يحتوي العراق – حسب الدراسات الجيولوجية – على حوالي 530 تركيبا جيولوجيا تعطي مؤشرات قوية بوجود كم نفطي هائل. ولم يحفر من هذه التراكيب سوى 115 من بينها 71 ثبت احتواؤها على احتياطات نفطية هائلة تتوزع على العديد من الحقول ، ولم يستغل منها سوى 27 حقلاً من بينها عشرة عملاقة. وتتركز حقول النفط والغاز المنتجة حاليا في محافظتي البصرة وكركوك. وتأتي بعدها في الأهمية حقول محافظات ميسان وبغداد وصلاح الدين وديالى ونينوى. أما الحقول غير المكتشفة وغير المطورة فتوجد في أغلب محافظات العراق ما عدا أربع هي القادسية وبابل والأنبار ودهوك . يتركز الجزء الأعظم من الاحتياطي النفطي العراقي في محافظة البصرة حيث يوجد 15 حقلا منها عشرة حقول منتجة وخمسة ما زالت تنتظر التطوير والإنتاج. وتحتوي هذه الحقول احتياطيا نفطيا يقدر بأكثر من 65 مليار برميل، أي نسبة 59% تقريبا من إجمالي الاحتياطي النفطي العراقي. ويشكل الاحتياطي النفطي لمحافظات البصرة وميسان وذي قار مجتمعة حوالي ثمانين مليار برميل، أي نسبة 71% من مجموع الاحتياطي العراقي.
عرف العراقيون القدامى النفط واستخدموه منذ أقدم العصور. وقد ورد ذكره في سفر النبي دانيال. وعند مرور الجيش اليوناني بقيادة الاسكندر الكبير من كركوك، شاهدوا منابع النفط وذكروا بأن الطرق كانت مرشوشة بالنفط من منبعه الى المدينة، وانهم يشعلونه في الليل وتظهر المدينة بشكل ممتع كأنها داخل كتلة من النار. يعتقد بأن السومريون قد استعملوا القار لطلاء قواربهم المصنوعة من البردي قبل خمسة آلاف سنة كما استعمل القار كمادة مانعة للرطوبة من قبل البابليون قبل ثلاثة آلاف سنة في انشاء زقوراتهم وجدران عاصمتهم بابل و مبانيها الكبيرة. وايام الدولة الاموية كان زيت النفط او النفط الخام يستخدم في انارة الفوانيس وكزيت للمنجنيق الملتهب في الحروب .
واستخدم بعض العلماء العباسيين عمليات تقطير بدائية للحصول على نفط خام بدون شوائب واستخدم هذا النفط في الحمامات العامة والخاصة. ويقال بان القار استعمل كذلك في تبليط بعض طرق بغداد عند تشييدها عام 762 ميلادية.
وفي العهد العثماني جرت أول محاولة لاستخراج النفط في كركوك في العصر الحديث بطرق بدائية من قبل عائلة آل نفطجي. وهي عائلة تركمانية في كركوك من الاراضي المجاورة لوادي نفط دره سى أي “وادي النفط” ووجدت في المنطقة آبار سطحية بلغت ثلاثة آبار خاصة بالعائلة المذكورة أعلاه كانت تستثمر بالطرق البدائية – طريقة السحب اليدوي بالدلو- ويضمن محصولها لافراد من الاهالي حيث ينقلون النفط الخام بواسطة الحيوانات ويباع للاهالي والحمامات لاستعماله كوقود. ولاول مرة في تاريخ النفط بكركوك منح امتياز استخراجه الى عائلة نفطجى زاده من قبل الدولة العثمانية في عام 1639. بموجب فرمان صادر من قبل السلطان العثماني مراد الرابع. بعد فترة من الزمن، وقعت بعض التجاوزات والتعرضات على هذا الامتياز من قبل الغير. وعلى اثره قدم أصحاب الامتياز من عائلة نفطجى شكوى الى السلطان العثماني وذلك في سنة 1782. وفي نفس السنة ورد الى كركوك فرمان ثان مؤرخ بتاريخ 1782 معنون الى قاضي كركوك، يؤكد فيه بأن امتياز نفط كركوك يعود الى عائلة آل نفطجي حصراً ولايجوز لغيرهم التجاوز عليه.حصل على هذه الوثيقة التاريخية ناظم آل نفطجي زاده عندما كان خبيراً في لجنة تقصي الحقائق في قضية الموصل والتي شكلت حسب قرار عصبة الامم المؤرخ في سبتمبر 1924 وقدم الموما اليه بتاريخ 30-10-1927 طلباً لرئيس الوزراء التركي، طلب منه نسخة مصدقة من الفرمان الذي منح لعائلته امتياز نفط كركوك في منطقة بابا كركر من قبل السلطان حيث ادعى بأن عائلته هم الأصحاب الشرعيون للأراضي التي تنبع منه نفط باباكركر منذ قيام الدولة العباسية والسلجوقية والعثمانية والتي أستولت عليها شركة النفط التركية وتعرض على حقوقهم الشرعية وبعد تحري دائرة الأوراق (الأرشيف) التابعة لرئاسة الوزراء التركي عن الفرمان الأصلي المصدق الممنوح لهم من قبل السلطان مراد الرابع والسلطان عبد الحميد الأول فأن الدائرة لم تتوصل الى الفرمان الأول بسبب تلفه وضياعه الاّ أنهم توصلوا الى الفرمان المصدق الممنوح لهم من قبل السلطان عبد الحميد الأول المؤرخ في 1196 . يعتبر هذا الفرمان أول وثيقة تاريخية لامتياز النفط بكركوك.بقى امتياز وأعمال النفط بابا كوركور تحت تصرف هذه العائلة التركمانية بكركوك حوالي أكثر من ثلاثمائة عام. وكانت هذه العائلة تؤجر منطقة استخراج النفط أو تمنح بشكل التزام الى الاشخاص الذين يؤجرون ويلتزمون هذه الاراضي، ويقومون بأعمال استخراج مادة النفط ويتم تكريرها وتصفيتها، وتتم كلها بطرق بدائية بسيطة وتعرض للبيع في الاسواق المحلية. تذكر بعض الحوليات بأن هناك خمسة عشرعيناً، يستخرج منها النفط بمقدار 100الف قيه “حقة” وكانت ذات فائدة عظيمة لمدينة كركوك، وقد دفعت حاجة العالم القصوى الى النفط كثيراً من الخبراء الى البحث عن منابع اخرى له في مناطق الدولة العثمانية حتى تمكنوا من العثور عليه في جهات شتى من العراق وسيما في كركوك. وفي أواخر العهد العثماني وبعد أن تعرف خبراء الغرب المستعمرين على هذه الثروة الحيوية اضطر السلطان عبد الحميد الثاني أن يعلن في 6 فبراير 1889 فرماناً يقر فيه حقوق امتياز النفط من الاراضي “السنية” ولايجوز التصرف بها، إلاّ بأذن السلطان شخصياً.
وبعد تسع سنوات في 20 سبتمبر 1898 صدر فرمان آخر بنفس الغرض والمقتضى ضم فيها منطقة امتياز نفط بغداد.وفي عام 1908 تقرر فتح امتياز استثمار نفط كركوك للالمان وثم تشكلت شركة النفط التركية التي اشترك فيها الانكليز أيضاً.كان الالمان هم اول من حاول استكشاف النفط في العراق في الفترة (1860-1880) حيث استقدمهم والي بغداد العثماني مدحت باشا وقاموا بإنشاء مصفى في بعقوبة لتصفية النفط المستخرج من مندلي وفي عام 1882قام السلطان عبد الحميد الثاني بإصدار فرمان من الباب العالي يقضي بضم أراضي الموصل (بضمنها عين زالة و القيارة). وفي العام 1902 تم حفر اول بئر نفطية بمهارات انكليزية في حقل جيا سورخ قريبا من الحدود الايرانية ورغم قلة الانتاج الا انها كانت طفرة نوعية وجذبت انتباه الشركات الاخرى للعراق وفي عام 1905 قامت شركات فرنسية وألمانية بمحاولة استخراج النفط من حقول القيارة. في عام 1912 قام المدعو كالوستي كولبينكيان (رجل الاعمال الارمني المشهور البرتغالي الجنسية) بالتعاون مع شركات النفط الكبرى الاوربية بتأسيس شركة البترول التركية في اسطنبول وحصلت الشركة من حكومة الباب العالي في اسطنبول على امتياز التنقيب واستكشاف النفط في كافة الاراضي العثمانية كالعراق وسوريا وجنوب تركيا، لكن اندلاع الحرب العالمية الاولى حال دون اكمال الاستكشافات في العراق . النفط في العراق فيما بعد الحرب العالمية الاولى: رغم تفجر النفط بكميات كبيرة في تشرين الأول/أكتوبر 1927 من البئر رقم (1) في حقل بابا كركر في منطقة كركوك، إلا أن عمليات الإنتاج للنفط العراقي تأخرت لعدة سنوات إلى حين الاتفاق ثم الانتهاء من مد أول خطوط النفط غرباً باتجاه سوريا ولبنان واللتان كانتا خاضعتين للانتداب الفرنسي. وبذلك يتم تقاسم خيرات النفط العراقي بين البريطانيين والفرنسيين وأصبح النفط العراقي حكراً لشركة نفط العراق بموجب اتفاقية الامتياز الممنوحة لها تحت الضغط البريطاني وتاريخ هذه الشركة حافل بالمفاجآت فهي نفسها شركة الامتيازات الافريقية والشرقية المحدودة المسجلة عام 1911وهي نفسها شركة النفط التركيةالتي جاء ذكرها سابقا اذن من الواضح ان الاستعمار الغربي كان يستبدل اسم الشركة حسب المستجدات السياسية فقط ليوهم الناس البسطاء والحكام السذج انها ملك لهم بينما هي في الواقع لملك لاصحاب الاسهم التي كانت تتكون من : 1-23.75 % لشركة النفط البريطانية (او ماكان يسمى شركة النفط الانجلو – فارسية) 2-23.75 % لشركة رويال دوتش شيل البريطانية –الهولندية 3-23.75 % لشركة النفط الفرنسية 4-23.75 % لشركة تنمية الشرق الاوسط الامريكية 5- 5 % لورثة كولبينكيان وكان اول اكتشاف لها هو اكتشاف النفط في كركوك عام 1927 وبدأت بالانتاج والتصدير عام 1934 وكان للنفط دور مهم في تغيير السياسات الحاكمة في العراق. تأسست لاحقاً شركة نفط الموصل عام 1936 لتغطية مناطق شمال غرب العراق عين زالة وبطمة والقيارة ومخمور، وفي عام 1938 شركة نفط البصرة لتغطية النشاطات في جنوب العراق وشواطئ الخليج العربي والصحراء القريبة من الكويت ، واول اكتشاف لها هو حقل الزبير 1948 وبوشر بالتصدير منه عام 1951وبعدها تم اكتشاف حقل الرميلة عام 1953وبوشر بالانتاج منه عام 1954 وقامت الشركة ببناء الميناء العميق لغرض تحميل الناقلات العملاقة . أصبح في العراق للمرة الأولى ثلاث شركات نفطية عملاقة هي شركة نفط العراق وشركة نفط البصرة وشركة نفط الموصل وانتاج النفط كان قد بدأ ب89000 ب/ي في 1938 ووصل الى 140000ب/ي في عام 1950 ووصل انتاج النفط المتراكم الى مايقارب مليار واربعمائة واربعون مليون برميل لغاية عام 1958 وكانت حصة العراق هي اربعة شلنات عن كل طن من النفط الخام المستخرج وبلغ مجموع المبالغ المستحصلة من النفط لغاية 1958 45مليون دولار وكانت هذه المبالغ جزءا ضئيلا من حقوق الشعب العراقي فهي اقل من حصة كولبنكيان واقل من 1% من النفط المستخرج . قامت الحكومة بمفاوضة الشركات النفطية الثلاثة لزيادة حصة العراق الى 20% لكن الشركات بدأت بالمماطلة. قامت الحكومة العراقية بأنذار الشركات بانهاء الامتيازات الممنوحة لها وفي الثالث من شباط 1952 تم توقيع الاتفاقية التي طال انتظارها بين الحكومة العراقية والشركات الثلاثة وذلك باعطاء العراق حصة 50% من ارباح الشركات تؤخذ بشكل حصة عينية من النفط الخام للاستهلاك الداخلي والباقي يحول الى دفع نقدي وتم الاتفاق على زيادة الانتاج الى 30 مليون طن عام 1955واصبح دخل العراق الصافي من النفط يقدر ب20مليون دينار عراقي أي مايقارب 40مليون دولار انذاك . بقي النفط تحت أدارة الشركات الاجنبيه وسياساتها حتى بدأت تتبلور فكرة التاميم وكان اول من نادى الى التاميم هو الدكتور محمد سلمان حسن في العراق لتأميم النفط،من خلال دراسة عميقة جدا القيت في نقابة الاقتصاديين اواخر ستينات القرن العشرين ونشرت في دراساته نحو( تأميم النفط العراقي )التي القيت كمحاضرة سنة 1966 . فبعد الحكم الملكي في العام 1958 اعارت الحكومة الجديدة اهتماما خاصا لقضايا النفط فشكلت لأول مرة وزارة خاصة للنفط في العام 1959 اعقبها طلب الحكومة من الشركات اعادة النظر باتفاقية الامتياز لتحسين الشروط وتطبيق ما اعتقدته الحكومة من حقها وفق هذه الاتفاقية. وبعد فشل المحادثات قامت الحكومة باصدار القانون الشهير رقم 80 في 11 كانون الاول من عام 1961 الذي وضع 99.5% من اراضي الامتياز تحت سيطرة الحكومة العراقية وترك للشركات الاجنبية مساحات الحقول المنتجة للنفط فقط.لذلك ساءت العلاقة بين الحكومة والشركات النفطية لكن مع ذلك لم تتخذ الحكومة اية اجراءات جديدة ضد الشركات حتى العام 1964 عندما اقدمت على انشاء شركة النفط الوطنية العراقية وعهدت اليها بجميع الاراضي الخارجة عن سيطرة الشركات.وازدادت رغبة الحكومة في لعب دور اكبر بعد تلكؤ الشركات في تنفيذ رغباتها في زيادة الانتاج وتحسين شروط الاتفاقيات المعقودة معها.ومما عزز من موقف الحكومة ان شركة النفط الوطنية قد قوى عودها وبدأت عمليات استكشاف واسعة بمساعدة بعض الدول الصد يقة في الاراضي التي تمت السيطرة عليها . وبعد مفاوضات مضنية بين الطرفين اصدرت الحكومة القرار رقم 69 في 1972/6/1 الذي تم بموجبه تأميم عمليات شركة نفط العراق وتبع ذلك تدريجيا تأميم الشركات النفطية العاملة في شركة نفط البصرة والموصل وحتى التأميم الكامل لجميع اعمال ومصالح شركات النفط الدولية النفطية في العراق بموجب القانون رقم 200 لعام 1975 وبذلك اصبح جميع قطاع النفط تحت سيطرة الحكومة العراقية.
///جولة التراخيص النفطية:
اليوم تطرح ثروات العراق النفطية في عقود ملتبسة ويلف البلد مستقبل غامض. بالرغم من الحديث عن الشفافية وحرية التعبير ووجود مجلس نواب ” منتخب” واعتماد آليات ديمقراطية، الاّ أن السريّة شكّلت سمة مميزة للوضع الجديد الذي جاء بعد الاحتلال. كتب الدكتور نبيل جعفر في ملحق صحيفة المدى الأقتصادي يقول ” من الصعوبة بمكان إجراء تقييم دقيق منطقي وشامل للاتفاقيات النفطية التي عقدتها وزارة النفط العراقية ومجموعة من الشركات النفطية العالمية في إطار ما يسمى بجولات التراخيص النفطية الاولى – الثانية التي أبرمت ابتداءً من 30/6/2009 نظرا لعدم نشر النصوص الكاملة لهذه الاتفاقيات وصعوبة وصول الباحثين اليها”.
تثار تساؤلات كثيرة حول تفاصيل العقود التي لم يكشف عنها وزير النفط اليوم رغم مطالبة منظمات شعبية عراقية ودولية محايدة تعني بعقود النفط، كمنظمة بلاتفورم البريطانية المستقلة، لأن ما سرب لحد الآن عن تلك العقود شحيح جدا، وكل ما نعرفه عنها أنها عقود خدمة لتطوير الحقول النفطية، واذا كانت بالفعل كذلك فما معنى أن تبقى حقول النفط باحتياطياتها الهائلة رهينة بأيدي الشركة الخادمة لمدة عشرين عاما وربما يزيد عن ذلك؟ إن عقود الخدمة قد تستغرق أشهرا وربما عدة سنوات لا عقودا من السنين، وهي غالبا ما تضطلع بمهمة الحفر وتهيئة الحقل لانتاج الكمية التي تتوقعها الدراسات الفنية عن طاقة الحقل الانتاجية، وقد تنصرف الخدمة إلى تحديث وتطوير الحقل وصيانة معداته، أو بناء منظومة نقله إلى مواقع داخلية أو إلى منافذ التصدير. وتستلم الشركة الخادمة أجورها نقدا أو نفطا طبقا للاتفاق المبرم، وتقوم بعده بتسليم الحقل إلى اصحابه وتمضي إلا اذا عجز الكادر العراقي من ادارة عمليات انتاج الحقل. أما أن تبقى الشركة مهيمنة على الحقل وتستمر باستلام اجورها سنويا أو شهريا في حين تستطيع وزارة النفط تحويل استحقاقاتها الى حساباتها المصرفية، أو نفطا وفق الاتفاق الى أي ميناء شحن في العالم فأمر في غاية الغرابة، ويحتاج تفسيره الى منجم. كما أن ادعاء الوزير ببقاء الاحتياطيات النفطية بيد الشعب العراقي لا يغير من الأمر شيئا، فالاحتياطي النفطي باق بأيدي الشركات طوال مدة العقد الممتدة لعشرين عاما، وهو غير قادر على التصرف به، ونعتقد أن أي وزير آخر لو أراد تغيير صيغ العقود الحالية بسبب تبنيه ستراتيجية التطوير الوطني للصناعة النفطية، لواجه اشكالات قانونية ومالية مع الشركات النفطية. أما بقاء الاحتياطي النفطي في حوزة الشركات النفطية فسيحقق لها مكاسب مالية كبيرة طوال العشرين عاما القادمة، باعتباره ثروة جديدة تضيفها إلى أصولها الحالية، وبذلك ترتفع قيمة أسهمها في أسواق المال الدولية أضعافا مضاعفة، فتبدأ بجني الأرباح من وراء ذلك حتى قبل أن تستثمر دولارا واحدا في حقولنا النفطية. وهذا ما يؤكده تود كوزيل المدير التنفيذي لشركة ” غلف كيستون ” التي تنقب عن النفط في كردستان بالتعاون مع حكومة الاقليم، حيث أدلى لبرنامج ” أسواق الشرق الأوسط س. ن. ن عن الاكتشافات التي حققتها شركته في كردستان العراق بالقول: “ما وجدناه هو عبارة عن حلم لكل عامل في قطاع النفط، فهذا النوع من الاكتشافات انتهى منذ مطلع القرن العشرين.” وتابع بالقول: “أن نجد في هذه المنطقة المرتفعة كميات مؤكدة تعادل 2.5 مليار برميل، مع إمكانية وصولها إلى ما بين 10 و15 مليار برميل يمثل حدثاً غير مسبوق، وهذا رفع قيمة شركتنا السوقية من 45 مليون جنيه إسترليني إلى أكثر من 600 مليون جنيه.” وعن كيفية إدارة الشركة للفترة التي ارتفعت خلالها أسهمها بقوة إثرالإعلان عن الاكتشاف قال كوزيل: “كان علينا الانتباه خلال عمليات الاستخراج، وذلك عبر اعتماد الشفافية وإطلاع السوق على كميات النفط المكتشفة وقطع دابر الشائعات، كما قمنا بتوظيف طرفا ثالثا لتقييم الكميات الموجودة في الحقل كي تكون كل البيانات التي نوفرها للسوق دقيقة وحقيقية.”
بناء على مصادر صندوق النقد الدولي، شكلت عائدات الصادرات النفطية نسبة 75 % من الناتج المحلي الاجمالي للعراق، و86 % الموارد الحكومية لعام 2008. وقد أشارت أرقام الميزانية الحكومية العراقية إلى أن ما رصد لصالح قطاع النفط في 2008 بلغ 2.6 مليار دولار، مقارنة ب3.2 مليار دولار في 2009 ، أي بزيادة مقدارها 50% عن السنة السابقة. وبموجب وكالات حكومية أمريكية ومنظمات دولية، فقد قدرت تكلفة اعادة بناء العراق بمائة مليار دولار، ثلثها ستذهب لاعادة بناء المنشآت النفطية والكهرباء والغاز. فيما يرى محللو البنك الدولي أن العراق يحتاج إلى مليار دولار اضافي سنويا للحفاظ على وتيرة العمل الحالية في المنشآت النفطية لاستمرارها في انتاج النفط. أما احتياطيات الغاز وفق نفس تقرير الطاقة الأميركي المشار اليه، فتأتي العاشرة على مستوى العالم، يتواجد 70 % منها في البصرة جنوب العراق. وتقدر كميات الغاز العراقية ب 112 تريليون قدم مكعب، ثلثاها موجود مع احتياطيات النفط في كركوك وجنوب حقل بن عمر، ومجنون، وحلفايا في الناصرية، والرميلة، وغرب القرنة والزبير. بينما يوجد 20 % من احتياطيات الغاز في مناطق لا يتواجد فيها حقول نفط، وهي متركزة في الشمال، بجمبور، وجمجمال، وباي حسن، وعجيل، وبابا كركر، وقاسم عمر، والمنصورية. وجود مثل هذه الاحتياطيات من الغاز يرشحها لثاني اهم ثروة كربوهيدراتية بعد النفط في العراق، حيث يستطيع العراق مباشرة انتاجها لأغراص الاستهلاك المحلي أولا، وللتصدير ثانيا عبر المنافذ الشمالية الغربية عبر تركيا بالأنضمام الى خط (نابوكو) عبر انبوب الغاز ايران – أوربا. وهناك مشروع قيد الدراسة هو مشروع الغاز العربي الذي سينقل الغاز من حقول أكاس في محافظة الأنبار عبر سوريا إلى الحدود التركية ومن ثم إلى أوروبا، وكل هذه مشاريع قيد الدراسة الآن لكنها مشاريع مستقبلية قابلة للتحقيق، إذا ما توافرت لذلك خطط مدروسة بعناية للتعاون على انجازها بين ذوي المصالح المشتركة، العراق ودول الجوار وأوربا حيث السوق الاستهلاكي القابل للتوسع دائما. ما يحتاجه العراق في هذه المرحلة من تطوره هو حكومة مستقرة وذات مصداقية تتبنى وتلتزم بسياسة تنمية اقتصادية عقلانية لخدمة شعبها، تؤمن بالسلام والتعاون والتنسيق بين دول المنطقة. التحدي المهم لأي حكومة عراقية قادمة يكمن في كيفية توفير الموارد المالية والفنية اللازمة للبدء في استثمار ثرواتنا من النفط والغاز كجزء من سياسة تنموية شاملة. وحول موضوع الموارد المالية وسبل تطوير قطاع النفط اختلفت أراء المختصين في السبل الأكثر فاعلية لزيادة استخراج النفط وتحديث وتطوير صناعاته، صندوق النقد الدولي وممثلو مصالح شركات النفط الكبرى يميلون الى خصخصة الصناعة النفطية ، والبعض يميل الى تعزيز قطاع الدولة كأفضل ضمانة للوصول لذلك الهدف . من هنا يمكن فهم حماس وزير النفط العراقي لجولات التراخيص التي أعلن عنها عام 2008، كوسيلة لاستدراج الاستثمارات الأجنبية إلى قطاع الانتاج النفطي، لتحديثه وتطوير قدراته الحالية المحدودة سعيا لزياد المواردة المالية في أقرب فترة زمنية.
///جولة التراخيص الاولى:
تم الإعلان عن الحقول النفطية المنتجة والمطورة في جولة التراخيص الاولى في 30/6/2009 من قبل وزير النفط العراقي وتضمنت هذه الجولة ستة حقول نفطية هي:الرميلة الشمالية والجنوبية وغرب القرنة (المرحلة الاولى) والزبير وباي حسن وميسان،فضلا عن حقلي المنصورية وعكاش الغازيين.لقد عرضت هذه الحقول في اطار عقود الخدمات التقنية ولمدة عشرين عاما. يوجد في هذه الحقول النفطية زهاء 45 مليار برميل من الاحتياطي النفطي المؤكد وبنسبة تعادل 39% من اجمالي الاحتياطي العراقي النفطي تنتج هذه الحقول حاليا نحو 2،250 مليون ب/ي وهو ما يعادل نحو 90% من انتاج العراق الحالي من النفط الخام تؤمن نحو 90% من الايرادات العامة. وقد تمخضت جولة التراخيص الاولى عن احالة ثلاثة حقول عملاقة هي حقول الرميلة الشمالية والجنوبية وغرب القرنة المرحلة (1) والزبير والتي هي بعهدة شركة نفط الجنوب الى مجموعة من الشركات النفطية الاجنبية،اما حقول كركوك وباي حسن وميسان والحقلين الغازيين عكاش والمنصورية فلم تحظ بعقود تطوير من قبل الشركات النفطية الاجنبية ولذلك بقيت تلك الحقول تحت الجهد الوطني متمثلا بشركتي نفط الشمال ونفط ميسان. لقد استهدفت وزارة النفط من وراء جولة التراخيص الاولى تحقيق زيادة في انتاج النفط العراقي بمعدل 1،5 مليون ب/ي خلال الخمس سنوات المقبلة،وستقوم الشركات الاجنبية بزيادة انتاج الحقول التي حصلت على تطويرها بمعدل 10% خلال الثلاث سنوات الاولى فيما ستحقق الانتاج المتفق عليه في السنوات التي تليها، أي ان انتاج العراق سيصبح نحو 4 ملايين ب/ي بعد خمس سنوات أي في حدود عام 2015 فيما سيصل ذروة الانتاج الذي ستضيفه هذه الشركات الى الانتاج الحالي بنحو 3،750 مليون ب/ي بعد نحو سبع سنوات وربما يكون ذلك في عام 2017 ومن ثم سيرتفع انتاج النفط العراقي الى نحو 5 ملايين ب/ي في العام ذاته.
///جولة التراخيص الثانية:
بدأت جولة التراخيص الثانية في 11/12/2009، وقد شملت هذه الجولة عشرة حقول هي غرب القرنة المرحلة (2) ومجنون والحلفاية والغراف وبدرة ونجمة والقيارة وحقول شرقي بغداد – ديالى وحقول وسط الفرات. هناك (4)حقول عملاقة ضمن الحقول النفطية العشرة المستكشفة وغير المطورة التي شملتها هذه الجولة. يبلغ الاحتياطي المؤكد لهذه الحقول قرابة 41،5 مليار برميل تعادل نحو 36% من الاحتياطي النفطي المؤكد في العراق وهذا يعني ان 75% من الاحتياطي النفطي في العراق قد شملته جولتا التراخيص الاولى والثانية وقد حصلت الشركات النفطية العالمية على عقد تطوير سبعة حقول نفطية هي:غرب القرنة المرحلة (1) ومجنون والحلفاية والغراف وبدرة ونجمة والقيارة، ولم تفز حقول بغداد وديالى والفرد بأي عقد للتطوير. ويعزى عزوف الشركات عن تطوير حقل شرقي بغداد وهو احد الحقول الأربعة العملاقة التي تضمنتها جولة التراخيص الثانية لأسباب تتعلق بكون الحقل يقع ضمن منطقة سكنية فضلا عن احتوائه على النفط الثقيل وهو من النفوط غير المرغوبة مما يجعل عمليات استخراجه صعبة ومعقدة. وستضيف هذه الجولة الى انتاج النفط العراقي نحو 4،750 مليون ب/ي في عام 2017 ومن ثم سيرتفع انتاج النفط العراقي الى نحو (10) ملايين ب/ي في العام ذاته (خلال الجولتين الاولى والثانية)، وبافتراض سعر (60) دولاراً للبرميل الواحد (بعد حسم عائد الخدمة للشركات وكلفة الاستخراج) وبافتراض تصدير نحو (9) ملايين ب/ي فان ايرادات النفط العراقي ستبلغ نحو (194)مليار دولار عام 2017 وهو ما يفوق الايرادات النفطية الحالية باكثر من اربعة امثالها.
يرى مؤيدو هذه العقود إنها عقود خدمة بأجور متدنية وليست عقود مشاركة بالانتاج مما يعني أن النفط لن يكون تحت سيطرة الشركات الأجنبية. وأنها فرصة ممتازة لتحديث الصناعة النفطية العراقية على يد الشركات الأجنبية التي تمتلك الأمكانات المختلفة ، خاصة التكنولوجيا ، كما انها ستزيد الايرادات النفطية نتيجة لزيادة الأنتاج وذلك سيساهم في ورفع مستوى معيشة المواطنين و بناء البنية التحتية وتوفير الخدما ت و تطوير القطاعات الأقتصادية الأخرى و توفير فرص عمل كثيرة للعراقيين وتحسين الأجواء الأستثمارية مما سيحفز المزيد من الشركات الاجنبية على الاستثمار في القطاعات الاقتصادية الاخرى في العراق. الا أن المعارضين لهم رأي اخر . يقول المهندس منير الجلبي وهو محلل مختص بشؤون إن العقود التي ابرمتها الوزارة ستساهم على الورق في تعزيز قدرة العراق على إنتاج ما يصل إلى 13.5 مليون برميل يوميا، بحلول عام 2020، مما سيجعل العراق احد أكبر الدول المنتجه للنفط ،على الرغم من ان بعض المسؤولين في الدولة صرحوا بان الانتاج لن يبلغ، على الأرجح، مثل هذه المستويات. فالدكتور الشهرستاني، خلال حفل إطلاق” تقرير الوكالة الدولية للطاقة، في بغداد يوم 10 أكتوبر 2012، قال ان الإنتاج سيصل إلى ما بين 9 الى 10 مليون برميل يوميا ، و صرح ثامر الغضبان ان متوسطة الإنتاج سيزيد قليلا عن 9.0 مليون برميل يوميا . يعرض تقرير وكالة الطاقة الدولية، ثلاثة سيناريوهات لإنتاج النفط العراقي بين عامي 2020 و 2035.’ السيناريو “الاعلى”، يعطي إنتاج ما بين، 9.0 مليون برميل يوميا و 10.4 مليون برميل يوميا ، على التوالي، والسيناريو “الاوسط” يعطي ما بين 6.1 مليون برميل يوميا و 8.3 مليون برميل يوميا ، و” المنخفض” يعطي ما بين 4.0 مليون برميل يوميا و 5.3 مليون برميل يوميا على التوالي. يضيف الجلبي قائلا ” يعتقد الكثير من الخبراء أن النفط العراقي وبسبب عدم اهلية البنية التحتية لإستيعاب زيادات كبرى في الانتاج ، مثل المشاكل في خطوط أنابيب النقل وصهاريج التخزين ونقص الكهرباء والمياه على حد سواء ، سوف يرجح الارقام الواردة في السيناريو “الاوسط” لوكالة الطاقة الدولية، لكونها توقعات أكثر واقعية ، والتي تعطي متوسط انتاج يصل الى 6.1 مليون برميل يوميا في عام 2020.من ناحية أخرى ، فإن حكومة إقليم كردستان وقعت 49 عقدا لاستخراج النفط والغاز، وهذه العقود هي من نوع عقود “المشاركه في الإنتاج” مع شركات النفط العالمية منذ عام 2007، ويتوقع أن تنتج بحلول عام 2020 ما مقدار 2.0 مليون برميل يوميا حسب تصريحات وزير نفط حكومة إقليم كردستان اشتي هورامي، مقارنة بمتوسط إلانتاج الحالي المقدر ب 0.3 مليون برميل يوميا.
يفترض ان متوسط إلانتاج الواقعي لحكومة إقليم كردستان من النفط سيبلغ 1.4 مليون برميل يوميا في عام 2020، واذا اضفنا إليها إنتاج النفط من قبل شركات النفط العالمية المنتجة ضمن عقود الخدمات الفنية مع وزارة النفط في بغداد وهو حوالي 6.1 مليون برميل يوميا، و حوالي 0.5 مليون برميل يوميا ستستمر بإنتاجها شركات النفط الوطنية العراقية، فسيكون مجموع إنتاج النفط العراقي المتوقع حوالي 8.0 مليون برميل يوميا عام 2020.
اما بالنسبة للشركات الوطنية فبلغ انتاجها بين عامي 2008 و 2010 كمعدل 2.4 مليون برميل يوميا .غير ان أربعة من حقول النفط العملاقة و المنتجة تم منحت بموجب جولة التراخيص الاولى في عام 2009 لشركات النفط العالمية ، وتشمل هذه الحقول، حقل الرميلة الشمالي، باحتياطيات قدرها 10 مليار برميل، والرميلة الجنوبية، باحتياطي قدره 7.5 مليار برميل، و اللذين منحا الى شركتي بي بي البريطانية وشركة النفط الصينية، وحقل الزبير، مع احتياطيات، 4 مليار برميل، و منح لمجموعة شركات ايني الإيطاليه وأوكسيدنتال الامريكيه / كوجاز الكورية الجنوبية، ومُنح حقل غرب القرنة، باحتياط نفطي، 8.5 مليار برميل الى شركة النفط الامريكيه إكسون موبيل / وشركة شل. كانت هذه الحقول مجتمعة تنتج حوالي ثلثي النفط المنتج في العراق في الأعوام ما بين 2008 الى 2010، ( البالغ 2.4 مليون برميل يوميا كما اسلفنا اعلاه ). و تم منح خمسة من أكبر حقول النفط المكتشفة لشركات النفط العالمية، ضمن جولة التراخيص الثانية . ان ثلاثة من الحقول الخمسة تُعتبر من الحقول العملاقة، وفقا للمعايير الدولية. وهي تشمل حقل مجنون باحتياط قدره 12.6 مليار برميل ومنح لمجموعة شركات شل / بتروناس،وحقل غرب القرنة/ 2 باحتياط قدره 13.0 مليار برميل، حيث منح لمجموعة شركات لوك أويل وستيت أويل و حقل الحلفاية ، باحتياط قدره 4،1 مليار برميل، منح الى شركات النفط الصينية و بتروناس الماليزية .
ان الوقائع والارقام المدرجة اعلاه تظهر بان حوالي 7.5 مليون برميل يوميا من إجمالي 8.0 مليون برميل يوميا المتوقع انتاجها من الحقول العراقية في عام 2020، سيكون من إنتاج الشركات النفطية العالمية في الحقول الممنوحة لهذه الشركات في جولتي التراخيص الاولى و الثانية مع وزارة النفط الاتحادية، وكذلك اتفاقيات المشاركة في الانتاج مع الشركات العالمية الموقعة مع حكومة إقليم كردستان.سيؤدي هذا الأمر الى ان شركات النفط الوطنية العراقية بمجموعها، ستنتج حوالي 0.5 مليون برميل يوميا فقط أو حوالي 6٪ من المجموع الكلي للانتاج العراقي، مقارنة بما كانت تنتجه الشركات الوطنيه العراقيه والمقدر ب 2.4 مليون برميل يوميا ، اي ما يمثل 100٪ من إنتاج النفط العراقي في الأعوام 2008 الى 2010.
يرى الجلبي ان جولات التراخيص التي عقدتها الحكومه المركزية واتفاقيات المشاركة في الانتاج المعقودة من قبل حكومة اقليم كردستان لن تؤدي الى إعادة بناء وتطوير مستقل لصناعات النفط و الغاز الوطنية العراقيه ، و أنما سيؤدي حسب رأيه الى إلى تفكيك كل الصناعات الوطنية وإعطاء السيطرة الحقيقية على هذه الصناعات لشركات النفط العالمية للمرة الأولى منذ تأميم النفط في سبعينات القرن الماضي .
///مستقبل النفط العراقي :
يرى محللون أن الأوان قد حان لتعيد وزارة النفط العراقية النظر في أولوياتها ضمن مخطط شامل لتطوير الاقتصاد العراقي. ان التخطيط لأهداف الإنتاج وحدها لا يشكل سياسة حكيمة في حد ذاتها، ولا الدورات المتتالية للعطاءات، إلا إذا كانت تشكل جزءا من خطة مدروسة تربط جميع المكونات معا.
ويؤكدون على ضرورة ان تركز الوزارة في استراتيجيتها النفطية على المديين، المتوسط والطويل، على بناء صناعه النفط الوطنية بشكل متكامل، يشمل جميع المراحل، بدءأ من عمليات إستخراج النفط والغاز، ويشمل مرحلة صناعات التكرير والبتروكيمياوية، مرورا ببناء البنية التحتية اللازمة ، وان لا يركز ويخطط سياسته فقط على زيادة القدرة إلانتاجية للنفط والغاز حيث يجب أن يكون الانتاج جزءا من هذه الاستراتيجية ، وينبغي ألا يصبح ” الأولوية الوحيدة في مخططاته”.
لقد مر العديد من بلدان العالم المنتجة للنفط، من خلال عمليات مماثلة، للتحول في صناعاتها النفطية قبل ان تقوم بإعادة فتح أبوابها أمام شركات النفط العالمية. لقد كانت تلك الدول التي نجحت قد خططت وشّرعت القوانين الحديثة التي وضعت مصالحها الوطنية، كأولوية عليا ، فاصدرت القوانين والأنظمة التي حددت بوضوح أدوار ومسؤوليات الشركات المملوكة للدولة في مقابل أدوار ومسؤوليات الشركاء الأجانب. والمطلوب من العراق أن يسلك نهج أكثر تدرجا في الانتاج، من خلال إعطاء الأولوية لإعادة تأهيل حقول النفط المنتجة القائمة، مع التركيز على العمل الذي يقع ضمن قدرات الشركات الوطنية، وعند الاقتضاء القيام باستخدام شركات النفط الأجنبية المتخصصة لتطوير مثل هذه الخدمات التقنية مثل شركة هاليبرتون ، يذرفورد ، وأيه دي سي والتعاقد معها على وظائف تقنية معينة مثل عمليات الحفر الحديثة والبدء التدريجي المبرمج في واحد أو اثنين من هذه الحقول النفطية. وكان هذا من شأنه أن يعطي فرصة لتدريب وتطوير القدرات العراقية في الوقت نفسه.ولكن بدلا من ذلك فان ما نراه اليوم وبعد أكثر من 30 عاما من الحروب والعقوبات والاحتلال وعدم الاستقرار، هو أن الوزارة وقعت عقودا امدها 20-25 سنة مع شركات النفط العالمية في جولات العطاءات الاولى والثانية ، لحقول تحتوي على 90 مليار برميل من النفط والتي تمثل حوالي ثلثي احتياطيات العراق النفطية المثبتة، وتم ذلك كله في غضون 6 أشهر من عام 2009.لم تقم أي دولة اخرى منتجة للنفط والغاز في العالم في أي وقت مضى لتطوير صناعتها النفطية والغاز بمثل هذه الطريقة المتخبطة وبمثل هذا التسرع غير الممنهج.
ان هذا النوع من السياسات لا يخدم سوى مصالح الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية الغربية، الذين يرغبون فقط في رؤية العراق كدولة منتجة ومصدرة للنفط والغاز الخام فقط ، ومرتبطة ارتباطا وثيقا مع شركات الطاقة الأجنبية العالمية، لزيادة إمدادات النفط العالمية اولا وقبل كل هدف اخر.
والامر الاخر يرتبط بعلاقة العراق بمنظمة أوبك (منظمة الدول المصدرة للنفط). إذا افترضنا أنه يمكن السماح للعراق لرفع مستوى التصدير للنفط العراقي إلى 3.2 مليون برميل يوميا والذي كان مستوى الحصة العراقية التي قبلتها منظمة أوبك في عام 1979 وأيضا في عام 1990، فماذا سوف يحدث لكمية 4،3 مليون برميل يوميا الإضافية التي ستتوفر للعراق، حيث سيشكل هذا الرقم الفائض عن صادراتها في عام 2020، اذا بلغ انتاجه 8.0 مليون برميل يوميا وبقي الطلب الداخلي بحدود 0.5 مليون برميل يوميا؟
ان دراسات منظمة الأوبك، المتوسطة إلى طويلة الأجل، تتوقع أن الطلب العالمي على النفط سيصل إلى 96.9 مليون برميل يوميا في عام 2020 مقارنة بانتاج قدره 87.0 مليون برميل يوميا في عام 2010. تثيرهذه التوقعات التساؤل حول امكانية ان يبقى العراق في هذه الحال عضوا في منظمة أوبك. وهل سوف يقبل الأعضاء الاخرون في أوبك أن يزيد العراق مستويات التصدير لتغطية جميع الزيادات المتبقية المتوقعة في الطلب العالمي على النفط ؟ وإذا لم يتم ذلك، فهل سيستمربقاء العراق في أوبك أم أنه سينسحب من المنظمة، ويستمر في زيادة صادراته النفطية بشكل مستقل، والذي من المحتمل جدا أن يؤدي إلى انهيار أسعار النفط العالمية؟
من جانبه يرى إبراهيم زيدان أن عقود التراخيص النفطية التي عرضتها وزارة النفط تثير جدلا ورفضا من قبل المختصين ، حيث قدم ثلاثة و ثلاثين من أبرز خبراء النفط في العراق طلبا للحكومة العراقية بتأجيل عقود التراخيص واصفين إياها بعقود جائرة بحق العراق وسيادته وثروة النفط والغاز فيه، ويرى هؤلاء الخبراء أن الشركات ستهيمن بموجب تلك العقود على الاحتياطيات النفطية لعقود من السنين لكونها ستتبع متطلبات مصالحها لتصدير النفط الخام مما سيبقي اقتصاد العراق ريعيا طيلة العقود المقبلة. ويرى الخبير النفطي فالح الخياط ان إقرار هذه التراخيص ( سيؤدي إلى القضاء التدريجي على الشركات الوطنية المختصة بتوفير الخدمات الأساسية للشركات المنتجة كشركة حفر الآبار وشركة الاستكشافات النفطية وشركة المشاريع النفطية، وتعتمد هذه الشركات على العقود الثانوية التي تمنحها شركات النفط الوطنية وعندها سنعود إلى الوقت الذي كنا نتعاقد فيه مع المقاولين الأجانب)، وكان الخياط من المطالبين بتأجيل عقود التراخيص إذ (أن العقود الثلاثة الماضية التي أعقبت تأميم النفط في العراق كانت كلفة إنتاج النفط العراقي فيها أرخص كلف الإنتاج في العالم حيث تقدر بدولار واحد للبرميل)، وتساءل الخياط ( كم ستكون هذه الكلف في حال قيام الشركات الأجنبية بالعمل وفق عقود الخدمة التي ستعتمد مبدأ حصة الأكثرية في الشركات التي سيتم استخدامها في إدارة وتشغيل الحقول؟) بينما يدافع وزير النفط الدكتور حسين الشهرستاني عن هذه العقود التي في رأيه ( ستحقق زيادة تقدر بأربعة ملايين يوميا وبشكل تدريجي وأن المردودات المالية التي سوف تتحقق والتي تمتد لعشرين عاما مقبلا ستبلغ تريليون و300 مليار دولار استنادا لسعر برميل نفطي مفترض يبلغ 40 دولارا) ، ويؤيد هذا الرأي عبد الحسين العنبكي المستشار في مجلس الوزراء العراقي منتقدا أصحاب الموقف الرافض بأنهم لا يدركون حجم الكارثة التي يعيشها الاقتصاد العراقي ( لأن هذه العقود ستأتي بتمويل للخزينة من شأنه أن يحل المشاكل الاقتصادية التي يمر بها العراق ) حسب رأيه ، وكانت لجنة النفط والغاز في البرلمان قد جددت معارضتها عرض وزارة النفط جولة التراخيص النفطية الثانية في وقت سابق، وانتقد رئيس اللجنة وزارة النفط واصفا سياستها بالمتخبطة وغير العقلانية ( لجهة غياب التخطيط الصحيح لبرامجها ومشاريعها ) مؤكدا ان (إجراء وزارة النفط جولة تراخيص مع شركات أجنبية خطوة غير قانونية في ظل غياب قانون للنفط والغاز)، منوها الى ( احتمال عدم إقرار البرلمان قانون النفط والغاز بسبب استمرار السجال بين الكتل البرلمانية في شأنه ) مشددا على (الحاجة الى إقرار القانون كونه يُسهم في حل الكثير من المشاكل على الساحة السياسية، وفي مقدمها الخلافات بين حكومة المركز وحكومة إقليم كردستان ) ، وبسبب السجال الدائر حول هذه التراخيص نقلت وزارة النفط مدير عام شركة نفط الجنوب فياض حسن نعمة الموسوي من منصبه على خلفية معارضته خطط الوزارة بشأن جولة التراخيص لتطوير حقول النفط والغاز ، وكان الموسوي قد انتقد علناً أول جولة من التراخيص تطرحها وزارة النفط ، قائلا ان الشركات الأجنبية تحصل على فرصة تطوير حقول منتجة استثمر العراق فيها بالفعل الوقت والمال ، وكان الموسوي قد رفع مذكرة الى الشهرستاني أشار فيها الى ان ( بنود العقد المعياري الذي اعتمد لا يتفق مع القوانين والتشريعات النافذة وقانون الحفاظ على الثروة الهيدروكربونية رقم 84 لسنة 1985، فضلا عن ذلك لم تتم الموافقة عليه من غالبية أعضاء هيئة الرأي في وزارة النفط ) ، ولفت الموسوي الى ( إمكانية تنفيذ جولة التراخيص الثانية مع الشركات النفطية العالمية المتنافسة والخاصة بالحقول المكتشفة غير المطورة والرقع الاستكشافية بصورة فاعلة و كفوءة وبمعدل إنتاج يزيد على ثلاثة ملايين برميل يومياً، كون حقولها محددة وواضحة ولن يحدث إي تداخل أو إرباك بين فعاليات شركتنا والشركات المقاولة ) ، واقترح الموسوي إعادة العمل بأسلوب عقود الإسناد الفنيلبعض حقول جولة التراخيص الأولى مع شركات النفط العالمية لتحقيق معدلات الإنتاج المطلوبة بموجب عقود تنافسية ولمدة (5 سنوات) قابلة للتمديد للحقول التي سوف تعطي نتائج أسرع وبطريقة أسهل في التطبيق ولا تؤدي الى اي ضرر اقتصادي ، وكذلك إحالة عدد من الحقول المكتشفة غير المطورة والرقع الاستكشافية لجولة التراخيص الثانية بموجب عقود تنافسية لتحقيق هدف الوصول الى أعلى إنتاجوبمدد زمنية محددة ، مشددا على ضرورة التنفيذ المباشر من قبل شركة نفط الجنوب وبالتعاقد مع شركات الخدمات النفطية العالمية فضلا عن شركة الحفر العراقية وشركة المشروعات النفطية والشركات الوطنية على ان يتوفر الدعم من حيث التخصيصات والصلاحيات والمشار لها في الخطة المعجلة والصلاحيات الاستثنائية المرفقة بها لتطوير الحقول المنتجة حاليا (مجموعة حقول دورة التراخيص الأولى)، مطالبا بغض الطرف عن جولة التراخيص الأولى واعتماد المقترحات هذه التي سترفع الإنتاج خلال السنوات الثماني المقبلة الى حدود ستة ملايين برميل يوميا وبعقود استثمارية وهندسية كفوءة ولصالح الاقتصاد العراقي ورأى انه من غير المنطقي ان يتم التعاقد مع الشركات المتنافسة على أهم وأغنى الحقول النفطية في العراق (والتي تشكل 80% تقريبا من الإنتاج الوطني) وبجولة تنافسية واحدة وتتم إحالتها خلال ساعات !! وحملت هذه المذكرة توقيع 20 مديراً في نفط الجنوب ، وكان الموسوي قد اكد أن جميع القيادات بشركة نفط الجنوب ترفض الجولة الأولى من العطاءات لعقود خدمات حقول النفط، لأنها في غير صالح صناعة النفط العراقية ، متهما الحكومة بهدر موارد العراق، موضحا أن من شأن عقود الخدمة أن تقيد الاقتصاد العراقي وتعرقل استقلاله في السنوات العشرين المقبلة ،
وكان تقرير آخر قد قدم الى مجلس الوزارء العراقي أعده فريق ضم وزير النفط السابق إبراهيم بحر العلوم، ورئيس هيئة المستشارين ثامر الغضبان، وجبار اللعيبي مستشار وزارة النفط لشؤون الاستخراج ، ومديري الدائرة الاقتصادية والدراسات والتخطيط، ونفط الشمال والدائرة القانونية، وشركة الحفر، حمل التقرير وزارة النفط مسؤلية تراجع الإنتاج حوالي (400 الف برميل) يومياً بسبب ( غياب دور الوزارة الميداني في متابعة وتنفيذ الخطط والبرامج الإنتاجية مع شركات الاستخراج ) وعدم وجود ( رؤية واضحة لدى قيادة الوزارة في تبني سياسة محددة والتردد في اتخاذ القرار المناسب ) ، وعد بحر العلوم ( شروط التعاقد المزمع التوقيع عليها ضارة بالمصلحة العليا من جهة، وتعمل على تفكيك وتفتيت شركات النفط العراقية بدلاً من دعمها )، وأشار الى ان ( شروط العقد مع الشركات الفائزة تمثل سابقة خطيرة، إذ ستمنح هذه الشركات ما نسبته 75 في المئة من هيئة الادارة والتشغيل وللعراق 25 في المئة فقط ما يفقد البلد السيطرة على ادارة العمل والاستثمار) ، وحذر من ان دورة التراخيص الأولى ( تدخل العراق في تعقيدات اقتصادية وسياسية و إدارية واجتماعية) ، وأضاف ان ( منح حقول هي أساسا منتجة الى الشركات الاجنبية من خلال عقود خدمة طويلة الأمد تفتقر الى رؤية إستراتيجية وتؤكد وجود خلل في السياسة النفطية وستهدر مزيداً من الجهد والوقت والمال) ،وأشار الى ان معارضة القيادات الإدارية والفنية في الشركات النفطية لإبرام مثل هذه العقود يزيد عمر إنتاج البعض منها الى اكثر من نصف قرن) موضحا ( علينا تفهم دوافع رفض الخبراء والفنيين بعيدا عن التجاذبات السياسية، وهناك إجماع بين الخبراء العراقيين على عدم جدوى مثل هذه العقود للحقول المنتجة على رغم أنها تواجه مشاكل فنية وبحاجة الى ادارة سليمة والى تنفيذ مشاريع إستراتيجية حاكمة لديمومتها وبخلافه سنواجه المزيد من الانخفاض في الإنتاج) ، منبها الى ان ( المعالجة ليست من خلال منحها لشركات أجنبية في عقود خدمة لمدة 20 عاماً قابلة للزيادة لتأهليها وزيادة الإنتاج كما هو حال التراخيص الحالية) ، منتقدا الطريقة التي تم فيها طرح التراخيص الأولى والثانية ( في الوقت الذي يفتقر القطاع الى قدرات تفاوضية كافية) ، مستدركا ( ان جولة التراخيص الثانية تشير الى الحقول غير المكتشفة ويمكن تمريرها ) ، متسائلا هو الآخر( هل يعقل ان تطرح وزارة النفط خلال شهور قليلة جولة التراخيص لتشمل قرابة 80 بليون برميل من احتياط العراق المثبت في السوق الدولية من أصل 112 بليون برميل ، ما يؤكد في رأيه غياب فلسفة الاستثمار التي تعتمد التنافسية والشفافية لتعظيم العوائد ) ، متهما الوزارة بتقديم تحفيزات إضافية ( ساعدت على نشوء تنسيق وتفاهم بين الشركات والائتلافات الاجنبية لتحقيق مواقف ضاغطة على المفاوض العراقي)، وقال إن على( من يريد تقديم خدمة للمصلحة الوطنية ودعم ثرواتنا توجيه الاستثمار الى 75 حقلاً غير منتجة وليس الى الحقول المنتجة) ، فيما وصفت حكومة إقليم كردستان العراق منح وزارة النفط العراقية تراخيص للشركات العالمية لاستخراج النفط من حقول منتجة بأنها «خطوة غير دستورية وضد مصالح الشعب العراقي,قول عبد الحسين شعبان إذا كانت أموال العراق قد نُهبت خلال فترة الحصار الدولي الجائر 1991-2003 تحت يافطة “النفط مقابل الغذاء”، فلعل البعض اليوم يريد الاستمرار في نهبها تحت شعار “النفط من أجل النفط”، وهو الأساس الذي أُنتقِدَ عليه قانون النفط والغاز، حيث فتح الباب على مصراعيه لنهب منظّم وغير منظم محلي وإقليمي ودولي حسب تقدير بعض خبراء النفط العراقيين، ولعل ذلك ما كان بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق يبيّته للعراق، إضافة الى قوانين محلية وضعتها بعض الشركات الأمريكية، الأمر الذي يثير الكثير من الشكوك حولها.توجد مفارقة أكثر من اجتماع الغنى مع الفقر فالعراق أغنى بلد، ولكن شعبه من أفقر الشعوب، والنفط أصبح نقمة على رؤوس العراقيين، بعد أن كان يمكن أن يكون نعمة لشعبه ولشعوب المنطقة.