3 فبراير، 2025 2:43 ص

العِبرة ليست بعدد سنوات الخبرة

العِبرة ليست بعدد سنوات الخبرة

 

إن الذي دعاني للكتابة عن موضوع جدوى سنوات الخبرة، التي يمر بها الفرد أو جهة معينة، هو ذلك الافتخار والاعتزاز الذي نسمعه الآن من أولئك الذين فشلوا في تحقيق أهدافهم، ولم يجنوا من هذه السنوات سوى الضعف والفشل والهوان. إذ أن هناك فرقاً كبيراً، كما يقول أحد المفكرين، بين خبرة السنوات وبين سنوات الخبرة. فهناك أشخاص لديهم، مثلاً، عشر سنوات خبرة، ولكنها سنة خبرة تتكرر عشر مرات. إذن العِبرة ليست بعدد سنين الخبرة أو العمر الزمني للإنسان أو الهيئة أو نحوهما. ولكن العبرة في مدى الاستفادة من هذه السنوات وما تفرزه من اتساع الأفق وتنوع الثقافات والاهتمامات، والإحاطة بما يجري من أحداث، وإدراك الباطن من النظر في الظاهر، وامتلاك بصيرة ثاقبة للمستقبل. وهناك مفارقة عجيبة، نجدها بخاصة عند بعض السياسيين، وهي أن الإنسان، عادة، يكتسب خبرة ويزداد تجربة بمرور الأيام والسنين، وهي حالة إيجابية. لكننا بالمقابل نلاحظ في حالات عديدة، أن التجارب المجمعة والخبرات المكتسبة تصبح عائقاً أمام فهم وتحليل موضوعات أو مشكلات جديدة، بسبب صعوبة التكيف معها، وهذه حالة سلبية تؤدي إلى التقليل من قدرات الابتكار والابداع، كما تؤدي في أحيان أخرى إلى الفشل والإندحار. وفي كثير من الحالات يتخلى هؤلاء السياسيين من مسؤولياتهم عن الفشل في تحقيق أهدافهم، بإلقاء اللوم على الآخرين. وفي حالات أخرى يعتقد بعضهم أنهم ضحايا، بينما هم في حقيقة الأمر قد سمحوا لأنفسهم أن يصبحوا ضحايا، عندما رهنوا حياتهم ومصيرهم بوجود شخص أو جهة غالباً ما تمثل سلطة استبدادية، حينها تكون العلاقة بينهما كالتابع والمتبوع (السلطة)، أو بين الضعيف والقوي. وأحد خصائص هذه العلاقة هي الهيمنة لدى القوي، والخضوع والدونية عند الضعيف.
وقد شرح أريك فروم في كتابه “الخوف من الحرية”، مشاعر الدونية والعجز واللاجدوى الفردية، فيقول: “إن تحليل الأشخاص المحاصرين بهذه المشاعر يبين أنه على حين أنهم يشكون شعورياً من هذه المشاعر ويريدون التخلص منها، فأن قوة ما داخلهم تدفعهم لا شعورياً إلى الشعور بالدونية واللاجدوى… وبصفة منتظمة يظهر هؤلاء الأشخاص تبعية ملحوظة للقوى التي هي خارج أنفسهم،… وهم يميلون لا إلى تأكيد أنفسهم ولا إلى فعل ما يريدون، بل يميلون إلى الخضوع لأوامر هذه القوى الخارجية”.
لذلك ينتهج هؤلاء السياسيين نهجاً مع القوي يتصف بسياسة تسمى سياسة المداراة والمداهنة والملاينة والملاطفة والمجاملة، لأنهم يعتقدون أن بقاء العلاقة مع السلطة المستبدة القوية، أهم بالنسبة لهم من تحقيق أهدافهم الخاصة.
وأخيراً، نذكر ما يقوله بعض المفكرين في هذا المجال: “إن الذين يتنازلون عن حرياتهم مقابل أمان مؤقت لا يستحقون الحرية ولا الأمان”. و”الإلتحاق أو مرافقة القطيع، ستخسر مبادئك”، و”لاتماشي من لا يساويك”، و”لا تمشي أبداً على الطريق المرسوم، لأنه يقودك حيث ذهب الآخرون”. وقول الشاعر:

وماذا ينال الضـــــعيف الذليل سـوى أن يحقر أو يزدرى
وأولى لمن عاش مثل الثرى ذليلاً لو احتل جوف الثرى

*باحث وأكاديمي عراقي