القسم الأول
لا يحق لمن لا يعرف تأريخ العراق أو أن يلفظ إسمه بدون رفع حرف العين فيه ، وقد قالها الكثيرون ( العُراق بالضم وليس بالكسر العِراق ) ، حرصا على مهابة قدره ورفعة شأنه . أن يطبل ويزمر لكل إعلان حكومي أو قانون فاقد لأصول تشريعه التأريخية ، بعد تحريفها وإنحرافها عن حقائق الواقع لأغراض سياسية مقيتة وبغيضه ، كما هو شأن سياسي الصدفة والحزبيين والمهرجين على صفحات التواصل الإجتماعي ، عند صناعتهم لأي حدث بعد الإحتلال الثاني للعراق خلال قرن من الزمن التعيس ، ويبدو أنهم لم يطلعوا على ما تضمنته المعاهدات والإتفاقيات والبروتوكولات العراقية البريطانية وغيرها خلال فترة الحكم الملكي ، وقبل بيان ذلك ، علينا أن نعرف بأن عصبة الأمم قد تأسست عقب مؤتمر باريس للسلام عام 1919 ، وعليه كان إنضمام العراق إليها بالرقم (57) بترشيح ودعم من دولة الإنتداب ( بريطانيا العظمى ) ، العضو الدائم في مجلس عصبة الأمم التي تولى منصب الأمين العام فيها للسنوات ( 1920- 1933 ) السير إريك دروموند من المملكة المتحدة ذاتها .
لقد كان أغلب أعضاء العصبة من الدول العظمى حينها ، التي تتعارض مصالحها مع ما تتخذه تلك المنظمة من قرارات ، فكانوا يرفضون التصديق عليها أو الخضوع لها والتجاوب معها ، وغالبا ما قام بعضهم بتحدي قراراتها وأظهر إحتقاره لها ولمن أصدرها ، فحين إتهمت العصبة جنودا إيطاليين بإستهداف وحدات من الصليب الأحمر أثناء الحرب الإيطالية الحبشية الثانية ، جاء رد رئيس الحكومة الإيطالية موسوليني بالقول ساخرا ( إن العصبة لا تتصرف إلا عندما تسمع العصافير تصرخ من الألم ، أما عندما ترى العقبان تسقط صريعة ، فلا تحرك ساكنا ) . وقد كان عجز العصبة على حل المشكلات الدولية وفرض هيبتها على الدول واضحا ومن دون إستثناء ، حيث كان نشوب الحرب العالمية الثانية دليلا قاطعا على فشل العصبة في مهمتها الرئيسية المتمثلة في منع قيام الحروب المدمرة ، وما أن وضعت الحرب أوزارها حتى حلت العصبة وخلفتها هيئة الأمم المتحدة ، التي ورثت عددا من منظمات ووكالات العصبة .
وعليه فإن دور العصبة لم يكن بالمستوى المطلوب دوليا في جميع المجالات ، لأن المعاهدات والإتفاقيات بين أطراف إنعقادها كان أكثر قوة وتأثيرا ، وبذلك نجد المادة (18) من المعاهدة البريطانية العراقية المؤرخة في 10/10/1922، قد نصت على أن ( تصبح هذه المعاهدة نافذة العمل حال ما تصدق من قبل الفريقين المتعاقدين الساميين ، بعد قبولها من المجلس التأسيسي ، وتظل معمولا بها لمدة عشرين سنة ، وعند إنتهاء هذه المدة تفحص الحالة ، فإذا أرتأى الفريقان الساميان المتعاقدان أنه لم يبق حاجة إليها ، يصير إلى إنهائها ، ويكون أمر الإنهاء عرضة للتثبيت من قبل جمعية الأمم ، ما لم تدخل المادة السادسة في حيز التنفيذ قبل ذلك التأريخ ، وفي الحالة الأخيرة يجب أن يبلغ إشعار الإنهاء إلى مجلس جمعية الأمم ، ولا مانع للفريقين الساميين المتعاقدين من إعادة النظر من وقت لأخر في شروط هذه المعاهدة ، وشروط الإتفاقية المنفردة الناشئة عن المواد ( 7، 15، 17 ) ، بقصد إدخال ما يترأى مناسبته من التعديلات ، حسبما تقتضيه الظروف الراهنة آنئذ ، وكل تعديل يتفق عليه الفريقان الساميان المتعاقدان ، يجب أن يبلغ إلى مجلس جمعية الأمم ، ويجب أن تتبادل تواقيع التصديق في بغداد . وقد وضعت هذه المعاهدة بالإنكليزية والعربية ، وستبقى صورة منها بكل من اللغتين في خزانة سجلات حكومة صاحب الجلالة البريطانية ، وللبيان قد وقع الوكيلان المفاوضان المختصان على هذه المعاهدة وثبتا ختميهما عليها) .
وحيث تنتهي المعاهدة المذكورة في أو بعد 10/10/1942 ، فقد قامت الإحتجاجات الواسعة من قبل أبناء الشعب ورجاله الوطنيين ورجال الدين ، معارضين بنودها التي كبلت بها بريطانيا العراق بقيود ثقيلة وجعلته عمليا خاضعا لمشيئتها ، مما تسبب في توقيع العراق وبريطانيا برتوكولا ملحقا بها في30/4/1923 ، جاء فيه ( لقد تم التفاهم بين الفريقين الساميين المتعاقدين ، على أنه رغما عن نصوص المادة (18) ، يجب أن تنتهي المعاهدة عند صيرورة العراق عضوا في جمعية الأمم ، وعلى كل حال يجب أن لا يتأخر إنهاءها عن أربع سنوات من تأريخ إبرام معاهدة الصلح مع تركيا ، وليس في هذا البرتوكول ما يمنع من عقد إتفاقية جديدة لأجل تنظيم ما يكون بعد ذلك من العلاقات بين الفريقين الساميين المتعاقدين ، ويجب الدخول بمفاوضات بينهما لهذا الغرض قبل إنتهاء المدة المذكورة أعلاه . وللبيان قد وقع المفاوضان المختصان هذا البروتوكول . ) .