العرب خصوصا وبعض المسلمين عموما , جعلوا العيد خدعتهم الكبرى , التي يضللون بها أنفسهم وأجيالهم , وما عندهم سوى إجادة القول “عيد سعيد , وعيد مبارك” , أما في واقعهم السلوكي فكل ما يبدر منهم ويتحقق بديارهم غير سعيد , ولا يمتلك شيئا من البركة الرحمانية , وإنما تحتشد فيه النوازع الشيطانية المتوّجة بالشرور والمآثم والخطايا.
فلماذا هذه المخادعة النكراء؟!
هل حقا أننا نمتلك القدرات النفسية والسلوكية والروحية لصناعة العيد السعيد؟!
هذا ليس تشاؤوما ولا تحاملا , ولكن قراءة نفسية سلوكية لما ندّعيه ونقوم به , ذلك أننا أفرغنا أعيادنا من محتوياتها الإنسانية وحتى الدينية , وحوّلناها إلى مناسبات خرساء للتعبير عن هموم التعساء.
فالعيد إخبار عن إنجاز كبير , وهو كالإحتفال بالإنتصار , ومحطة لضخ النفوس بقدرات التواصل الأقدر , والتفاعل الأصلح للحاضر والمستقبل , ولم يكن العيد حفرة غمّ ويأس وبؤس وشقاء.
وسميّ العيدُ عيدا لأنه يعود كل سنة بفرحٍ مُجدّد.
وعيّد المسلمون أي شهدوا عيدهم.
فالعيد الحقيقي يتأكد في إرادة تجديد الفرح والسعادة , لا بنفي البهجة والحبور والتباكي بين القبور.
إن المعضلة التي نغفلها وننكرها أننا جعلنا العيد يعني العدد , أي نعدّ فيه خيباتنا وتداعياتنا , وما قمنا به من أفعال قبيحة , وتفاعلات كسيحة , أزرت بنا وأوقعتنا في المهاوي كالنطيحة.
قد يقول قائل أن العيد لا علاقة له بأي شيئ آخر , سوى التعبير عن فرحة الصائم بإتمام صيامه لشهر كريم , فيه ليلة هي خير من ألف شهر , وهذا أيضا دريئة , ومحاولة للتغافل عن المعنى الجوهري للعيد , وإقرار بالعجز عن تحقيق السلوك الإنساني السعيد.
فالذي يتمكن من صيام شهر بكامله , يؤكد على أنه يمتلك إرادة إيجابية صالحة مقتدرة , مؤهلة لصناعة الحياة الرائعة الهانئة الجامعة , المُكللة بالمعاني والقيم الإنسانية والدينية الرحيمة السمحاء , لكن واقع الحال في ديار المسلمين والعرب خصوصا لا يشير إلى هذا السلوك , بقدر ما يترجم حالات تفاعلية سيئة , تتناقض تماما مع هذا الجوهر وتنسفه نسفا قاسيا ومروّعا.
ووفقا لهذا فأن القول بسعادة العيد , إنما هو مخادعة واضحة , ومحاولة لتأكيد العجز ومنع التوافق والإنسجام ما بين القول والفعل , مما يشير إلى أن ما نقوم به عبار عن ميكانيكات منحبسة في ذاتٍ ضيقة , تأبى أن تتحول إلى وهجٍ منيرٍ بسلوكها اليومي , وتتناسى ما يجب أن تكون عليه وتعبّر عنه.
وفي هذه المغالطات السلوكية , تكمن العديد من أسباب الأوجاع المتراكمة في مجتمعاتنا , التي يتواصل فيها تعزيز وتسويغ تصرفات التقاطع مع الرحمان!!