الغدر هذه المفردة التي حملت مضامينها ملايين القصص والحوادث وكتبت عنها الاف المجلدات تحدث الانسانية عن فوادح وفظائع يندى لها الجبين بل وتمطر السماء عليها دما .
الانسان الغادر هو ليس وحشا بل اشد وافظع لأن الوحش يفتك لحاجة غريزية متأصلة فيه اما الانسان فهو الذي انعم الله تعالى عليه بالعقل والعاطفة واختصه بالأخلاق التي ترتقي به الى مصاف الذرى .
هذا الانسان حين تزل به القدم ويهبط الى مهاوي الغدر يكون من الوحش اسوء ومن الهمجية ارذل دركات.
……………
ما يدعوني الى كتابة هذه السطور هو استماعي الى قصتين من القصص الذي يرويها الاستاذ (ابو طلال الحمراني )عبر القناة التي اتابعها وذلك للمحتوى الذي تتضمناه الا وهو (الغدر ضمن العلاقات الزوجية ) الغدر الذي يقدم عليه الزوج وكأنه جزاءا وفاقا للإخلاص والجهاد والتضحية وهنا أؤكد ان هذا الغدر لا يشمل الرجال فقط بل ايضا النساء . القصتين تتضمنان غدر من قبل الازواج …وقد اثارتا فيّ الكثير من المشاعر تعاطفا مع امرأتين عاشتا في ازمنة وامكنة بعيدة ومختلفة لكن تضحياتهما وما قدمتاه لأسرتيهما وما جوبها به من جحود يثيران الحنق والغضب عند كل ذي لب وضمير .
……………..
القصة الاولى تتحدث عن امرأة مصرية الجنسية(تحية للشعب المصري) وقد اصيب زوجها بمرض في كبده وكان يبحث عمن يتبرع له بجزء من كبده فكما هو معروف ان الكبد هو العضو الوحيد في جسم الانسان الذي ينمو فيما لو اقتطع جزء منه وهكذا بادرت تلك الزوجة المخلصة بمنح زوجها جزء من كبدها وقد عانت من الويلات والالام الجسام ما عانت وكانت حالتها الصحية في تراجع مستمر فيما كان الزوج يستعيد عافيته واصبح في صحة تامة.
كان من الطبيعي ان يبذل ذلك الزوج ما بوسعه ليهيئ لها ما يطمئنها ويجدد عافيتها ولكن لم يطل الزمن حتى كانت مكافئته لها زواجه بأخرى وتركها عند اهلها فضلا عن اتهامها باطلا بما لم تقترف ,فعل ذلك من أجل ان يجعلها أمام الأمر الواقع ولا تستطيع ان تقول كلمة …لا…
هكذا كان رد الجميل ومكافئة التضحية.
………………..
القصة الثانية تتناول احداث حياة امرأة من البلد الحبيب سوريا(تحية للشعب السوري) في البداية يتحدث الاستاذ ابو طلال الحمراني عن طفولة وصبا وشباب تلك الفتاة حيث كانت اكبر اخوتها واخواتها وبلغت من التعليم المرحلة الاولى للدراسة الثانوية ثم تركت الدراسة متفرغة لأعمال المنزل ورعاية الاسرة كونها اكبر الاولاد كما هو الحال في كثير من الاسر .ولكن تلك الفتاة لم يقتصر عملها على ذلك لأنها على درجة من التعليم ولان والدها لم يكن متعلما فقد اوكل لها مهام اعمال البيع والشراء التي يقوم بها فكانت تنجزها عل اكمل وجه بل واصبحت تشاركه الرأي والمشورة في الصفقات المختلفة لتجارته التي تشمل بيع الحيوانات وادارة الاعمال الزراعية ما اكسبها خبرة ومهارة انعكست على الارباح المتوالية لتجارة الاب فضلا عن تضاعف امكانية الاسرة المادية.
وكما فصل القصة الاستاذ ابو طلال الحمراني انه حين بلغت تلك الفتاة سن السابعة عشرة تقدم لها أحد الخطاب وكان يمت للأسرة بصلة القربى ولكن الاب رفض تلك الخطبة فما كان منهم الا ان اتهموه بأنه قد تكبر وتعالى عليهم لأنه بلغ مبلغا من الغنى والثروة ولهذا صارح فتاته بالأمر فأجابته بالقبول حفاظا على مشاعر الاب وكرامته ومخافة ان تناله اتهامات الكبر والتعالي الباطلة رغم علمها بما ستعانيه من مشاق الحرمان ومعاناة الفقر وضيق العيش كون الزوج واسرته على درجة من الفقر إذ لم يستطيعوا ان يوفروا لها ابسط مستلزمات الزواج لذا كان ابوها هو من تكفل الامر وتم زفافها الى بيت الزوج الذي لم تكن لها فيه الا غرفة صغيرة عاشت فيها راضية بقدرها وتعامل افراد اسرة زوجها جميعا بحب وسلام وكأنها وردة جميلة تفيض بعطرها الفواح وتبعث السكينة والاطمئنان فيمن حولها.
لم تدخر تلك الفتاة وسعا في تغيير الواقع المادي لأسرة زوجها فعملت كما كانت في بيت والدها على وضع الخطط الكفيلة بارتقاء الاسرة المادي مستثمرة خبرتها ومهاراتها بل وعملت بيديها ايضا في تربية الحيوانات ورعاية شؤونها كانت كقطب الرحى تدور وتدور وتعمل بكد واجتهاد حتى تم لها ما ارادت وارتقت بزوجها واسرته ماديا ومضت السنون واصبحت اما لأولاد وبنات زرعت فيهم القيم الطيبة وعملت على تنمية وشائج المحبة.
على ان دوام الحال من المحال فبعد مضي سبعة عشر عاما على ذلك الزواج الميمون قدر الله تعالى ان تبتلى ببلاء يظهر لها حقيقة الزوج الغادر إذ توفى احد اشقاء الزوج تاركا ارملته وعدد من الاطفال لذا وحفاظا على اولاد الفقيد اشارت الام على ابنائها جميعا (دون زوج تلك الفتاة ) اشارت عليهم بالزواج من الارملة الام ولكن جوبهت برفض قاطع من الاولاد وهي وان طلبت من اولادها جميعا هذا الطلب مستثنية منه زوج تلك الفتاة لحبها وعرفانا لها بما قدمت من تضحيات وما لها من فضل في جعل الزوج المعدم على درجة من الاقتدار.
لم تطلب اليه الام زواج ارملة اخيه لكنه هو من اراد ذلك بل واصر على الامر فكانت تلك هي الطامة الكبرى التي حطمت اعصاب المرأة التي بذلت ما بوسعها بل واكثر مما يسعها الجهد ولم تطالب الزوج بشيء الا امنية واحدة وهي زياره بيت الله الحرام وطيلة تلك السنوات كان يتعلل ويتعذر رغم امكانيته ذلك وها هو يفاجئها برغبته في الزواج من ارملة اخيه ,هنا فاض بها الكيل وعيل صبرها ,ودون ارادة منها رفعت صوتها الذي لم يسمع قبلا مذكرة اياه بجهدها وتعبها وتفانيها وما زاد الطين بلة هو موقف ابنتها الكبرى منها إذ راحت تلوم امها على رفضها لذلك الزواج متعللة بأن ذلك حق لأبيها وليس لها الاعتراض عليه.
الحق آلمها موقف ابنتها منها ولكنها تجاوزت ذلك الالم متعذرة بصغر سنها وجهلها للأمر وظلت تصرخ بكلماتها معاتبة الزوج الذي قدمت له حياتها وجمالها وسني شبابها الغض بل وحتى ما ورثت من اموال والدها .
لم يكتف الزوج بضربها ضربا مبرحا بل شج رأسها بحجر فجرحها جرحا بليغا و نزفت كثيرا واغمي عليها وادخلت المستشفى .
كانت حالتها ميؤوسا منها وظلت فاقدة للوعي لأكثر من عام وكان اخوتها الذين اصبحوا شبابا الى جوارها وقد انذروا زوجها ان عقابه سيكون اليما في حال فقدت حياتها وفي الحق كان منهم على حذر.
بعد مضي اكثر من عام استعادت الوعي وكأنها لم تدرك في بادئ الامر ما وقع لها ثم استعادت الاحداث شيئا فشيئا ولهذا طلبت الى اخوتها تجاوز الامر وعدم معاقبة زوجها او زجه في السجون رعاية لأولادها وحفاظا عليهم من التشرد وجاءت ابنتها تعتذر اليها لما بدر منها وتطلب سماحها ,سامحتها وسامحت الجميع .
دخلت عليها زوجة احد اشقاء زوجها تهنئها السلامة وهي فرحة بشفائها ثم ما لبثت ان افاضت عليها بالأخبار إذ قالت لقد تزوج زوجك تلك الأرملة واسكنها شقة فارهة هي واولادها واثثها بفاخر الاثاث والرياش وايضا ذهب بها الى الحج على حسابه الخاص هي وابوها …..
آه…………………خرجت من اعماق قلبها جرحا نازفا من قلب موجوع فالحج كان الامنية العظيمة التي رغم كل ما بذلت لم يشأ ان يحققها لهاذلك الزوج الغادر وها هو يحقق ذلك لأرملة اخيه بالأمس وزوجته اليوم وهي ليست مثلها جمالا وعفة ونشاطا وجهدا وبذلا وتضحية ….يا للجحود….يا للغدر …يا للخسة والنذالة .
لم تقل اكثر من هذه الكلمات واطبقت جفنيها الى الابد ……………..
……………..
فيما بعد يوضح الاستاذ(ابو طلال الحمراني )ان ابنتها قد تزوجت وان زوجها قد تزوج بأخرى. إذ ذاك علمت مبلغ الالم الذي عانت منه امها ذات يوم واحست فضاعه مواجهتها ولومها للام التي رحلت عن هذا العالم وهي رغم مسامحتها للأخرين حملت الم الغدر وكأنه جزاء وفاقا لا خلاصها وحبها وتفانيها وتضحيتها للأخرين.