منذ فترة أتابع كتابات السيد باسم العوادي باعتباره ناطقا رسميا بسم المجلس السياسي الإسلامي الأعلى , والتوجه الجديد الذي تحمله هذه الكتابات , حيث بات واضحا ابتعاد هذا التوجه عن رؤية المجلس للأحداث السياسية واقترابه من رؤية دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي , والمقال الأخير المنشور في موقع عراق القانون بعنوان ( الملف الأمني بين المالكي وبديله ) هو مصداق لهذا التوجه الجديد .
فالسيد العوادي يبدأ مقاله بسؤال منطقي عن أسباب زيادة عدد التفجيرات خلال الأسابيع الماضية , وكنت اتوقع منه أن يضع القارئ أمام الأسباب الحقيقية لهذا الانهيار الأمني الحاصل في البلد , لكن ما ان بدأت بقراءة الأسباب الثلاثة التي يعتقد أنّها وراء هذا الانهيار الأمني , حتى توّصلت إلى قناعة أنّ الرجل يلتمس الأعذار للمالكي وحكومته الفاشلة , والمقال فارغ تماما من أي سبب حقيقي لهذا الانهيار الأمني , وبالتالي لا يعدو كونه أكثر من تقرّب وزلفى للحاكم .
فالسيد العوادي يحاول أن يوهم القارئ إنّ أسباب هذا الانهيار الأمني تعود لأسباب خارجية أكبر من قدرة الحكومة في التصدّي إليها والوقوف بوجهها , وبالتالي فليس من المنطق والحكمة أن توجه الأحزاب الشيعية انتقاداتها للمالكي وحكومته باعتبارها لا تملك عصى موسى السحرية , وأي بديل للمالكي لن يفعل أكثر مما يفعله المالكي , فمن المجحف توجيه اللوم إليه وعدم الوقوف معه في مسعاه في تجديد ولايته للمرة الثالثة .
فاللعوادي أقول ولكل من أعمى بصره وبصيرته اللهاث وراء المنافع المادية والانتهازية , إنّ هذا الانهيار الأمني هو انعكاس طبيعي للعملية السياسية الفاشلة وحكومة المحاصصات الطائفية والقومية , وسقوط ذريع للإسلام السياسي وأحزابه الحاكمة , ونهاية حتمية للاستقطابات الطائفية التي أوصلت هذه الأحزاب الطائفية لهرم السلطة .
وإنّ الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا الانهيار الأمني هي :
1 / القرارات الخاطئة واللامدروسة التي أدّت إلى تفجير الوضع الأمني واندلاع التظاهرات في مدن الغرب العراقي والتي أدّت إلى تصعيد الخطاب الطائفي واستغلال هذا الخطاب من قبل الجماعات الإرهابية والمتطرفة .
2 / الصراعات السياسية بين رئيس الوزراء وباقي الأطراف السياسية والتي انعكست بشكل مباشر على الوضع الأمني في البلد .
3 / انفراد المالكي بإدارة الملف الامني وتسليم هذا الملف بيد قيادات غير مهنية وغير كفوءة وغير نزيهة .
4 / البناء غير السليم للأجهزة الأمنية القائم على اساس المحاصصات الطائفية والقومية وعدم اعتماد معايير الكفاءة والمهنية في بناء هذه الاجهزة مما أدّى إلى تغلغل عناصر النظام السابق من خلال هذه المحاصصات واتخام هذه الأجهزة الحسّاسة بضباط الدمج غير المهنيين .
5 / ضعف الأجهزة الاستخبارية وعدم اعتمادها على على الأساليب العلمية الحديثة والكفاءات المتخصصة في هذا المجال وتفشي الفساد في بنية هذه الاجهزة .
6 / عدم تسمية وزراء الدفاع والداخلية والأمن القومي والاعتماد على وكلاء غير قادرين على إدارة هذه الوزارات .
7 / انعدام البرامج الاقتصادية وتفشي ظاهرة البطالة بين الشباب مما جعل هذه الشريحة الفاعلة في المجتمع عرضة لإغراءات القاعدة والمنظمات الإرهابية المتطرفة .
8 / تفشي الفساد المالي في مؤسسات الدولة وتسرب أموال هذا الفساد لتغطية جزء كبير من نشاطات هذه المنظمات الإرهابية , وانعدام الإرادة الحقيقية والبرامج في معالجة هذا الفساد .
فالقفز فوق هذه الأسباب واختزال هذا التدهور الأمني بالوضع في سوريا والوضع الإقليمي والدولي وإهمال الإدارة الأمريكية بقيادة أوباما للملف العراقي بأكمله , هو محاولة بائسة لإيجاد التبريرات اللامنطقية للحكومة والاجهزة الأمنية الفاشلة , فإذا كانت كل هذه الإمكانات المادية والبشرية وهذا العدد اللامعقول من الأجهزة الأمنية والاستخبارية غير قادر على حفظ أرواح الناس وممتلاكاتهم وأعراضهم , فالأولى برئيس هذه الحكومة تقديم استقالته ورمي المسؤولية عن كاهله , إن كان حقا معنيا بالناس وأمنهم , وللأسف الشديد أقول للسيد باسم العوادي لقد ركبت القطار الخطأ , والذي تلتمس الأعذار له يتحمل هو شخصيا كامل المسؤولية في كل ما يحصل من انهيار أمني وتردي في كافة الخدمات وما يحصل من نهب منظم للمال العام .