26 ديسمبر، 2024 11:25 م

العودة للبيرية و ( البسطال ) لتوحيد العراقيين

العودة للبيرية و ( البسطال ) لتوحيد العراقيين

عندما بلغنا الثامنة عشر من العمر تم تبليغنا بوجوب مراجعة دائرة التجنيد لغرض الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية ، ولكوننا كنا طلاب التحقنا توا في الدراسة الجامعية فقد تم الطلب منا جلب كتب تأييد الاستمرار بالدراسة من الكلية ، ووسط طوابير طويلة في الانتظار كنا نراجع سنويا لغرض تأشير تأجيلنا لحين انتهاء الدراسة او تركها وكان هذا المشهد يتكرر سنويا ، وحين أكملنا الدراسة تم سوقنا لإحدى الوحدات في المحافظات لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية وكان اغلبنا من أهالي بغداد أما الآخرون فهم من أهل الجنوب والفرات وجميعنا من خريجي الكليات ، وفي الأيام الأولى لالتحاقنا تلقينا دروسا مملة في كيفية الالتزام بالانضباط العسكري الذي كان يسرق كثيرا من حرياتنا وحتى كرامتنا الإنسانية ، وكانت تنهال علينا عقوبات الهرولة والبروك والزحف والشناو بالجملة ، وكان رئيس العرفاء يتذمر من طلب معاملتنا بطريقة خاصة لكوننا من خريجي الكليات ( وفي حينها كان للبكالوريوس شان مهم في العراق ) ولكنه لم يكترث لطلباتنا فهو دائما يردد عبارته المعروفة ( خريج مريج يشرب في البريج ) ، ويبدو انه سأم من طلباتنا المتعالية فعقد معنا ضابط التوجيه المعنوي ندوة وقد عرفنا إن هذا الضابط الذي كان برتبة مقدم هو خريج إحدى الكليات العراقية وقد تطوع للخدمة للجيش بعدها لذلك استبشرنا خيرا بوجوده واعتقدنا بأنه سيتفهم طلباتنا المشروعة في تلبية بعض الحاجات الأساسية كوننا مثقفين ولكي لا تتم معاملتنا حالنا حال الأميين ، وفي ذلك اللقاء عرض مقدمات مفادها إن البرنامج التدريبي في العسكرية لا يأخذ بنظر الاعتبار المستوى الدراسي والاجتماعي وأية اعتبارات أخرى وأختتم محاضرته بمقولة لم أنساها أبدا في تعريفه للجندي وعندما سألناه عن الكرامة الإنسانية قال بالحرف الواحد ( انزعها في باب النظام ) ، وحين حاولنا مناقشته في هذه المفاهيم أشار إلى رئيس العرفاء فصاح الأخير ( انهض ) ونفذنا الأمر على الفور وعندها فهمنا الرسالة بان العسكرية ليس فيها هامشا للاجتهاد والاستثناء وفيها قدرا كبيرا من الالتزام ولكن فيها فوائد ومضار .
إن ما أعادني إلى ذكريا ت الخدمة العسكرية بحلوها ومرها ، هي الدعوات التي تتكرر منذ سنوات من قبل بعض السياسيين لإعادة الخدمة الإلزامية إلى الواجهة تحت مسمى المحافظة على الوطنية والمواطنة وكأن العسكرية العصى السحرية التي ستفعل فعلتها بعد أن أصبحت التفرقة منهجا للبعض في الحياة , فالمناصب توزع على المحاصصة والمذهبية والقومية وأحاديثها تتردد علنية في وسائل الإعلام وفي التفاوض الرسمي ، والسؤال الجدير بالطرح لمن يريد إعادة الإلزامية هل توجد معسكرات نظامية لأغراض التدريب والخدمة واغلب المقرات تمت حوسمتها وتحولت إلى مساكن ومولات ومقرات للأحزاب من باب الأمر الواقع ؟ ، ومن باب المعلومة الإحصائية فان معدل السوق سيكون بمعدل 500 ألف مشمول بالعسكرية سنويا فكيف سيتم ضمهم إلى الجيش وتوزيعهم على الوحدات وإدارة تجهيزاتهم وأرزاقهم وشؤونهم الإدارية وبلدنا لديه جيش يبلغ تعداده قرابة المليون من المتطوعين وهل العبرة في العدد الكمي أم في التدريب والتجهيز والعقيدة ، فاغلب الأسلحة التي يمتلكها جيشنا هي بندقية كلاشنكوف في حين إن الجيش الروسي ( مثلا ) لم تجرأ أمريكا ( وهي قوة كبيرة ) على التفكير في تهديده او مواجهته بعد أحداث أوكرانيا رغم إن تعداد الجيش الروسي لا يزيد عن مليون عسكري ، ونقول نعم ثم نعم إن للخدمة العسكرية الإلزامية بفوائدها الوطنية والتربوية وفي الذود عن الوطن ولكن حين تتوفر الظروف المناسبة لهذا النوع من الخدمة ، فجمع العراقيين من أطيافه الجميلة في معسكر واحد يتشاركون فيه الحب والولاء للوطن ويستفيدوا ما يستفيدون من تجارب في حياتهم لغرض صقل شخصية الشاب وإمرارها بمختلف الظروف أمرا حسنا ، وهذا يمكن أن يتم بعد أن يؤدي أصحاب الشأن من السياسيين ما عليهم من واجبات في جمع اللحمة الوطنية وإزالة الشوائب والمتعلقات ، وإذا كنا لم نجد أساسا للاتفاق لحد الآن على قضايا بالغة في الأهمية وتتعلق بالمصير رغم إن الجميع أبناء لهذا الوطن العريق وبيننا مشتركات في التاريخ والدين والرب فكيف يمكن أن يكون ما يجمعنا هي لغة ( البيرية ) و( البسطال ) .
وإذا تم تفعيل المادة الدستورية التي تجيز العودة إلى الخدمة العسكرية الإلزامية ، فيجب أن نمهد لهذا الموضوع بشكل متكامل قبل الشروع به وفي مقدمة ذلك تحديد العقيدة العسكرية بما يجعلها وطنية بالكامل ،فضلا عن تحديد المدرسة التي سيتم إتباعها فهل سنعود لكراسات التدريب التي أنتجتها المطابع العسكرية خلال حقبة النظام السابق أم المدرسة الأمريكية او الغربية أم مدرسة تتم صياغتها لملائمة وضعنا المحلي ، ناهيك عن توفير البنى التحتية من الأبنية والتجهيزات ومواد التدريب والأسلحة والاهم من هذا كله القبول الشعبي والقناعة بالخدمة الإلزامية لكي لا تبقى إطارا يتم من خلاله دخول وخروج الفضائيين وانتشار الفساد الإداري ومطاردة المتخلفين والهاربين منها ، ونود الإشارة هنا إلى إن واحدة من أمنيات العراقيين التي كانوا يتمنونها ووردت في شعارات ومسوغات القضاء على النظام البائد هي إزالة المظاهر المسلحة وعسكرة المجتمع والتوجه نحو البناء وتفعيل الاقتصاد واستثمار الثروات ، وما يتمناه الجميع أن ينعم شبابنا بالسعادة والرفاهية وان يكون لهم عمل وادوار ومهام وطموحات وأحلام ينتمون من خلالها للوطن ويطغي على مشاعرهم المواطنة بصورها الاختيارية لا بالإلزام ، وشبابنا بحاجة ملحة لقضاء اوقاتا جميلة ويتمتعوا بما حرمت منه الأجيال التي سبقتهم بسبب المغامرات والحروب بدلا من قضاء أشهر او سنوات من عمرهم في العسكرية والمعسكرات .
ملاحظة : سبق وان نشرنا وعلى هذا الموقع مقالة بنفس المحتوى في 30 آب 2014 ويبدو إن الموضوع قابل للتكرار

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات