لم يحض أي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله الميامين وصحبه المنتجبين كما حضي حديث الغدير من إجماع المسلمين وبدرجة غير مسبوقة من التواتر منذ اليوم الأول لبعثة رسول الله (ص) في السنة الثالثة عشر قبل الهجرة حتى يوم وفاته في السنة الحادية عشر للهجرة.
والسبب في ذلك أن عدد المسلمين الذين استمعوا إلى خطبة الغدير وحديث الغدير قد تجاوز عددهم المئة الف مسلم كانوا قد حجوا مع رسول الله (ص) حجة الوداع وقبل تفرقهم في الجحفة عند غدير خم، امر رسول الله (ص) بالصلاة جامعة، ثم القى فيهم رسول الله (ص) خطبةً سميت بخطبة الوداع أو خطبة الغدير ومما جاء فيها : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا، الثقل الاكبر كتاب الله طرف بيد الله وطرف بأيديكم، والثقل الاصغر عترتي اهل بيتي فإن العليم الخبير أنبأني انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا. ثم اخذ بيد علي ابن ابي طالب عليه السلام فرفعها حتى بان بياض ابطيهما، ثم قال : الست اولى بكم من انفسكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره ، واخذل من خذله. فانزل الله في قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
لقد أجمع المسلمون أن أصح احاديث الرسول (ص) هو ما تواتر عنه ونقله جملة من الصحابة والتابعين بحيث سيكون من الاستحالة اجتماعهم على الكذب، واقل حد للتواتر هو اربعة والبعض جعله عشرة من الرواة. وأما إذا كان عدد الرواة عشرين او ثلاثين او اربعين، فلا يمكن ان يتطرق الشك الى صحة الحديث، والاحاديث التي ينوء عدد رواتها عن اربعين راوياً هي احاديث نادرة جداً. ولكننا نجد ان عدد رواة حديث الغدير عما وصلنا ينوء عن المئة وعشرة صحابياً مما جمعه السيد الاميني في موسوعته الغدير ويقول ان العدد الحقيقي قد يفوق هذا العدد بكثير (1) ، اما من التابعين فقد جمع السيد الاميني اربعة وثمانون تابعياً (2)، اما طبقات الرواة من العلماء فإن عددهم ينوء عن الثلاثمئة وستون عالماً (3)، كالبخاري صاحب الصحيح في تأريخه (4) ومسلم في صحيحه حيث يذكر الجزء الاول من الحديث (حديث الثقلين) (5) والنسائي في صحيحه وابن ماجة في سننه والترمذي في صحيحه وآخرين (6). ويمكننا القول بكل ثقة ان هذا الحديث هو اصح حديث على الاطلاق ورد عن رسول الله (ص).
ولكن الخلاف بين الشيعة والسنة في معنى الحديث وتفسيره وليس في صحته.
انقسم المسلمون إلى اربعة فرق برزت بشكل واضح في خلافة علي ابن ابي طالب عليه السلام:
١) شيعة علي (ع) الذين غدو جيشه وقاتلوا معه.
٢) أهل السنة من الصحابة الذين تولوا الخلافة بعد الرسول (ص) ثم قاتل بعضهم علياً (ع) في معركة الجمل بقيادة عائشة ام المؤمنين وطلحة والزبير.
٣) الشجرة الملعونة (شجرة بني امية) بالنص القرآني كما تواتر عن العشرات من المفسرين واصحاب الحديث (7) الذين كان يرأسهم ابو سفيان الذي اسلم مرغماً وابنه معاوية امير الفئة الباغية (8) الذي امر رسول الله (ص) بقتله ان رأوه علي منبره (9) وحفيده يزيد الذي رفع لواء الاخذ بثارات اجداده في بدر فانتقم بقتل حفيد الرسول الحسين (ع) (10).
٤) الخوارج الذين قاتلوا علياً (ع) في النهروان ثم قاموا بقتله عليه السلام وهو قائم يصلي.
لقد استدل الشيعة على احقية علي (ع) بالخلافة استنادا على هذا الحديث، وزعموا أن الخلفاء أبا بكر وعمر قد اجتهدوا في موقع النص في توليهم للخلافة، اما اهل السنة فزعموا أن المقصود من حديث الغدير هو وجوب محبة علي ابن ابي طالب (ع)، ومهما كان التفسير فنجد انه مع وجود بعض الخلافات بين علي (ع) وابا بكر وعمر وعثمان، ولكن التعاون بين الطرفين كان عظيماً قبال معسكر النفاق، حيث جاء أبو سفيان بعد مبايعة ابا بكر إلى علي أبن أبي طالب (ع) قائلاً : {وليتم على هذا الأمر أذل بيت في قريش، أما والله لئن شئت لأملأنها على أبي فصيل خيلاً ورجلاً}، فقال علي عليه السلام: {طالما غششت الإسلام وأهله، فما ضررتهم شيئاً، لا حاجة لنا إلى خيلك ورجلك}؛ وقد كان علي أبن أبي طالب (ع) خلال خلافة أبو بكر وعمر وعثمان ناصحاً لهم مشيراً عليهم ما فيه مصلحة الإسلام ومثبتاً حقائق الإسلام وموجهاً لهم للسير على منهجه، حتى قال بحقه عمر بن الخطاب ثلاث مقولات مشهورة (لولا علي لهلك عمر) وقال (لا أبقاني ألله لمعضلةٍ ليس لها أبا حسنٍ) وقال (لا أبقاني ألله بأرض لست فيها يا أبا الحسن)؛ لقد قال عمر هذه المقولات بسبب المواقف ألمميزة للإمام علي (ع) لتقديم النصح للخليفة والحفاظ على هذه الدولة الفتية وحل الإشكالات التي يقع فيها الخليفة.
ومع إن أم المؤمنين عائشة قاتلت معسكر علي (ع) في حرب الجمل ولكنها حينما اكتشفت أن امر الاسلام قد آل إلى المنافقين وإن معاوية قد شرع سب اهل بيت النبوة بعد اغتياله للإمام الحسن واجهت هذا المخطط وواجهت معاوية بذكر فضائل الإمام علي (ع) واهل بيت النبوة، كما جاء عنها في حديث مسلم حين اثبتت ان قوله تعالى {إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} قد نزلت بحق أهل الكساء الخمسة وهم رسول الله (ص) وعلي (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) (11). ومدحت فاطمة (ع) بأفضل مديح مشبهة اياها برسول الله (ص) حين قالت: : ( مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلًّا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهَا ، كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَبَّلَهَا، وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ إِلَيْهِ، فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَقَبَّلَتْهُ، وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِها) (12).
وقالت في خلافها مع علي (ع) : والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة واحمائها، وإنه عندي على معتبتي من الاخيار (13).
إن بعض الشيعة قد ينالون من ام المؤمنين عائشة بسبب موقفها من الإمام علي (ع) في حرب الجمل وموقفها من دفن الامام الحسن (ع) ولكنهم يجهلون انها في آخر عمرها حينما استذكرت عشرات الاحاديث بحق علي ابن ابي طالب (ع) كمقولة الرسول (ص): (يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) (14)، وحديث الغدير، وحديث كلاب الحوأب وغيرها من الاحاديث وما فعلته في إعلانها الحرب على علي (ع) في حرب الجمل ندمت ندماً يعجز عن وصفه القلم ووصفته هي حين اوضحته في قولها لما انبها مؤنب فيما أتته قالت: ( قضى القضاء وجفت الأقلام والله لو كان لي من رسول الله عشرون ذكرا كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فثكلتهم بموت وقتل كان أيسر علي من خروجي على علي ومسعاي التي سعيت فإلى الله أشكو لا إلى غيره). وإن هذه الواقعة قد نقلها الشيخ الصدوق في علل الشرائع (15). بل كان ندمها أشد قبل موتها حين قالت: والذي نفسي بيده لوددت اني كنت نسياً منسيا وقولها في موقع آخر: ياليتني كنت نباتاً من نبات الارض ولم اكن شيئاً مذكورا (16). بل انها رفضت ان تدفن في بيتها قرب رسول الله (ص) ندماً على ما فعلت في حرب الجمل وخجلاً من رسول الله (ص). إن اول شرط من شروط التوبة هو الندم، وإن الامور تقيّم بخواتيمها.
بل انها توجت موقفها في رعايتها وتنشئتها وتعلقها بأبناء اخيها محمد بن ابي بكر الذي كان من اشد المشايعين لعلي ابن ابي طالب (ع) وبالذات ولده القاسم، وكان من ثمرة هذه الرعاية والتنشئة أنه كان للقاسم ابنة غدت والدة الإمام جعفر الصادق (ع) وهي ام فروة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر، ولذلك قال الإمام الصادق (ع) مقولته المشهورة (اولدني ابو بكر مرتين) حيث كانت جدة الإمام الصادق (ع) من امه اسماء بنت عبد الرحمن بن ابو بكر.
وهكذا نرى ان شيعة علي (ع) والسنة من الصحابة المقربين لرسول الله (ص) قد نسوا خلافاتهم حينما واجهوا اعداءهم من المنافقين وتآلفوا وتعاونوا لرد المخططات المعادية للإسلام في صدر الاسلام، وهكذا فالتأريخ يعيد نفسه، فشيعة علي (ع) اليوم هم ورثة شيعته السابقين، والسنة اليوم هم ورثة السنة السابقين، أما أعداءهم من امثال داعش ومن على شاكلتهم فإنهم ورثة اعداء الإسلام من المنافقين والخوارج في آن واحد. تراهم يقطعون الرؤوس ويذبحون مناوئيهم مثلهم الأعلى يزيد ابن معاوية وشيعته حين ذبحوا الحسين (ع) وأهل بيته ورفعوا رؤوسهم على الأسنة، وإنهم ورثة الخوارج على لسان رسول الله (ص) حين يقول في حديث متواتر: ( سيخرج قوم في آخر الزمان يقرأون القرآن فلا يجاوز تراقيهم، يحسنون القول ويسيئون الفعل، يحقر احدكم صلاته الى صلاتهم وصيامه الى صيامهم، يقتلون اهل الاسلام ويدعون اهل الاوثان، يمرقون من الدين مرق السهم من الرمية، والله لإن ادركتهم لأقلتنهم قتل عاد وثمود، طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه ).
فليكن الغدير وذكرى الغدير منهج المسلمين جميعاً في حب اهل البيت والتآخي والتآلف والوقوف بوجه اعداء الاسلام كما كان أهل بيت النبوة عليهم السلام في تآخيهم مع الكثير من الصحابة وامهات المؤمنين وبالذات ام المؤمنين عائشة التي ما لبثت أن تناست حربها مع علي (ع) حين وجدت ان عدوهم المشترك هم المنافقون، هم الفئة الباغية بل هم الشجرة الملعونة…….
http://gadir.free.fr/Ar/imamali/k/book20/5.htm
http://gadir.free.fr/Ar/imamali/k/book20/6.htm
http://gadir.free.fr/Ar/imamali/k/book20/7.htm
تأريخ البخاري ج 1 ص (375) – ج 4 ص (193)
صحيح مسلم باب فضائل علي ابن ابي طالب حديث رقم (2408)
كالحاكم النيسابوري في المستدرك والمتقي الهندي في كنز العمال واحمد ابن حنبل في مسنده وابو يعلي وابو نعيم والبيهقي وابن حبان والدارقطني والبزار وابن الاثير في صحاحهم وسننهم ومسانيدهم وآخرين كالطبري والبغدادي وابن قتيبة والشافعي والبغوي والطحاوي والسجستاني والذهبي والزمخشري والباقلاني والرازي وابن الجوزي وابن خلدون والسيوطي والشوكاني وغيرهم كثير
راجع الدر المنثور للسيوطي في تفسير الشجرة الملعونة وتاريخ الطبري ج8 صفحة 185
البخاري حديث رقم 447
راجع الذهبي ميزان الاعتدال ج 1 صفحة 571
البداية والنهاية لأبن كثير صفحة 3049
صحيح مسلم حديث رقم 2424
صحيح الترمذي حديث رقم (3872) وصحيح ابو داوود حديث رقم (5217)
تاريخ الطبري ج 3 ص 60
صحيح مسلم حديث رقم (2682)
علل الشرائع للشيخ الصدوق صفحة (222)
الطبقات الكبرى لابن سعد صفحة (1405)