23 ديسمبر، 2024 12:50 ص

العين الساهرة بذكراها المئوية

العين الساهرة بذكراها المئوية

نحتفل بذكرى مرور مائة عام على تشكيل الشرطة العراقية المصادف 9/1/2022، وبالوقت الذي أحيي فيها اخواني رجال الشرطة في هذا اليوم ممن هم بالخدمة او خارجها، لا يفوتني استذكار شهداء قوى الامن الداخلي العراقية الذين دفعوا أغلى التضحيات وعشرات الالاف من الشهداء.

بقيت الشرطة العراقية وعبر مسيرتها الطويلة على مدى قرن من الزمن تمثل صمام الامان وخط الدفاع الاول في حفظ حياة وممتلكات المواطن العراقي واليد الامينة التي عملت دوماً علي بسط هيبة الدولة وإنفاذ القانون.

من خلال مسيرتها مرت بانتكاسات ونجاحات واخفاقات أحاطت بها ظروف سياسية معقدة انعكست على مهنيتها والقت بظلالها على وضع الشرطة ونعرضها بإيجاز:

1- حقبة تشكيلها 1922 لغاية 1958حقبة ازدهار للشرطة واستقرار اجتماعي وتنمية قدرات وتطوير مهارات وتبوء كفاءات وطنية لقيادة هذا المسلك

2- الفترة 1958لغاية 1968 فترة قلقة وانقلابات عسكرية وعدم استقرار سياسي اثر بطريقة وأخرى على الأداء الشرطي واغلب قيادات زجت بوضع سياسي معقد.

3- الفترة 1968 لغاية 1980 تبعيث الجهاز بفتح دورات خاصة (نواب مفوضين ) ودورات لاعدادية وكلية الشرطة ممن يكون ولائهم للحزب والثورة ، وقد افرزت منها قيادات شرطيه مهنية ممتازة .

4- الفترة 1980لغاية 1991 الحرب استنزفت 50% من كوادر الشرطة المهنية وزجت على شكل دفعات بالحرب العراقية – الإيرانية مما أدى الى تشتت كوادرها المهنية وخبراتها التي تراكمت .

5 – الفترة 1991 لغاية 2003 تأكل البنية التحتية للشرطة وقلة الموارد وظروف كانت عصيبة على جميع مؤسسات الدولة.

6- من 2003 لغاية الوقت الحاضر لا بد من نظرة عاجلة على الحقبة التي تمت بها إعادة الشرطة بالعراق والظروف المحيطة بها ، من جانب كان هناك اندفاع غير مدروس لإعادة بناء الشرطة في بيئة من العنف المتصاعد، وتحت ضغط القيود التي فرضتها المقاربة الأمريكية المختلة وظيفياً لبناء المؤسسات والناتجة عن الافتقار إلى المعرفة المحلية ، والتي اوجدت هيكليات ومراكز قيادة متعددة داخل وزارة الداخلية وهو ما أفضى إلى التشوش والشلل ، أن تولي الجيش الأمريكي مسؤولية تدريب الشرطة الوطنية في العراق أمر غير مسبوق، دائما ما تكون مسؤولية تدريب الشرطة توكل إلى وزارة العدل الأمريكية التي تملك البرامج والخبرات المطلوبة ، ومع استكمال المرحلة الأولى من برنامج مساعدة الشرطة في العراق التي تولاها (عسكريون امريكان) وليس (خبراء امنيون او جنائيون)، ولكي تتولى وزارة العدل هذه المهمة، يتطلب ذلك تفويض مباشر من الكونغرس مما اضطر العسكرييين الاميركان بإدارة مهام الامن الداخلي وهذا من اكبر الاخطاء الفادحة على الشرطة العراقية.

ومن جانب اخر هناك اجندة حاولت الأحزاب السياسية فرض الأشخاص المرتبطين بها تهدف بكسب الولاءات بالتعيين الاجمالي ممن يواليهم فكريا ، وتاسست القوات على الكم وليس على النوع ، هذه العوامل مجتمعة جعلت من الشرطة غير كفوءة وصعبة التغيير، القادة العراقيون، من جهتهم فشلوا في معالجة الفوضى العارمة في القطاع الأمني ، دستور عام 2005 ترك المؤسسات الأمنية دون تعريف وسلطاتها دون تحديد بانتظار تشريع جديد لم يصدر حتى الآن ، وقد تراكمت الاخطاء الإجمالية بغياب الهيكلية المتماسكة التي تستند إلى الولاء للدولة طبقاً لتسلسل قيادي واضح، فلا يمكن لوزارة الداخلية ان تصلح نفسها بنفسها لم يحدث ذلك في اي مكان بالعالم كله ، والاصح تكلف جهات وطنية ليس لها مصالح سوى المصلحة العليا للوطن باجراء التغييرات.

ونتج عن هذه الفوضى :-

1- رافق عملية إعادة بناء الشرطة العراقية ارتقاء الاف من ( الضباط الدمج) للحلقة الوسطية للشرطة العراقية وخصوصا بالمحافظات وهناك نقص بمؤهلاتهم المهنية والعمل للجهة التي منحتهم الرتبة وفقا لعقيدتهم الفكرية .

2- ضباط الجيش العراقي السابق الذين تم إعادة تعيينهم واغلبهم كبار بالسن وتاركي الوظيفة عشرات السنين وتبوا كثير منهم مناصب قيادية بالشرطة مما أدى الى التوسع المفرط في التوجه نحو العسكرة الواسعة لإدارات الشرطة، تشكل تهديداً خطيراً للأمن والسلم المدني في البلاد لعدم إلمام القادة العسكريين بالمهام الادارية والقانونية للحياة المدنية لعدم تأهيلهم المسبق لذلك ما هو المطلوب .

نتيجة الاخطاء المتكررة بحوادث كارثية صاحبت عمل الشرطة نتيجة غياب المهنية بات من الضروري اصلاح واعادة هيكلة بعض الادارات لتتناسب مع العصر وتتجانس مع المرحلة لغرض النهوض بكل المهام بأبعاده الجنائية لنحفظ جبهتنا الداخلية في إطار احترام الدستور والقانون والتزام بمعايير حقوق الإنسان

الخلاصة:

لقد ان الاوان للاصلاح الاداري والجنائي للشرطة العراقية ، وعلى مراكز البحوث والمفكرين والاستراتيجيين والامنيين تقديم مشروع اصلاح الشرطة (استراتيجيات وسياسات واعادة النظر بالهياكل) بما يتناسب مع المرحلة القادمة وتحديت وعصرنة ادارات الشرطة بحيث تتوافق مع معايير العصر وتبتعد عن امزجة الساسة ، ان ظروف العنف السابقة التي مرت بالعراق افرزت قيادات غير مؤهلة ، لا تتناسب مع الظروف الحالية قيادات عسكرية كانت المرحلة تتطلبها افقدت الشرطة مهامها ووظيفتها الأساسية ، ان الأوان ان تعاد قيادات الشرطة الى مدنيتها والعودة بممارسة مهامها الحقيقة ومغادرة الاجراءات والممارسات التي فرضتها فترة العنف ومحاربة داعش ، وهذا يتطلب تظافر جهود وطنية لدعم الخدمة الكبيرة التي يجب ان تؤديها المؤسسة الشرطية العراقية، وعليها التعامل مع متغيرات العصر وتحدياته ، فإن عمل قوى الامن الداخلي بأسلوب عصري وحديث يشكل وسيلة هامة في هذا المجال ، من أجل اللحاق بركب التقدم بإصلاح أحوالنا، ووضوح الرؤي في أداء المهام ، بتطبيق السياسات الأمنية الثابتة والراسخة، واتباع نهج العقيدة الأمنية القائمة على احترام حق المواطن بالتعبير عن رأيه وفقاً للقوانين .