22 ديسمبر، 2024 11:27 م

الغدير بين التغرير وسوء التقرير

الغدير بين التغرير وسوء التقرير

تُعتبر حادثة الغدير من أهم الحوادث في حياة المسلمين ويكفيها أهمية أن فيها يتحقق اكتمال الوحي، وتكون خاتمية الرسالة: ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا “، ولهذا ينبغي أن نقرأها بالطريقة التي تمكننا من فهم فلسفتها وأبعادها وعلاقتها بصناعة حاضر الأمة ومستقبلها.
لقد أسست بيعة الغدير منظومة فكرية وحضارية تضمنت التكامل التشريعي والحضاري لخاتم الرسالات، ولهذا كان التبليغ بوجوبها يوازي ثقل رسالة النبي وعدم التبليغ بها يعني عدم التبليغ بالرسالة: ” أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ “، كما أن هذا التأسيس أكد على ضرورة أن تعي الأمة العلاقة الإندماجية والارتباط الوثيق بين الإمامة والرسالة ، فالإمامة تمثل الحركة الدائمة والمستمرة للرسالة ، فاختتام الرسالة وانقطاع الوحي لا يعني نهاية علاقة الأمة بالسماء ، لأن الإمامة تمثل الامتداد الحقيقي للرسالة لأنها تمثل إتمام النعمة وكمال الدين كما نص القرآن الكريم…
إن تنصيب عليا إماما وخليفة لم يكن من إرادة النبي المحضة ولم يكن على أساس القرابة من النبي ولا غيرها من الاعتبارات الشخصية أو النفسية أو القبلية أو غيرها من الاعتبارات التي لا تنسجم مع العقل والأخلاق والشرع ، وإنما كان بأمر السماء بعد أن اجتمعت في علي جميع مؤهلات الإمامة والخلافة من وجهة نظر السماء، فهو اتقى الأمة وأعلمها وأعدلها وأشجعها… وغيرها من الصفات التي انفرد بها دون غيره وبإجماع المسلمين، وقد اعترف بولاية علي أشد مبغضيه ابن تيمية، كما كشف عن ذلك المحقق المهندس خلال مناقشته الموضوعية لآراء ابن تيمية حيث أثبت وبدليل ابن تيمية نفسه وعلى قول ابن تيمية أن الثقل الأصغر هو إظهار محبة الإمام علي “عليه السلام” وموالاته والصلاة في أوقاتها حيث ذكر المحقق الأستاذ: أن ابن تيمية يقول: (فكان المتمسك بالسنة يظهر محبة علي وموالاته ويحافظ على الصلاة في مواقيتها حتى رؤي “عمر بن مره الجملي” ، وهو من خيار أهل الكوفة شيخ الثوري وغيره بعد موته فقيل له ما فعل الله بك فقال :غفر لي بحب علي بن أبي طالب ومحافظتي على الصلاة في مواقيتها…).
فالتمسك بالسنة حسب تفسير ابن تيمية هو : (إظهار محبة علي وموالاته والمحافظة على الصلاة في أوقاتها ).
من النظريات المهمة التي تضمنتها منظومة الغدير هي ضرورة ارتباط الأمة بالأعلم والأكفأ والأنزه والأقدر وغيرها من مكارم الصفات….
وعلى ضوء ذلك تكون البيعة ويكون الاختيار والانتخاب لتحديد من يشغل أي موقع من مواقع المسؤولية سواء كان في الجانب الديني أو السياسي أو الاجتماعي أو الوظيفي أو غيره…
فبيعة الغدير واستمرارها وتطبيقها والارتباط بها وأحياؤها تتحقق بذلك، ولا تتحقق حينما يتم اختيار العالم مع وجود الأعلم، ولا باختيار الكفؤ مع وجود الأكفأ، ولا باختيار النزيه مع وجود الأنزه، وهكذا، فضلا عن اختيار من ليس بعالم، ولا بنزيه، ولا بكفوء، ولا بنزيه …، وعليه فإن بيعة واختيار وانتخاب الجاهل والفاشل والفاسد والسارق والخائن والقاتل هو جهل صارخ بفلسفة بيعة الغدير، وخروج عليها، وهذا ما حدث في العراق مع شديد الأسف حيث الالتفاف على مضامين الغدير ورسالته الحضارية بل تم استخدامه أداة للتغرير والخداع من أجل بيعة وانتخاب الجُهال و الفاسدين .