في أعلى الصفحة لم يكن ذاك الخبر: اعتناق سياسي هولندي للإسلام بعد أن كان أشد الكارهين له ,إنه خبر يستحق التغطية, أليس كذلك؟ لكن ليس في عالم الازدواجيات. فهو في النهاية ليس أنثى خلعت ملابسها بمفهوم الحرية المقشر, يذكرني ذلك بقول اللاعب البحريني(العريبي) الذي تم اعتقاله لإعادته الى بلاده فقال بكل بساطة وفطرية( لأني لست أنثى)..
بعد أن انتهت التغطية الإعلامية لمونديال “رهف القنون” دخلنا مرة أخرى في مونديال فنزويلا, ومرة أخرى إلى المسرحية الغربية المعتادة ودور البطولة الأبدي كشرطي فاشل متناقض للعالم. دور فاشل كالعادة يكشفه حجم الرياء والتناقض والتفريط بقضايا أخرى جوهرية مقابل التركيز على امرأة خلعت ملابسها بمجرد وصولها كالفاتحين الى أرض العدو الذي يبحث عن زلة لعدوه, صيد ثمين أليس كذلك؟ ولو أردنا استعراض تناقضات الغرب وازدواجيته في مفهوم الحرية فإننا نحتاج إلى عشرات المقالات؟
دولة مثل كندا لم تتخل عن تجارة الرق حتى الثلاثينات من القرن التاسع عشر, في وقت كانت فيه نساء سورية والعراق وبلدان عربية أخرى مدللات كالملكات لسن بحاجة إلى قشور الغرب في الحرية. لذلك اتركوا حريتكم الجوفاء لكم فأنا لست بحاجة إليها. كندا, والأمم المتحدة شاهدة- وإنْ كانت الأمم المتحدة لا يعتد بها- على التمييز العنصري ضد السكان الأصليين, لكننا أحيانا نعتد بها إن صرحت ضد الغرب , وبحسبها –يعني هيئة الأمم-الأفارقة من السكان الأصليين للبلاد لازالوا حتى اللحظة يعانون هناك, خطف وضرب ووحشية ممنهجة ضد نساء البلد من الأفارقة ولاتزال تتحدث عنها الأمم المتحدة حتى اللحظة. وأمام العالم كله تتعرض امرأة من ذوات البشرة السوداء للعنف والطرد من قطار في دولة أوروبية, رغم أن المرأة حامل بإنسان آخر أيضاً. دولة أوروبية للكلاب فيها أمجاد لا تضاهى وحق الإنسان وهم.
نشفق على ماكرون الذي استنجد أسوة بزملائه من الرؤساء العرب بالرصاص, بل وحتى الخيول لقمع المظاهرات, حتى أنه استنسخ تجربة أنظمتنا بعقد “حوارات وطنية”, ذلك يذكرنا في بدايات الثورة السورية عندما بدأ النظام السوري يلتف على الثورة من خلال حوارات يعقدها للنظر في مطالب الشعب. الشعب الذي قد ثار يوماً في فرنسا ذاتها, لكن سرعان ما عادت الملكية والسلطة القديمة لتسرق ثمرات الثورة الفرنسية التي لم يتخل العالم الحر يوماً عن قيمها, ولاتزال قضية سرقات الثورات الحرة قائمة حت عصرنا بيد الغرب وتحت إشرافه.
فجوة شاسعة تلك بين أن تثبت ما ليس أنت عليه, شرطي العالم في حقوق الانسان وحديث غربي لا ينتهي يصب كله في بحر تناقصات وازدواجية معهودة لا تنتهي, ووجه قبيح جداً لا تغطيه وسامة رجل لسنا بحاجة لوسامته هو “ترودو” أو تلك الكاريزما التي توحي بالطيبة حتماً. هذا لا يختلف عن “ميركل”. وجه إنساني آخر, فتحت باب بلادها لللاجئين, ميركل نفسها التي كرمت الرسام الدنماركي الشهير صاحب الرسوم المسيئة, شهرة اكتسبها من حجم الإساءة وليس من حجم الحرية التي لم تتعد كونها استفزازاً , وهي نفسها التي تبيع حكومة بلادها الأسلحة للأنظمة الاستبدادية كالنظام السعودي, لقتل المدنيين في اليمن, وهي نفسها تنتمي لبلد تبيع شركات التكنولوجيا فيه أحدث أنظمة وبرامج التجسس على الانترنت لنظام بشار الأسد للتجسس على الناشطين, وكذلك دعم نظام فاشل سياسياً واقتصاديا كنظام السيسي في مصر مقابل عدم توفير أية مناسبة لمهاجمة دولة ناجحة اقتصاديأ وسياساً مثل تركيا.
كندا التي كانت مع أمريكا وإسرائيل ضد قرار الأمم المتحدة في اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل, لا تعنيها حرية شعب كامل كالشعب الفلسطيني أو قضيته العادلة في الحرية, لكن تعنيها ساقي امرأة, ولتذهب حقوق شعب كامل إلى الجحيم, فالمهم أن تكون رهف قد ضاقت طعم الخنزير وحققت حلمها الشخصي وخلعت ملابسها.
وليس بعيداً من هذا, وعلى مبدأ “عندما يختلف اللصوص تنكشف حجم السرقات”, أو عندما تتضارب المصالح يبدأ كل طرف بإظهار عيوب الطرف الآخر وكشف عوراته السياسية التي طالما سترتها تلك المصالح المشتركة, هل كنا نحتاج فعلاً لخلاف سياسي بين فرنسا وإيطاليا كي نكتشف قبح الوجه الغربي الذي لخصه نائب رئيس وزراء إيطاليا, والرجل هذه المرة كان بأشد حالات صدقة ودون نفاق سياسي بعد أن اختلف مع شريكه في السرقة –عفواً- شريكه السياسي بعد أن اختلفوا على الغنائم في ليبيا, ليبيا التي أسرعوا في إسقاط نظامها المستبد لأجل تلك الغنائم أيضاً. ليست تصريحاته وحدها التي تخبرنا كيف تقوم فرنسا بإفقار قارة بأكملها وسرقة خيراتها. فرنسا -أحد الشرطة الأوروبيين للعالم- لم تخرج من ثوبها الاستعماري القديم يوماً, وهل ذلك يكفي ليصدق بعض المنافقين العرب من أذناب الغرب والمعجبين بحريته عمق المأساة.. مأساة لا تنتهي عندما تبيع كندا الأسلحة أو توقف تصديرها للنظام السعودي مثلا أو الإيراني , ثم لنصدق أن صفقة السلاح مقابل تحرير امرأة لا تكفي لتغطية الوجه الاخر عندما يكون السلاح سبباً للقتل وسبباً للربح, فتصطدم الحقوق مع المصالح وليذهب البشر إلى الجحيم, لكن عندما يكون الأمر نكاية سياسية لابد أن تأتي وزيرة خارجية كندا برأسها لتستقبل فتاة هاربة, ثم و بعد قليل ستتذوق الخنزير وتحتسي الخمرة. أشفق كثيراً على تلك النكايات اللئيمة التي تشبه نكايات الصبية ببعضهم. تختصر الحرية بثوب امرأة أو بساقيها العاريتين, فماذا عن حرية آلاف النساء المعتقلات في سجون بشار الأسد أو السيسي اللذين يدعمها الغرب بقوة بينما, لابأس بالإطاحة برئيس فنزويلا.
عندما قتل بن سلمان الصحفي جمال خاشقجي راح بن سلمان يغذي مشاعر الغرب السطحية تجاه الحرية بنقاط ضعف الغرب ذاته, بالمال تارة وبالمجون تارة أخرى, حفلات ماجنة لاتنتهي في بلاد الحرمين لعل ذلك يخفي بعض السواد. وبين متاهات ازدواجية الحرية لدى الغرب وحتمية المصالح, وقهرية الأنظمة العربية الاستبدادية ضاعت الحرية الأسمى للإنسان العربي.
قبل فترة لم تسمح السلطات الألمانية لمظاهرة لسوريين أمام السفارة الروسية والسبب تلك المصالح, فعبودية أوروبا لروسيا عبودية من نوع آخر يجعلها تطوي ملفات بعيدة عميقة من قبيل ما فعله الجيش السوفياتي الأحمر بحق نساء ألمانيا مثلاً عندما اغتصب أكثر من مليوني امرأة ألمانية, لكن لابأس أن يبقى ملف “الهولوكوست” حاضراً كنوع آخر من عبودية الغرب لليهود. وبعيداً عن الماضي فإن للغاز الروسي إغراؤه أيضاً فلا داعي أن نقول عن بوتين انه مجرم حرب او ديكتاتور.
فالحرية التي يروجون لها لا تتعدى المفهوم و المعنى الذي يناسبهم ولا تتضارب مع نظام المنفعة والمادة لديهم, في المقابل كيف تنظر أوروبا والغرب إلى مبدأ حرية التعبير الراسخ عندما يصطدم بإنكار الهولوكوست وما تسميها “معاداة السامية”.
الإجابة عن هذا التساؤل توضح ازدواجية المعايير في الغرب المتشدق بحرية التعبير والسخرية من الأديان والأنبياء. فمتى يخرج الغرب من تناقضاته ونفاقه بخصوص الحرية بعيداً عن النفاق و الازدواجية
بالمعايير؟
أسماء شلاش, كاتبة سورية