17 نوفمبر، 2024 12:44 م
Search
Close this search box.

العيد وتقويض ثقافة العراقيّين والتغيير الموعود!

العيد وتقويض ثقافة العراقيّين والتغيير الموعود!

العيد ليس كلمة جافّة، وعابرة وسقيمة وميْتة، بل هو مِهرجان سعيد، ومَوسم مُزدهر، ومُناسبة للتجدّد، والسعادة والفرح، والاحتفال، والتلاقي والتسامح والتراحم وغيرها من المعاني المليئة بالأمل والإنسانيّة النقيّة الصافية!
والعيد في حياة الشعوب المَكْلومة مُناسبة لتداوي الجراح، وعلاج الآلام، وتَرميم الأذى، والتئام الهموم، ومُداواة المحن، ومُعالجة الشرور، واستشفاء الأسى، وتَضميد الشدائد، وتَخدير الأحزان، وشِفاء المصائب، وإصلاح الأوجاع، وإبراء المعاناة، وتناسي الإزعاجات، وتجاهل الكروب والأضرار والصعوبات!
وأعياد العراقيّين بعد العام 2003 (وربّما منذ الغزو العراقيّ للكويت بداية تسعينيّات القرن الماضي) فقدت رَوْنقها وبَريقها وبَهجتها.
ولقد واجه العراقيّون، ولعشرات السنوات، مئات المؤامرات الداخليّة والخارجيّة التي حِيكت ضدّهم بِعناية وأشكال متنوّعة، وربّما تُعدّ الدسائِس السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة من أبرز المَكائِد وأكثرها وضوحاً وهي التي نشرت الموت والرعب والخراب والتناحر والجوع والأمراض في حياة الناس.
وهنالك مِن بين تلك المَكائِد مؤامرات خفيّة ومُتنامية، وفي مقدّمتها وأخطرها السعي للتجهيل الإنسانيّ التامّ لملايين العراقيّين، والعمل الجادّ لنشر التخلّف الفكريّ والثقافيّ والدينيّ والعلميّ بينهم.
إنّ الإنسان الأُمّيّ الجاهل يُمكن أن يقتل ويسرق ويرتكب أغلب المخالفات الدنيويّة والدينيّة لأنّه ليس لديه مرجعيّة فكريّة أو دينيّة تَردعه عن ارتكاب الشرور والمخالفات والطغيان.
ولهذا فيُمكن للموظّف غير المُتمسّك بثقافة نقيّة أن يُزوّر ويَرتشي ويظلم، وهكذا حال العسكري والقاضي والطبيب والتاجر والعامل وبقيّة فئات المجتمع.
إنّ حقّ الحياة والسعي لتحقيق الأحلام الإنسانيّة لا تعني بالمقابل سحق القِيم الدينيّة والمجتمعيّة والأخلاقيّة لأنّ هذا الأسلوب الوحشيّ إشعال لأنانيّة البشر، وتَشجيع للمجتمع للإيمان بالقوّة الظالمة، والركض المُتوحّش للحصول على الأموال والممتلكات بالطرق المشروعة وغير المشروعة!
ويُمثّل الاعتزاز بعموم الثقافة الإنسانيّة من أهمّ عوامل بناء الأفراد والدول، ولهذا فإنّ سياسات إجهاض القِيم الثقافية الإنسانيّة للمجتمع العراقيّ ستعود، وبعجالة، بالويلات على الجميع!
ولا شكّ أنّ القِيم المجتمعيّة فاعِلة ومُعتبرة في حياتنا، ولكنّها تُجْهَض وتَنتهي عندما تقوم على التنمّر، ومخالفة القوانين، وظلم الضعفاء، والتعصّب الأعمى ولهذا ينبغي أن تقوم الدول والمجتمعات على قِيم التكاتف والتناصر والتراحم.
ويفترض أن تَستند القِيم المجتمعيّة على قواعد دينيّة وقانونيّة وأخلاقيّة وعُرفيّة واضحة لتساهم بدعم البناء السليم للمجتمع العراقيّ الأصيل؛ ولهذا فإنّ الثقافات الوافدة والناشرة للانحلال والمخدّرات، والضاربة لقِيم المجتمع والأخلاق والثقافة تُعتبر معاول هدم خبيثة تسعى لتحطيم بُيوتات المجتمع، عائلة تلو الأخرى.
ويأتي هذا التناحر والتخاصم المجتمعيّ والإنسانيّ في وقت يُؤكّد فيه العديد من الشخصيات المعارضة، السياسيّة والإعلاميّة، من داخل العراق وخارجه بقرب حدوث تغيير شامل للعمليّة السياسيّة القائمة!
وقد أكّد النائب السابق (فائق الشيخ علي) في الخامس من تمّوز/ يوليو 2022 أنّ” فريقا دوليّا سيقوم بعمليّة تغيير النظام السياسيّ العراقيّ وبموعد أقصاه نهاية العام 2024، وأنّ النظام الجديد سيكون قوياً وضارباً ونموذجاً للشرق الأوسط”!
وقد مَلأت تصريحات (الشيخ علي)، الناريّة البركانيّة، مواقع التواصل الاجتماعيّ بعد دقائق من بثّها، ولهذا سارعت بعض القوى الحالمة بالسيطرة على حكم العراق مُجدّدا، ومِن بينهم الإطار التنسيقيّ برئاسة نوري المالكي للتأكيد بأنّ تصريحات (الشيخ علي) ” بعيدة عن الحقيقة والواقع، ولا يمكن لأيّ طرف دوليّ وخارجيّ التأثير على النظام القائم، وهذا مجرّد حلم تتمنّى جهات مخابراتيّة دوليّة مشبوهة تحقيقه”!
تصريحات (الشيخ علي) وغيره تأتي في مرحلة صعبة ومُرعبة، وبالذات مع دخول الانسداد السياسيّ شهره التاسع، وفشل القوى السياسيّة في التفاهم على خطّة عمل إنقاذيّة، وكذلك في مرحلة طالب فيها مقتدى الصدر، المُعتزل للعمليّة السياسيّة، أتباعه أن تكون الجمعة التالية لعيد الأضحى المبارك، 15 تمّوز/ يوليو 2022، (جمعة صلاة موحّدة) بمدينة الصدر، معقِله الأكبر ببغداد، وكذلك ببقيّة مدن الجنوب!
وقد تكون (الصلاة الموحّدة المُرتقبة) شرارة (العصيان الصدري) الضارب للشُركاء السياسيّين، وفي مقدّمتهم الإطار التنسيقيّ!
وتُشير تصريحات (الشيخ علي) وغيره إلى العديد من (الحقائق، أو الأوهام، أو الأحلام)، وقد يكون أهمّها وصول حالة الغليان الشعبيّ العراقيّ لمرحلة الانفجار نتيجة الأوضاع الخَرِبة القائمة، وبدليل التفاعل الجماهيريّ الكبير مع هكذا تصريحات ثوريّة تغييريّة.
وقد تؤكّد القنوط الشعبيّ من التغيير ممّا دفع بعض الشخصيّات الفاعلة لبَعْث الأمل، وشَحْذ الهمم!
وقد تدلّ أيضا على تَحرّك دوليّ (بطيء) لتغيير المعادلة العراقيّة، وأنّ المتحدّثين ينقلون بعض الحقائق بعد لقاءاتهم مع أطراف دوليّة فاعِلة، ولكن أتصوّر أنّ الأطراف الدوليّة، وفي مقدّمتهم واشنطن، غير جادّة في ادّعاءاتها لأنّها لم تدعم مظاهرات تشرين الشبابيّة في العام 2019 وقد كانت، حينها، فرصة ناضجة للتغيير الشامل!
وأرى أنّ مِن بين أضعف الاحتمالات أنّ هذه التصريحات تأتي من باب الحرب النفسيّة لزعزعة النظام المُتَغوّل في العراق!
وبعيدا عن جميع الاحتمالات يُفترض بَثّ روح التطلّع، وترك اليَأس والقُنوط، والدفع لترسيخ حُلم التغيير المُرتقب في نفوس العراقيّين!
ليكن العيد مناسبة مُتجدّدة لإشعال جَذوَة الأمل، وللعمل معا، وبيَد واحدة وقلوب مُتلاحِمة، لبناء العراق، وإعماره، وتطويره ليكون واحة لتعايش الجميع باستثناء المخرّبين والقتلة!
dr_jasemj67@

أحدث المقالات