العنوسة…هذه الكلمة الخالية من المعنى الفقيرة في اللغة هي الشبح الذي يطارد فتياتنا منذ عمر المراهقة…فلا يكاد يخلو مسلسل تلفزيوني او فيلم سينمائي عربي من شخصية الفتاة العانس…ويتفنن كاتب السيناريو والمخرج في رسم ابعاد تلك الشخصية البغيضة.. فهي غالبا ماتكون قبيحة.. ولئيمة وحاقدة على المجتمع… متزمتة الطباع وشريرة…ولا اغالي حين اقول انها قد تكون العدو الأول لأبطال ذلك العمل الفني وخصوصا العاشقين الذين يعانيان الأمرين بسبب تلك العانس الشقيقة او العمة او الصديقة….وقد تذهب برامج اخرى مذهبا أخر… فتصورها في إطار كوميدي ساخر كأمرأة مجنونة تطارد الرجال اينما حلوا.. باحثة بيأس عن
عريس مرتقب…؟؟؟
هذا هو الإعلام الشرقي وهذه هي المثل التي نحاول غرسها بصورة مباشرة وغير مباشرة في نفوس فتياتنا…فننمي لديهن ذلك الحس الداخلي بالخوف بل الرعب من مخلوق خرافي اسمه العنوسة….
وطبعا اتحدى ان نجد في اي برنامج او فيلم غربي افكارا مماثلة للنساء اللواتي فاتهن قطار الزواج….ماذا….؟؟؟؟؟؟…. ما الذي قلته للتو….”قطار الزواج “….ومتى كان للزواج قطار محدد المواعيد والمحطات كي تتوقف عندها فتياتنا صفا…فخلال دراستي الاكاديمية والتي استمرت أكثر من عشرين سنة لم اسمع عن وسيلة نقل اسمها قطار الزواج…ولا في اي عمر محدد علي ان أبدأ بإنتظاره…ومتى ايأس تماما من قدومه ؟
اليس الزواج بحد ذاته هو ألفة ومحبة بين شخصين…فما دخل الزمن والقطار وتذاكر اللاعودة
تلك في هذا الموضوع…إن استخدام كلمة قطار الزواج في مجتماعتنا يلغي كل المفاهيم السامية المتعلقة بالزواج كإتحاد روحي بين جنسين…ولايتبقى سوى مفهوم واحد هو الإنتظار على ارصفة الملل حتى يهل ذلك القطار بطلعته البهية.
إننا وبأفكارنا تلك نمسخ الأنثى تماما….ونختزل دورها في الحياة الى مسافرة فقط في قطار بليد….وكأن فكر المرأة وثقافتها وعملها لايساوي شيئا امام تذكرة الصعود على متن قطار السعادة ذاك….
نحن …ونحن فقط من نصنع اصنامنا…واشباحنا…وخزعبلاتنا….ثم ندعو الى تفنيدها من على المنابر وفي قاعات المحاضرات….
أكبر إمتهان للمرأة الشرقية…هي كلمة عانس…والتي لم أجد لها مرادفا مقنعا في اللغة الانكليزية… فلا وجود لهذه الكلمة المقيتة ..ضيقة الأفق ومحدودة
المعاني في الحضارات الغربية…ولكنها تزدهر في اوساطنا الشرقية….فهي مسمى كاسح…في اوراق اللعب…يكتسح كل الصفات الحميدة الأخرى…فأنثانا الغير متزوجة…ليست استاذة…ولامهندسة ولاطبيبة…بل هي عانس وحسب…
كلمة….نفرضها….نعممها…ونطالب فتياتنا بالتصرف بموجبها…فالضحكة غريبة….والأناقة مستغربة…والحياة مقيدة في نطاق تلك الكلمة وعلى رنين احرفها الأربعة…بل جدرانها الأربعة التي نسجن بداخلها كيان كامل من البذل والعطاء…وروح سامية وهبها الله تعالى لتلك المخلوقة التي يبدو انها لاتستحقها لأنها عانس..
فهل دور الفتاة في مجتمعنا…وتاج انجازاتها هو العثور على من يرتضيها زوجة له….سواء أكانت زوجة اولى او ثانية…سرية او علنية.. المهم فقط هو من يرتضي ان يقطع لها تلك التذكرة المقدسة …لتركب
قطار الزواج مسافرة الى السعادة….او التعاسة….لافرق….المهم هو إنها ركبت.. قبل المحطة الأخيرة.