22 ديسمبر، 2024 10:09 م

العيد اليهودي الحانوكاه والاحتفال به في البيت الابيض

العيد اليهودي الحانوكاه والاحتفال به في البيت الابيض

الحانوكاه كلمة عبرية تعني التدشين أي بناء الهيكل اليهودي الثاني، الذي بناه (يهودا المكابي) سنة 160ق.م، وكان الهيكل الاول الذي بناه وفق معتقدهم نبي الله سليمان (عليه السلام) قد دمره الملك الكلداني البابلي (نبوخذ نصر) عام 586أو 587ق.م.
فهو عيد يهودي يستمر ثمانية أيام من الخامس والعشرين من كسلو الذي يقابل شهر كانون الاول/ ديسمبر)، والعيد بحكم توقيته يمكن اليهود وبالذات الاطفال من الاحتفال بعيد يهودي في نفس الفترة التي يحتفل فيها المسيحيون بعيد الميلاد، والمناسبة التاريخية لهذا العيد هي دخول (يهودا المكابي167-160ق.م) بن ماتيوس الحشموني مدينة أورشليم واعادته للشعائر اليهودية في الهيكل، ويقال أن يهودا المكابي حينما دخل الهيكل وجد أن الزيت الطاهر (= أي الذي يحمل ختم كبير الكهنة) لا يكفي الا ليوم واحد، وكان من الضروري أن تمر ثمانية أيام قبل اعداد زيت جديد كما تنص التوراة، فحدثت المعجزة واستمر الزيت في الاحتراق لمدة ثمانية ايام بدلاً من يوم واحد، ولذلك صمم لهذا اليوم شمعدان خاص من تسعة فروع، ولأن هذه المناسبة تؤكد انفصال اليهود ورفضهم للاندماج والتفاعل مع الحضارات الاخرى فاننا نجد أن الصهيونية تبالغ في الاحتفال به.
ويحتفل بالعيد في اسرائيل على أنه عيد ديني، قومي(= عيد الانوار)، فتوقد الشموع في الميادين العامة وتنظم مواكب من حملة المشاعل، وأثناء الاحتفال يصعد آلاف الشبان الى قلعة ماساداه.
ومسادة مقطع صخري مرتفع يقع في صحراء القدس بالقرب من الشاطيء الغربي للبحر الميت، ويمثل هذا المقطع الصخري بقايا مدينة حصينة يهودية يعود تاريخها الى الهيكل الثاني وهو يعتبر رمزاً للصمود البطولي وحب الحرية لمحاربي يهودا، وتبلغ مساحة قمة الجبل التي توجد فيها القلعة حوالي 80 دونماً وطولها حوالي 600 متر وعرضها يتراوح بين 130/240م.
وترتفع عن سطح البحر 462 متراً. وتفصل بين هذه القمة ومجموعة الجبال المحيطة بها أودية عميقة، وكان يوناتان الحشموني قد بنى عليها حصناً عام 42 ق.م وزاد هيرورودوتس من تحصينها وأقام لنفسه هناك قصراً فاخراً. وقد تمركز في قلعة مسادة آخر المحاربين الذين ثاروا على الرومانيين، وقد حاصر الرومان القاعة مدة 3 سنوات. وعندما فقدوا الامل انتحر المحاصرون وعددهم 960 شخصاً كان يقودهم (اليعيزر بن بائير) وذلك يوم 15 نيسان من عام73م وقد قصت النسوة والاولاد الذين اختبأوا بقناة مياه ونجوا من الموت عملية الانتجار الجريئة. وفي العهد الروماني البيزنطي(70-635م) سكن هذا الجبل رهبان جيث أقاموا عليه كنيسة صغيرة.
في عام1954م اقيم من جديد (طريق الافعى) الى الجبل، وفي عام 1955م قام سلاح الهندسة الاسرائيلي باعادة ترميم القلعة، وجرت في المكان حفريات أثرية واسعة اكتشفت فيه خزانات مياه وأرزاق ومقر هيرودوتس وكُنَيس وقصاصات من كتاب التوراة وعملات وغير ذلك، وفي عام 1970م تم شق طريق الى الموقع الاثري يبدأ من عراد وحتى الجانب الغربي من قمة الجبل، وفي عام 1970م تم تشغيل قطار هوائي من الجانب الشرقي للجبل.
لذلك من الاهمية بمكان الاشارة الى أنه بعد يوم واحد فقط من توقيع الرئيس الامريكي (دونالد ترامب) قرارالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية للدولة العبرية(= اسرائيل)، وتحديداً في 7 ديسمبر/ كانون الاول 2017م، جرى في البيت الابيض وتحديداً في منزل صهر الرئيس الامريكي ترامب اليهودي(جارود كوشنر) جرى احتفال رسمي بالعيد اليهودي الحانوكاه (= عيد الانوار) بحضورأسرة الرئيس الامريكي وبعض الساسة الاميركيين ومن ضمنهم نائب الرئيس الامريكي(مايك بنس) بالاضافة الى الحاخام اليهودي الامريكي (سولوفيتشك) القائد الروحي العاشر لليهود منذ الثورة الامريكية. حيث القى الرئيس الامريكي كلمة بهذه المناسبة استهلها بقوله :” أعلم يقيناً الكثير من الاشخاص السعداء في القاعة .. القدس.. شكرا لكم . وميلانيا(= زوجة الرئيس) وأنا يسعدنا الترحيب بكم وبالكثير من أصدقائنا الرائعين في البيت الابيض ونتمنى لكم حانوكا سعيداً جداً. واعتقد انه هذه ستعتبر حانوكاه فريدة بشكل خاص ، وانا ايضا سعيد باحفادي الجميلة،( آرابيلا، وجوزيف، وثيوديور) الموجودون بيننا الليلة، بينما نحتفل معكم جميعاً بالتقاليد المقدسة والتي يحتفلون بها كل عام في بيتهم مع ( إيفانكا وجارود).
الليلة نحتفل بالقصة المذكورة ببيوت اليهود بامريكا وحول العالم، قصة بدأت قبل أكثر من الفي عام حيث قرر طاغية أن يعاقب احتفال اليهود بعيدهم بالموت، فدنس المعبد اليهودي بما في ذلك أقدس الاقداس؛ لكن عددا من اليهود انتفضوا وهزموا جيشا عظيما وسريعاً استعادوا حريته؛ لكن معجزة المكابيين لم تنته، فأثناء اعداد المعبد وجدوا مقدار زيت يكفي إضاءة مصباح لليلة واحدة، لكنهم سرعان ما اندهشوا عندما وجدوا ان المصباح استمر في التوهج طوال ثمانية أيام، وهذه علامة على وجود الرب في منزله، وإشارة لايمان ومرونة اليهود، لديكم إيمان ولديكم مرونة، معجزة الحانوكا هي معجزة اسرائيل احفاد ابراهيم واسحاق ويعقوب تحملوا اضطهاداً وظلماً لا يصدق؛ لكن لم تستطع قوة ابداً ان تسحق روحكم ولا استطاع شر أن يطفيء ايمانكم ابداً، ولهذا فإن الشعب اليهودي يشع كالضياء على كل الشعوب. والان أفكر فيما يجري وفي الحب الذي يغمر اسرائيل وكله يتعلق بالقدس، شكراً لكم نيابة عن كل الامريكيين أود أن أعبر عن مدى امتناني لمحافل اليهود في بلادنا وانتم ترعون عائلتكم وتقومون بدعم مجتمعاتكم وترفعون شأن بلدنا الحبيبة.
الحانوكا هي الوقت الذي يحتفل فيه العائلات اليهودية حول العالم بمعجزة الماضي ووعود المستقبل، نحن فخورون بالوقوف الى جانب الشعب الاسرائيلي، ونجدد روابطنا الدائمة .
يشرفنا اليوم أن يتواجد معنا القائد الروحي العاشر لليهود منذ الثورة الامريكية الحاخام سولوفيتشك، شكرا لك ايها الحاخام شكرا جزيلا على وجودك معنا لكنه سعيد جداً منذ (اعلان القدس عاصمة لاسرائيل) امس، ولا يهمه أن أخطأت نطق اسمه.
وقال الحاخام سولوفيتشك في معرض جوابه على كلمة الرئيس ترامب:” اذا ذهبت للقدس اليوم سترى انه بخلاف معظم يهود العالم الذين يضيئون الشموع داخل بيوتهم، فإنهم في القدس يضيئون الشموع كما كان يحدث في الاصل بالخارج بجوار ابواب بيوتهم وما يمثله ذلك هو فكرة يهودية امريكية ايضاً، وهو انه عندمل يغادر أهل الايمان بيوتهم ويذهبوا للميدان العام فإنهم يأخذون معهم عقيدتهم وهويتهم الدينية ولا يتركونها عند الباب عندما يخرجون الى العالم، وما يمثله هذا المساء هو أننا كأمريكيين يهود لا نأخذ فقط عقيدتنا معنا الى المجتمع والى العالم؛ لكننا نخرج هباً (= بصورة جماعية) أيضاً من بيوتنا لبيتك انت رئيس الولايات المتحدة الامريكية بيت الشعب الامريكي، ولهذا نشكرك سيدي الرئيس وانت ايها السيدة (ميلانيا ترامب) على كل ما يمثله هذا المساء لنا جميعاَ، ولأن الحانوكاه لم تبدأ بعد فإننا لا نستطيع أن نقرأ الان تبريكات الحانوكاه على شمعدان الحانوكا بعد؛ لكن هناك تبريكتان نستطيع أن نقرأهما قبل أن يشعل أحفاد الرئيس هذا الشمعدان الجميل والذي يمثل الكثير من التاريخ اليهودي والتاريخ اليهودي الامريكي، وأول تبريكة هي تبريكة تقرأ طبقاً للتعاليم اليهودية عندما نكون أمام حاكم الدولة، ويعلمنا الحاخامات أن نقرأ هذه التبريكة من اجل تذكيرنا بالرب الذي نستمد منه كل القوة والتميز تماماً كما جاهد الآباء المؤسسون ليذكرون بأن حقوقنا كأمريكيين تستمد منه، وليس من الدولة؛ ولهذا ففي حضرة الرئيس ترامب نقرأ الاولى بالانكليزية ثم بالعبرية :” تبارك الرب الهنا ملك الكون الذي أسبغ القوة والتميز على اللحم والدم( آمين). التبريكة الثانية التي نقرأها هي التي تقال طبقاً للتعاليم اليهودية عندما نتلقى بشارات سعيدة ويقرأها كل اليهود في أول ليالي الحانوكاه ونستطيع تلاوتها الان بسب البشارة السعيدة التي تلقيناها للتو( القدس تقع بالطبع في قلب وروح كل يهودي وفي قلب اليهودية نفسها ونحن نصلي ثلاث مرات يومياً لأجل اعادة بناء القدس)، وضوء الحانوكاه لا يمثل فقط ضوء اليهودية الخالد وإنما ضوء القدس المشتعل في كل روح يهودية؛ وبما إننا قد تلقينا بشارة سعيدة جداً لأنه لاول مرة منذ تأسيس دولة اسرائيل أعلن رئيس امريكي بشجاعة ما أعلناه دائماً وهو أن القدس عاصمة اسرائيلية، وبالتالي نشكر الرب الذي أبقانا الى أن رأينا هذا اليوم السعيد ونقول : طوبى لك يا ملك الكون الذي أحييتنا ورزقتنا ومكنتنا من أن نشهد هذه المناسبة، عندما أشعل الشمعدان، سأشعل الشمعة الاعلى، ثم يشعل أحفاد الرئيس (اولاد ايفانكا وجارود اليهودي) الشمعة الاولية إشارة ببدأ ليالي الحانوكاه وبمجرد أن يشعل أحفاد الرئيس هذه الشمعة انضموا الي في غناء أول مقطع من أحد أحب أغاني الحانوكاه وهي (مائوز تسور) وأعني شاركوني الغناء لاننا لا نريد أن نعرض الرئيس والسيدة الاولى للاستماع الى صوتي أنا، فكل من يستطيع الغناء رجاءً انضموا الي، سأشعل الشمعة ثم خذوا الشمعة…
يا ملاذي العظيم يا خلاصي إن الثناء عليك سعادة، أعد بناء بيت عبادتك وهناك سأقدم هدية الشكر، وعندما تكون قد أعددت الذبح للعدو المرتد ثم سأكمل غناء الترنيمة: تفاني المذبح ثم سأكمل غناء الترنيمة تفاني المذبح، حانوكاه سعيدة لكم.

كلمة الرئيس الامريكي دونالد ترامب لها عدة اعتبارات منها :
1- أنها جاءت بعد يوم واحد فقط من اعلانه القدس عاصمة أبدية وموحدة للكيان العبري.
2- انه حاول اجتراح ما يسمى بالمعجزات! التي حدثت في التاريخ اليهودي( مسألة الزيت المقدس الذي كان يكفي لاضاءة المصباح ليوم واحد)، لكنهم سرعان ما اندهشوا عندما وجدوا ان المصباح استمر في التوهج طوال ثمانية أيام، وهذه علامة على وجود الرب في منزله.
3- أنه نسب الى الطاغية ويقصد به الملك السلوقي اليوناني (انطيوخوس الرابع 174-165ق.م) معاقبة الشعب اليهودي عن طريق منعهم من إقامة شعائرهم الدينية، ومنعهم من الختان، ومن قراءة التوراة، ومن الحفاظ على قدسية يوم السبت، ومن إجبارهم على أكل لحم الخنزير، ومن الغاء عبادة يهوه في الهيكل في اورشليم وعبادة الاله زيوس اليوناني؛ ونسى نفسه أنه طاغية متكبر لانه يحارب عقيدة وفكر دين سماوي يربو عدد معتنقيه اكثر من 1700 مليون من البشر، ويتهمهم بالارهاب وغيرها من المصطلحات الجاهزة في مطابخ الساسة الغربيين، وانه لا يحترم عقائدهم ويتنكر لكل القرارات والمواثيق الدولية قبل السماوية.
4- أنه يكيل مسألة ما يسمى بالفكر المستنير او الليبرالي بمكيالين، فبينما يؤكد على تمسك اليهود بهويتهم وعقيدتهم الدينية المبنية على التوراة والتلمود من خلال محاربة اليهود المكابيين بقيادة (يهودا المكابي) لبني جنسهم وقتلهم لانهم اغترفوا من الفكر اليوناني الهلليني ونبذوا عبادة اله اليهود (يهوه)، وساروا خلف الاله اليوناني (زيوس)، أي أخذوا بقيم الثقافة اليونانية – الهللينية؛ يحاول هو ودعاة الحداثة والتنوير ومن سار على منهجهم إبعاد المسلمين عن المصادر الرئيسية للاسلام المتمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية عن طريق المجيء باسلام متنور ليبرالي على نهج الادارات الاميركية بعد حادثة 11 سبتمبر/ ايلول 2001م.
5- يبدو أن الرئيس الامريكي ترامب بحكم عقيدته البروتستانتية الانجيلية مطلع عن كثب على عقيدة وتاريخ اليهود، حيث تطرق في كلمته الى المعجزة التي حصلت لهؤلاء اليهود الذين اكتشفوأن الزيت الذي يضيء الشمعدان المقدس، لم يجدوا إلا جرة صغيرة كانت تكفيهم ليوم واحد، ولكن حصلت المعجزة عندما تبين أن الجرة كانت كافية لإضاءة القنديل لمدة ثمانية أيام؛ وعلى هذا يحتفل بعيد التدشين(= الحانوكاه) منذ ذلك اليوم وحتى هذه الأيام لمدة ثمانية أيام.
6- ان الرئيس الامريكي تكلم عن مرونة الشعب اليهودي، وانه يشع ضياءً على العالم، وان اعداء اليهود من اليونانيين دنسوا المعبد اليهودي، وينسى أو يتناسى أن اليهود ومستوطنيهم يدنسون كل اليوم الاماكن المقدسة الاسلامية بما فيها بيت المقدس، وانهم يقتلون الفلسطينيين بدم بارد و يدمرون بيوتهم ويحرقون مزارعهم، دون خوف أو وجل، من دون استنكار المنظمات الدولية بل وحتى الشخصيات الدينية اليهودية التي تدعي قيم التسامح والعيش المشترك . ولو اطلع الباحثون والمراقبون على تعاليم الكتاب اليهودي(التلمود) لوجدوا فيه المئات بل الالاف من كلمات القتل والذبح والارهاب، ومن الالفاظ البذيئة والمشينة بحق المسيحيين قبل المسلمين التي يعجز القلم من تردادها، وبالذات تجاه السيد المسيح (عليه السلام) وامه الصديقة البتول (مريم).
7- إن الحاخام الامريكي اليهودي( سيلوفيتشك) يشير في الغناء اليهودي المنسوب للحانوكاه(= مائوز تسور) الى إعادة بناء بيت الرب، يقصد به تخريب المسجد الاقصى وبناء ما يسمى ب(هيكل سليمان) على أنقاضه، ويبدو أن قرار الاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة لاسرائيل هي توطئة ومقدمة للحدث المنوه آنفا؟.
8- إن الحاخام المذكور تطرق في نهاية أغنية الحانوكاه الى القول :” وعندما تكون قد أعددت الذبح للعدو المرتد، ثم سأكمل غناء الترنيمة: تفاني المذبح، ثم سأكمل غناء الترنيمة تفاني المذبح…، لو أن احداً من المسلمين ذكر هذا(الذبح للعدو المرتد) في كلمة او خطبة له لاقاموا الدنيا عليه ولاتهموه بالارهاب وعدم التسامح…؟.
مما تقدم يبدو أن قرار الرئيس الامريكي المسيحي البروتستانتي( دونالد ترامب) في 6 كانون الاول/ نوفمبر2017م الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة اليهودية، جاء بعد مائة عام تقريباً من القرار الصادر عن وزير الخارجية البريطاني المسيحي البروتستانتي (آرثر بلفور) في 2 تشرين الثاني/نوفمبر عام1917م، الخاص بمنح أرض فلسطين لليهود، وكانت اسرائيل قد احتلت المسجد الاقصى في 7 حزيران/ يونيو عام1967م.