18 ديسمبر، 2024 5:00 م

الغرب والحرية المطلقة

الغرب والحرية المطلقة

يولد كل انسان وهو مقيد بعدد كبير من القيود التي تحول بينه وبين مجموعة من الأهداف والرغبات التي يحاول الوصول اليها عبر سبل مختلفة، ولعل الحرية هي إحدى اهم وسائل البشر لذلك ان لم تكن هدفاً لذاتها.
ان حرية التعبير عن الرأي هي إحدى أبرز صور الحرية لا سيما حينما يتعلق الأمر بالموضوعات المهمة كالسياسة والدين والاقتصاد وغيرها، وقد ناضل الجنس البشري طويلاً حتى يستطيع الانسان ان يعبر عن رأيه بحرية تامة في مختلف الموضوعات بعد قرون من القمع وسيطرة الكهنة والعسكر على مقاليد الحكم في معظم بلدان العالم. وقد تكلل هذا النضال بالنجاح بعد صدور الإعلان العالمي لحقوق الانسان والمادة ١٩ فيه التي نصت على أن :(لكل شخص حقُّ التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود).
من الناحية النظرية فإن هذا انجاز عظيم للمفكرين والتنويرين الذين سعوا من اجل نيل هذا الحق، ولكن من الناحية العملية كان يصعب الحصول على هذا الحق لاسيما في بلدان الشرق الأوسط التي ما زالت معظم الانظمة السياسية فيها تتسم بطابع شمولي واستبدادي.
اما في الغرب فالتطبيق كان صعب ايضاً، ورغم الشعارات التي يرفعها القادة هناك عن حقوق الإنسان وحرص الانظمة السياسية عليها الا ان للواقع ضروراته التي اباحت للحكام هناك بعضا من المحظورات.
من هذه النقطة نشير الى محاولات بعض الأحبة من مثقفينا وكتابنا العيب على الغربيين تناقضهم هذا في الكثير من القضايا لا سيما حين يتعلق الأمر بحرب يشنها الآخرين على العرب والمسلمين ويرتكبوها فيها الكثير من الانتهاكات لحقوق الانسان ثم يعمدوا الى تكميم الاصوات التي ترتفع لتفضح هذه الامور، وقد تناسى هؤلاء الواقع الذي لا يعترف كثيرا بالشعارات والنظريات بل له اشتراطاته، وهو ما يدفع الغربيين للوقوع في هذا التناقض . وقد ظهر هذا الأمر جلياً في (الحرب الروسية _ الاوكرانية)، إذ شنت الدول الغربية – مستغلة هيمنتها على وسائل الاعلام العالمية – حملة كبيرة على الجانب الروسي والمتعاطفين معه شملت غلق مواقع إلكترونية وإلغاء بث بعض القنوات الفضائية عبر بعض الأقمار الصناعية وغيرها من الإجراءات التي ساهمت في حجب وجهات نظر الطرف الاخر من الحرب.
علينا ان ندرك بأن بلدان المنظومة الغربية حين تدعي كونها امم حرة فإن ذلك لا يعني ان فيها حرية مطلقة وان في إمكان الفرد هناك ان يعبر عن كل ما يدور في خاطره وفي جميع الاوقات، فلم ولن توجود الحرية المطلقة في دنيا البشر منذ ان وجد الانسان على سطح هذا الكوكب، انها مسألة نسبية، ودول الغرب هي بلدان متحررة مقارنة مع بلدان العالم الشرق الاوسط وأفريقيا وغيرها، ولحرية التعبير لديهم حدود و تخضع لاعتبارات معينة ، وفقا لسياسات تلك البلدان ومصالحها.
لذا عليك يا عزيزي المتذاكي ان تفهم هذه الحقيقة وان لا تحاول السخرية منهم، بل حاول ان تناضل وتصل مع رفاقك الى نظام أفضل مما لديهم قبل أن تتحذلق عليهم، علينا ان ندرك جيداً ان هذا هو السبيل الوحيد لكي نتفوق عليهم .