23 ديسمبر، 2024 1:43 م

العيادة الخارجية

العيادة الخارجية

بسرعة وبدون مقدمات تم تهديم البناية الكبيرة الواسعة الرائعة التى كانت تشغل كعيادة خارجية لمستشفى الموانىء فى المعقل. ووضعت لافتة كبيرة تشير الى نية بناء بناية اخرى مكانها.الى هنا قد يكون الخبر والامر كله امرا عاديا ليس فيه جديد, على ان القضية ليست كذلك على الاقل لابناء البصرة والمعقل خصوصا فالبناية اياها تمثل جزءا مهما من تاريخ جيلين او ثلاثة من الناس وتمثل نموذجا للرقى الصحى والاجتماعى والتحضر الذى عاشته المعقل  قبل نصف قرن وتقدمها على غيرها من الموءسسات الصحية
فى العراق .بنيت هذه البناية سنة   1964 من قبل مصلحة الموانىء العراقية  يوم كانت صحة الموانىء تابعة لمديرية الموانىء ودائرة من دوائرها ,لتكون عيادة خارجية لمستشفى الموانىء الجديد ضمن خطط تطوير الموانىء والمعقل التى بداءها المرحوم اللواء مزهر الشاوى مدير الموانىء يومذاك,ولطبيعة قطعة الارض  ووقوعها بين شارع المستشفى والشارع الموازى لمنطقة الحى المركزى  مما يلى منطقة الخمسين دار الشهيرة فقد بنيت بشكل اقرب الى المثلث يضم  ضلعيه اكثر من خمسين شقة  اوعيادة على شكل شقق مفتوحة الجانبين تطل داخليا على حديقة  بمساطب للجلوس وقاعدة المثلث خصصت للصيدلية, بناية كبيرة واسعة(فرهة) بالتعبير العامى تضم عيادات الاطباء بمختلف الاختصاصات وعيادة للاشعة وشعبة للمرضى الاجانب من البحارة والمسافرين بحرا او جوا ممن يرومون العلاج. كل هذه السعة كانت لخدمة طبية متميزة لموظفى وعمال الموانىء وعوائلهم   الذين كان عددهم يومذاك الوفا قليلة …. هذه البناية لها فى النفس ذكريات رائعة يوم كانت الدنيا غير الدنيا ويوم كان  الطبيب محترما مهابا لالتزامه المهنى العالى اساسا ويوم كان  ارتداء الصدرية  الناصعة البياض طيلة الدوام الرسمى  دليلا على الالتزام المهنى  الرفيع يوم كان الضمير والحس الانسانى فى ذروته فى علاقة الطبيب بالمريض  فكان الطبيب يبذل جهدا مطلوبا وان كان متعبا فى فحص المرضى وعلاجهم دونما تذمر او تشكى.  قبل نصف قرن كانت مراجعة العيادة تتم عبر كارت يضم اسم رب الاسرة وافراد اسرته ليحصل  المراجع على افضل الخدمات  توفرها ارقى الكوادر الطبية وعلى افضل الادوية مجانا…. مر على المرفق المئات من خيرة الاطباء من مختلف انحاء العراق وكذلك من العرب والاجانب ومثلهم من الممرضين والممرضات والعاملين واذا كان من الصعب ذكر اغلبهم فاءن اهل المعقل والبصرة لاينسون من امتدت سنين عملهم فى مستشفى الموانىء لعقود طويلة  ولاينسون خدماتهم الجليلة النافعة وتسترجع الذاكرة هنااسماء المرحومين الدكتور ابراهيم عبد الحميد والدكتور فخرى الحكيم والدكتور سيد باقر الموسوى والمرحومة الحاجة صبرية احمد ام احمد كبيرة الممرضات التى لم تفارق الابتسامة المرحبة وجهها لحين مغادرتها الدنيا رحمهم الله وجزاهم  خير الجزاء لما قدموا للمهنة وللناس  , ولاننسى المرحوم الدكتور هراير ماردروسيان الارمنى العراقى طبيب الاشعة الذى لم يتذمر يوما على الرغم من كثرة مراجعيه من طلبة وموظفين وعمال ولهذا الرجل قصة يجب ان تذكر وفاء وعرفانا, فبعدما احيل على التقاعد بعدالحروب المتتالية وفى ظروف الحصار  القاتل الذى تعرض له العراق واثاره المدمرة اضطر كالكثيرين من امثاله من العراقيين وخصوصا المسيحين الى بيع داره ومغادرة  العراق الى امريكا  مرغما وبقى الرجل على اتصال بزميله الاخ الدكتور منعم الهاشمى امد الله فى عمره  الذى قضى جل خدمته الطبية النافعة هو الاخر فى مستشفى الموانىء ,يراسله شهريا مستفسرا عن المستشفى  والاطباء والاحتياجات وما ان جاءت الحرب الاخيرة وحدث ما حدث بادر الرجل بامكاناته المتواضعة الى ارسال ما امكنه من الادوية والعلاج وفاء لبلده واستمر بالاتصال والاستفسارالى ان وافته المنية غريبا قبل سنوات قليلة رحمه الله فاءى اخلاص هذا؟؟.
لست هنا بصدد تقييم الواقع الصحى فى البصرة فهو واقع معروف  .ولا تقييم اداء احد  فذلك ليس من اختصاصى ولكنى اود الاشارة الى ظاهرة اخذة بالتفشى موءخرا الا وهى ظاهرة تهديم البنايات  الحكومية وبناء اخرى جديدة مكانها او تركها خالية ؟؟فلوكانت مثل هذه المبانى قديمة متهالكة لهان الامر واعطى العذر فكيف اذا كانت لازالت  متينة صالحة للاستخدام كالبناية المذكورة؟ اما كان من الاجدر الاستفادة من القديم وبناء الجديد؟ وبالتاءكيد نحن لسنا ضد الجديد فهذه سنة الدنيا وهل ان دواعى التوسع المطلوب و النقص فى الاراضىي هى السبب كما يذكر دائما دونما اقتناع؟؟…. قانونا تعد البنايات الحكومية من الاصول الثابتة التى لها قيمة دفترية واندثار والتى لايمكن تهديمها الا بعد شطبها من السجلات الحكومية الرسمية لاءسباب جائزة قانونا.
فى مقاربة محزنة لافتة اثارها الموضوع , وجدت ان وزارة الصحة  لم تبنى اى مستشفى كبير فى البصرة؟ قد اكون هنا غير دقيق تماماوارجو ممن يستطيع  تصويب ذلك ان يفعل والقضية هنا تثير الاستغراب , فمستشفى الموانىء بنته الموانىء والمستشفى الجمهورى بناه تجار البصرة فى العشرينات وكان اسمه تذكار مود ثم ابدلت التسمية فى الثلاثينات الى المستشفى الملكى فالجمهورى بعد   1958ومستشفى الفيحاء كان المستشفى العسكرى الذى بنته وزارة الدفاع فى السبعينات وكذلك الحال مع مستشفى الشفاء الذى كان اسمه مستشفى ابن ماجد وبنته القوة البحرية اما مستشفى الصدر التعليمى الذى وضع حجر الاساس له فى اواخر العهد الملكى ضمن مشاريع مجلس الاعمار الملكى العظيمة فلم يكن مقررا له ان يكون مستشفى اساسا وتوقف العمل به سنين طويلة ثم تقرر ان يكون مستشفى واعتقد ان من بناه وزارة الاشغال والاسكان وحتى مستشفى الاطفال الجديد فقد بنى من مساهمات  وجهات خارجية تبرعا وقد يكون الاستثناء الوحيد هو مستشفى ابن غزوان للاطفال وقد لايكون, وهذا هو واقع الحال والبصرة الان ربما تكون بحاجة الى خمسة مستشفيات كبيرة تماشيا مع عدد السكان المتزايد فى المدينة واقضيتها ونواحيها والمسوءولين عن الصحة اعرف بالحاجة الفعلية والقضية هنا تحتاج الى وقفة جادة  ومسوءولة نتمنى على المسوءولين فى الحكومة المحلية والمركزية ان يقوموا بها  والبصرة تستحق مثل هذه الوقفةوتطوير القطاع الصحى فى اغنى مدن الارض اضحى ضرورة ملحة , وظاهرة هدم المبانى الحكومية القائمة امر يستلزم المراجعة  والتروى فيه بل والتوقف عنه الا فى حالات الضرورة.
تحية لكل من عمل ويعمل بقطاع الصحة وتحية خاصة لكل من عمل بمستشفى الموانىء.
البصرة
[email protected]