم للهجرة إلى إيران، وشيّد لهم ‘جلفا’ مدينة مستقلة قرب العاصمة ومنحهم الحماية التامة والحرية الكاملة في ممارسة طقوسهم الدينية”.

ومن جهته، يرى شريعتي أن “رجال الدين الصفويين سعوا إلى تجميل صورة بعض الشخصيات المسيحية وإقحامها في المشاهد التمثيلية التي تقام إحياءً لذكرى عاشوراء، من ذلك أن رجلاً كرواتياً يحضر أحد هذه المشاهد فيتأثر فيقتحم المكان ببدلته الأنيقة ويهاجم معسكر يزيد وأنصاره ويواسي الحاضرين بأجمل مواساة، بحيث ما أن يراه الناظر حتى يتيقن بأن كلب هذا المسيحي الإفرنجي أطهر من ‘السنّة’ الذين قتلوا الحسين”.

3البداية من أيران ثم العراق :

كان لا بدّ من وضع بداية تمهيدية لشيوع طقوس عاشوراء عند الشيعة، وذلك لسرد بداية هذه الطقوس في العراق، الذي كان مركز شيوعها الأساسي، حتى وصلت إلى عهدنا الحالي، أذ مرّت المناطق الشيعية المختلفة بمراحل زمنية محددة بحسب العلاقات والأنظمة الاجتماعية السائدة فيها، وتنوعت وتبدلت أماكن إقامة الشعائر الحسينية من “التكيات” و”الحسينيات”، بالإضافة إلى البيوت والمساجد والمقامات والمقابر , واخيراً في الشوارع.

كتب السيّد (محسن الأمين العاملي 18651952م ) في “خطط جبل عامل”، أن “الحسينيات بمثابة تكيات منسوبة إلى الإمام الحسين، لأنها تُبنى لإقامة مراسم عزائه فيها، وأن أصلها جاء من الإيرانيين والهنود الذين بنوها في بلادهم وفي العراق أيضاً.

أن الحسينيات بمثابة مسجد للصلاة والطبخ وأقامه المأتم , وهي منسوبة إلى الإمام الحسين بن علي ، وأن فكرتها الأولى جاءت من الإيرانيين والهنود الذين بنوها في بلادهم ثم انتقلت الى العراق عن طريق الإيرانيين الذين دخلوا العراق وسكنوا فيه , بعد عبورهم الحدود دون مستسمسكات رسمية في (العصر الملكي 19211958 ) .

ما كان يجري من احتفالات في ذلك الحين: يقضي الشيعة الأيام العشرة الأولى من شهر محرم في حداد وبكاء، على ذكرى مقتل الحسين، ويقرأون في هذه الأيام روايةً طويلةً مؤثرةً ( المقتل ) ويكفّون عن العمل.

ويسمّونها الأيام العشرة، وكانت إقامة الشعائر في تلك الحقبة مقتصرةً على مجالس العزاء, وما ينقله التاريخ الشفهي عنها، أنها كانت تقام في العلن بسبب تساهل السلطات الحاكمة أنذاك معهم, حتى وصول صدام حسين المجيد الى دفة الحكم عام/1979 ليلغي تلك الشعائر والاحتفالات ويعاقب من يقيمها أشد العقوبات , وقد تصل العقوبة الى الإعدام.

حتى سقوطه المدوي في نيسان/ 2003 لتعود مرة أخرى وبشكل أكبر وأوسع من ذي قبل ليشارك بها عشرات الملايين من السنة والشيعة سوية ومن كل دول العالم وبدعم حكومي لا يوصف.

واذكر هنا بعض ما قام به الشباب , حيث أسسوا مواكب المحلاتالذي كان يشارك فيه خيرة الشباب الواعي بأهمية التغيير السياسي, بغض النظر عن الانتماء الفكري أو الطائفة والقومية , لا سيما مناسبة الاربعينية.

كذلك نظم هؤلاء المثقفون في بعض المحافظات العراقية مواكب ذات سمة حضارية ومظهر يليق بالمناسبة وذلك في سبعينات القرن الماضي وهو ما شهدته بأم عيني، ومن بين تلك المحافظات (محافظة ميسان 365كم جنوب شرق بغداد) , فقد قام مجموعة من الشباب لا يتجاوزون عدد أصابع اليد بتأسيس موكب حسيني باسم “موكب الماجدية ” الذي لم أر لحد الآن موكبا مثله من جميع النواحي، مثل التنظيم والمشاركين سواء عددهم أو مستواهم الثقافي، والشعارات (الردات) الحسينية الهادفة والتي تنتقد الأنظمة الظالمة وتوجه الشعوب نحو طريق التحرر والانعتاق من ذل العبودية للحكام الطغاة.

ومن الأيام الأولى لانطلاقه أصبح “موكب الماجدية” أكبر موكب في المحافظة بل لا أبالغ ان الحضور والمشاركة فيه كانت تعادل نصف مجموع مواكب المحافظة.

الأمر الذي لم يتحمله النظام الديكتاتوري المتسلط على العراق بقيادة “حزب البعث العربي الاشتراكي” وظنا منه انه قادر على إجهاضه، فقام باتخاذ خطوات تدل على مدى ضعفه الفكري في مواجهة الجمهور، فقام بحملة اعتقالات واسعة في أغلب المحافظات ومن بينها مدينة العمارة، وكانت الدعاية التي يبثها البعثيون في أوساط الناس بان “موكب الماجدية” هو سياسي وليس موكب حسيني وان المشرفين عليه ينتمون لحزب الدعوة الإسلامية.

الخاتمة :

يطلق اسم الردود على الشخص الذي يؤدي قصائد دينية أمام حشد من الشيعة في الحسينيات أو الجنازة, ولا يُعرف بالضبط سبب تسميتها بهذا الاسم, ربما لأنه ألقى قصائده وقرأها الحاضرون بعده.. أمثال حمزة الصغير, ياسين الرميثي في القرن العشرين , و باسم الكربلائي , قحطان البديري  ,جليل الكربلائي, و مرتضى حرب … الخ في القرن الحالي.

وهؤلاء يتقاضون مبالغ مالية كبيرة لقاء أنشادهم في المجالس ويتنقلون داخل محافظات العراق المختلفة , ويًدعون من قبل ميسوري الحال ممن يملكون الحسينيات الكبيرة, والبعض منهم يتنقل خارج العراق للغرض نفسه.

وقد تمكن الجهال من التغلغل في هذه الشعائر وتدنيسها بالخرافات والأنشطة المخالفة للذوق الإسلامي وحتى لأحكام الشريعة الإسلامية , للأسباب الأتيــــــــــــــــــــة :

*أولاً: التعلق العاطفي بالحسين (عليه السلام) عند أتباع أهل البيت.

*ثانياً: حالة اللاوعي والتخلف المعرفي والثقافي لدى غالبية الناس الشيعة.

ولنكن واقعيين.. لقد حقق الجهال أهدافاً كثيرة في هذا المجال، أذخدع كافة البسطاء من عامة الناس وخلق أفكاراً مشوشة حول أهداف الحسين والثورة وأصحابها في مناطق واسعة من البلاد.

كما يرى البعض أن ممارسة إحياء شعائر محرم وعاشوراء هي مجرد طقوس لا مضمون لها، وينتهي تأثيرها في نطاق العواطف، وليس لها أي تأثير على حياة الأمة أو الأفراد، فهي راسخة في قلوب الناس..لكن المسألة بين من يعرف ظروف ثورة الحسين، سواء على المستوى العقائدي أو السياسي، تختلف عن ذلك.

ولذلك فإن الواجب والموقف الشرعي والوطني يتطلب من جميع المسلمين المتدينين أن يقوموا ويطهروا هذه الشعائر من كل مظاهر الخرافات والأفعال التي لا ترضيهم، وأن يوجهوا بوصلة الاحتفال بهذه المناسبة في الاتجاه الصحيح ، بغض النظر عن قدرتهم أو عدم قدرتهم على ذلك .

مؤخراً : أعلن “جهاز الأمن الوطني” العراقي ، عن حصيلة جديدة من المعتقلين من أعضاء (القربانيين) أو (العلي اللهية)، والذين تكشفت تفاصيلهم مؤخرًا، وبدأ “الأمن الوطني” بملاحقتهم نتيجة الممارسات الخطيرة التي يقومون بها والمتمثلة بالانتحار عبر “القرعة”.

وقال الجهاز في بيان؛ أنه: “استمرارًا لمتابعة جهاز الأمن الوطني في ملف الحركات السلوكية المنحرفة، لا سيما حركة (القربانيين)، واستنادًا إلى معلومات استخبارية دقيقة، وتكثيف الجهدين الفني والميداني، تمكنت مفارزنا في محافظة المثنى من إلقاء القبض على: (20) متهمًا من الحركة ومنهم (العارف)، وهي تسّمية تطلق على المنظرين لهذه الحركة أو بمعنى: (المبلغ والداعية)”.

وأضاف الجهاز: “كما تمكنت مفارزنا في محافظات (ذي قار وواسط وميسان) من القبض على: (27) متهمًا ينتمون للحركة، ليتم إحالتهم جميعًا إلى الجهات المختصة واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم”.

المصادر:

مركز الأسلام الأصيل للثقافة والعلوم/ مسيرة الشعائر الحسينية بين الأصالة والتشويه/ 22 سبتمبر/ 2021/https://islamasil.com .
موقع رصيف 22/ نحن والخطاب الديني/ حسن سنديان/ 25 أغسطس 2024. https://raseef22.net/article/109820.
موقع كتابات/ 2 أيلول 2024. https://kitabat.com/news.