23 ديسمبر، 2024 2:01 م

الغائب أم المنتظر؟

الغائب أم المنتظر؟

في كل الديانات العالمية السماوية أو الدنيوية سواء كانت موحدة أو وثنية تؤمن بوجود مخلص ينهي معاناة المؤمنين من شرور غير المؤمنين. والعجيب في الموضوع إن كل الكتب السماوية (المحرفة) مع جميع الكتابات المقدسة ذكرت وتطرقت لموضوع المخلص ووصفته بالتفصيل معطية أوقات وعلامات لظهوره ما عدا القرآن الكريم خلا من أي آية تؤكد أو تذكر أو تنبه المؤمنين إلى وجود هكذا مخلص.

فعند اليهود مسيح منتظر وردت صفته في أحد الإصحاحات وذكر بالتفصيل وهو لا يشبه باي حال من الأحوال المسيح (النبي) بل يختلف من حيث المبدأ والشكل والنسب. وعند النصارى مخلص وهو نبي الله عيسى الذي رفعه الله – بعد موته عندهم- ليعود في أخر أيام الأرض معلناً توجيهها إلى الطريق السليم. وفي الإسلام، يؤمن الشيعة وبشكل مطلق بوجود الأمام الثاني عشر – محمد بن الحسن- الملقب بالقائم أو المهدي أو المنتظر والمكنى (ابا القاسم) والذي سيظهر في أخر الزمان ليملأ الدنيا عدلاً وقسطا بعد أن ملأت جوراً وظلماً.

هذا فيما يتعلق بالديانات السماوية، أما الديانات الوثنية فيؤمن الهندوس بظهور كريشنا أو كالكي وهما نفس الشخص ليعين الهندوس على نشر ديانتهم وجعلها الديانة الوحيدة في العالم. ويؤمن البوذيون بمجيء بوذا الخامس أو (مايتريا) المعلم العالمي والذي سينقذ العالم من دنسه. وأخيراً وليس أخراً، يدعي المجوس إن لهم منتظرا حيا باقيا مهديا ولد من بشتاسف بن بهراسف ويسمى (أبشاوتن) أو (أبشاوثن) الذي يعيش حالياً في حصن عظيم يقع بين خراسان والصين ومعه عدد غفير من القادة العسكريين أخيار محصنين من الدنس والخطيئة ولا ذنب لهم ولم يرتكبوا خطيئة ولهم دعوات مجابة ومعهم معجزات وكرامات يلقونها على الناس. وكان أول ظهور لهذا المنتظر المجوسي نهاية أيام نبيهم (زرادشت) ولا زال حتى يومنا هذا ولا يخرج إلا بأمر الرب.

وهنا علينا أن نعرف إن هذه الفكرة تناقلتها الأجيال بين الدين الواحد ونقلها الداخلون في الديانات الجديدة إلى تلك الديانات وشكلوا فرقاً فيها قسموا فيها الديانات الجديدة لتلائم في بعض شرائعها دياناتهم القديمة. فقد كان اليهود مثلاً يؤمنون بالمسيح المنتظر، فلما تنصر اليهود نقلوا فكرة المسيح المنتظر وربطوها بالمسيح النبي فجعلوا في الديانة المسيحية هذه العبادة لسببين: أولهما، إنهم دخلوا المسيحية من غير قناعة فرغبوا في أن يحتفظوا بجزء من الشعائر والطقوس العبادية والعقائد القديمة فأدخلوها إلى المسيحية وقسموها إلى كنائس وفرق فقط لكي يتواصلوا سراً مع عقائدهم القديمة ولا تندرس وتتلاشى. وثاني الأسباب، إنهم وجدوا إن في هذه الديانات فراغ عقائدي يجب أن يملأ فأدخلوا عليه بعضاً من عقائدها القديمة ليكملوا فيه عبادتهم.

وهذا ما حدث في الأسلام. فعندما دخل الوثنيون إلى الإسلام من غير قناعة – خوفاً – شعروا بالنقص حيث إنهم إعتادوا على التوسل والتقرب بالوساطة إلى الألهة، فصاروا يتشفعون بأيقونات إسلامية وصلت إلى عبادة علي بن أبي طالب في أيامه الأمر الذي أضطره إلى إحراقهم. ودخل المجوس الإسلام قهراً وتنازلوا عن أنوشروان ورستم فبدلوهما بعلي والحسين وبدلوا (ابشاوتن) بالمهدي وحاربوا ولفقوا الأحاديث من أجل جعل هذه العقيدة راسخة في نفوس فرقة واحدة وتتمسك بها مع العلم إن هذه الفرقة جل زعماؤها من الفرس ومقرها مدن وأحياء كان يسكنها الفرس أو يشكلون فيها أغلبية.

إن التفكير في الإمام الغائب أو المنتظر أو ولادته بالنسبة إلى من يؤمن بمجيئة من الفرق الأخرى لا يجب أن يؤدي بنا إلى التنازل عن عقائدنا الإسلامية الصحيحة بل علينا أن نفكر في هذه العقيدة ومدى استقبالها بين العقائد والفرائض المنصوص عليها في القرآن والسنن التي اتفق عليها الجميع. فمسألة الإمام المنتظر سواء كان حياً مختبئاً أو لم يولد بعد وسيولد في المستقبل هي من الأمور الغيبية. ولدينا في القرآن الكريم إثنا آيات بينات صحيحة لا تقبل الشك تجبر النبي على الإعتراف بعدم قدرته على معرفة الغيب لا المكاني ولا الزماني. إذن نستخلص في القول، وإن تعرضنا إلى النقد والتجريح – وربما الشتم والتكفير- إن جميع الأحاديث التي ورد فيها تنبؤ بالمستقبل باطلة. استناداً إلى آيات وردت في القرآن منها:

قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ

الأنعام {آية: 50}

قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

{الأعراف: 188}

وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ

{يونس: 20}

قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ

{النمل: 65}

إن هذه الآيات وغيرها تدل إن اي قول للنبي أو أي شخص أخر دونه عن الغيب هو (رجما بالغيب) أي تعدياً على حق الله وحده في الغيب. وطالما ونحن نتحدث عن الغائب أو المنتظر فإن الأمرين لم يردا في القرىن الكريم علناً وصراحةً فهما غيبيات وردت في أحاديث غيبية وهي حتماً لم ترد على لسان نبينا الكريم صوات الله وسلامه عليه. فلا داعي أن نعتمد على هذه العقيدة ونكرس كل حياتنا لها وهي غير مؤكدة. والبعض يكفر البعض ألأخر فقط لعدم أيمانهم بهذه العقيدة بل وصلت إلى الحد الذي يكفر فيه الشيعة السنة لأن السنة تقول إنه لم يولد بعد مع إنهما يتفقان على نفس المبدأ وإن أختلف التطبيق.

حجتنا في هذه المقولة هي لماذا توجدهذه العقيدة في كتب سماوية قديمة محرفة وكرست لها عبادات في ديانات سابقة في حين إنها لم تذكر ولو بمرور الكرام في قرآننا المجيد؟ فهي حتما ليست أهم من حيض المرأة! وليست أهم من ذكر زيد بن الحارثة وطليقته زينب بنت جحش يجيز الله زواج الرجل من طليقة مواليه! فأن يذكر زيد صراحةً في القرآن ولم يذكر الإمام الغائبق أو المنتظر ولو بالإشارة هي أمر يجعل العاقل قبل الجاهل يفكر مرتين قبل الإيمان بهذه العقيدة. فمن الأجدر إن تكون هناك سورة كاملة عن المنتظر لأنه سيكون مخلص البشرية فقد خصص الله سورة كاملة لنبي الرحمة وخاتم الإنبياء لأنها مهمة جداً لأيمان المسلم وكذلك خصص سورة كاملة لأبو لهب وهو كافر في قعر جهنم في حين لم يرد أسم أي من الأئمة التي تقر الشيعة بإنهم منزلين من نور خلقوا قبل أدم! فلو كان أدم أبو البشر وخلقنا الله كلنا من نسله، فكيف يكون النبي بشر وهو الذي قال علناً معرفاً نبي الله:

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا

{الكهف: 110}

فلو كان النبي بشر وفق التعريف القرآني ولكنه ليس ببشر وفق التعريف غير القرآني الشيعي المستند على أحاديث روية عن أئمة تعتقد الشيعة إنهم أساس لعقيدتها، فمن نصدق؟ الله أم الأئمة؟ ضع هذا السؤال الجريء أمام كل العلماء الشيعة وليجيبوا من الأحق أن يتبع آية أم حديث؟ والجواب سيكون مصدر أيمانهم. الأحاديث النبوية معرضة للشك ولكن لا توجد آية معرضة للشك. يمكنك الطعن بحديث ولو كان مروي عن أكثر الصحابة ثقة، ولكن لو كان هذا الحديث مخالف للقرآن فهو باطل مهما كان فيه. فلو كان الله خلق النبي محمد وكل الناس من طين فلماذا تدعي الشيعة إنهم خلقوا من نور كان يطوف حول العرش قبل أدم؟ وأدم ليس من نور بل من طين. بل أستكبر عليه أبليس لأنه:

قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ

{الأعراف: 12}

فهل النبي محمد خير من أدم، لأن الله خلق محمد من نور يطوف حول العرش قبل أدم وخلق أدم المظلوم من طين فأبتلاه بالمكانة الدنيا بين البشر والشياطين والعياذ بالله؟

هذه سفسطة وكفر وعلى من يؤمن بهذه العقائد أن يتوب إلى الله. فمن غير المعقول التجني على الأنبياء والرسل ووضع حدود فارقة بينهم في الوقت الذي جعل الله بينهم ليست فوارق بل درجات وهو أعلم بهذه الدرجات، فمنهم من كلم الله ومنهم من أوحى الله إليه ومنهم من كان وحيه في رؤى. ولكن كلهم أنبياء ورسل ليس في ثوابهم نقيصة والعياذ بالله وسلام الله عليهم جميعاً.

عودة لذي بدء، لو كانت عقيدة تفرق المذاهب الإسلامية فعلينا أن نلجأ إلى التسوية بأن نعرف مدى قبول الدين أفسلامية لهذه العقيدة فلو كان فيها ولو نسبة شك 1% فقط، علينا إن تركها وعدم تكوين فرق إسلامية تحارب من أجلها، ولكن لو كانت تلك العقائد منزلة مدعمة بآيات قرأنية، فعلينا أن نتمسك بها ونحارب من أجلها. هذا الواجب الشرعي الذي يفرضه علينا القرآن الكريم ولا يجوز لنا الحكم على المذاهب الأخرى بالنكران أو التصديق بناءً على أفكار شاذة أمن بها البعض ومن نظر لها يريد الفرقة بين المسلمين.

هذه دعوة لعدم الركون إلى الإستسلام وعدم الخنوع والإنتظار الذي لا داعي منه ولافائدة ترجى منه. فلو كانت هذه الفكرة حقيقية لركن الحسين بن علي إليها وما خرج ثائراً بل أنتظر حفيده الذي سيعدل ما أنحرف من الدين. فهل هذا جائز؟ طبعاً هذه أفكار سوداوية شريرة أراد بها العجم الذين كانوا مسيطرين على الخلافة العباسية أن يضعفوا المقاومة الإسلامية آنذاك فوضعوا بعد وفاة محمد بن الحسن بن علي (الملقب بالمهدي عند الشيعة) بوضع هذه النظرية ونظرية السفراء والوكلاء والغيبتين الصغرى والكبرى لكي يخمدوا الثورات ويركنوا قفي كل حين إلى الهدوء وعدم الثورة إنتظاراً منهم لقائدهم الغائب والمنتظر ليأتي ويقضي على كل حاكم مستبد ومتسلط وعلى اليهود بالمرة. ونجحت هذه النظرية بكل تأكيد فبعد القرن الرابع الهجري خمدت الثورات ولم تندلع أي ثورة ضد العباسيين ورغم وجود بعض الحركات التي صارت تندلع بين الحين والأخر بين الناس بأسم (الإمام المهدي) ولكنها كانت تخمد بسرعة لأنها لم تلقى الدعم الكافي من الناس الذين صاروا حتى يومنا هذا يتشككون بكل من يدعي المهدوية واقول من الطرائف التي يقولها الشيعة في العراق اليوم: لو ظهر المهدي الحقيقي لحاربه أهل العراق!

لو رغبنا في الحديث بالتفصيل عن كل مهدي في كل شريعة لراينا إن تلك الصفات والعلامات الخاصة بالظهور متشابهة من حيث الفساد في الأرض وفساد المسلمين على وجه الخصوص. فنرى إن نسبة الجرائم تكثر في جميع المجتمعات التي تكون ذات

أغلبية مسلمة وهذه حقيقة للأسف علينا الإعتراف بها، وكذلك إنتشار الأمن والآمان في المجتمعات الغربية وسيادة العدالة في البلدان المسيحية وعكسها سيادة دول بوليسية واعتقالات وإهانة للبشر في الدول التي يعتبر الإسلام أول مصادر التشريع فيها. ولا يوجد أكبر من هذا التناقض والفساد ليأتي فيه المنتظر أو الغائب ليعدل كل ما مال عن مساره الصحيح. فقد أنتشرت اللواطة بالقانون في الولايات المتحدة وصارت الدعارة مرخصة في أغلب البلدان العربية بالإضافة إلى الغربية والشرقية فهل المجاهرة بالمحرمات بهذه الطريقة سبب كافي لظهور الغائب أو المنتظر أم يوجد ما هو ابشع؟ أقول لا يوجد أبشع من قتال المسلمين فيما بينهم على أسباب واهية. ولا يوجد سبب أكبر من التقسيم الطائفي الإسلامي وانتشار الفرق المسلمة التي تكفر بعضها البعض على السيرة فقط بلا دليل. وقال الرسول مرة بالمعنى لا تقتلوا من قال أشهد إن لا إله إلا الله