23 ديسمبر، 2024 12:18 ص

العنف وكأسك ياوطن  !!

العنف وكأسك ياوطن  !!

رغم جذور المهاتما غاندي الهندوسية العميقة، الا انها لم تكن مرجعيتة لثقافة اللاعنف التي رفع لوائها , ففي عقيدته ان ( الكرشنا) وهي تجسيد الله في الهندوسية, تدعو صراحة للحرب ” خذ سلاحك وشن الحرب ” ولا تقابل السلم بالسلم كما هو شائع . فعندما قرأ غاندي التراث الهندوسي ,استثنى منه كل مفاهيم القتل والكراهية وجعل الهندوسيه عامل استقرا لدولة يقطنها مئات الاثنيات.
 الايديولوجيات عند غاندي تتنافس مع الدين في فرض نموذجها الثقافي على الجماعات البشرية سواء المستعمرة ايدلوجيا” او التي يُبشر فيها لدين جديد، اذْ كلا الطرفين يمارس العنف بطريقته الخاصة، ولكن الاديان في رايه أكثر نفاقا” عندما تدعو الى السلام واللاعنف وفي نفس الوقت لا تتوانى عن بربرية لا متناهيه مع المخالفين.
 تقوم فلسفة اللاعنف عند غاندي على مبدا ” إرادة حُسن النية حيال كلِّ حي، او غياب لكلِّ سوء نية حيال كلِّ حي”. فالإنسان بطبيعته خير بالفطرة وشرير ايضا” بالفطرة، هذه الثنائية المتواصله هي التي تجعله حرا” في اختيار الخير كما هو حرا” في اختيار الشر.
يقول رونيه جيرار، ان الانسان لا يرى نفسه الامن خلال الاخر، رغم ان اللقاء الاول مع الاخر، يمر في ثلاث مراحل، سيكون نزاعيا” اولا”, ثم محايدا” بسبب ثقافته وقوانيه, ثم شريكا اذا التقت المصالح بينهما. ولذلك المجتمعات البشرية في لقاءاتها الاولى لم تكن تعرف المشاركة، حتى لو كانت هناك بدائل في مواضيع الصراع كالماء والكلأ. فالإنسان يستبطن في ذاته نفس الرغبة التي يحملها الاخر لشيء ما، وهذا ما نراه بوضوح في صراع الاطفال على الالعاب رغم وجود لعب اخرى. يقول غاندي ان الخوف في مواجهة الاخرين يضعنا امام خيارات صعبه هي اما الهروب او الاذعان (كعلاقة العبد للسيد حيث ينتهي النزاع وهذا ما يسمَّى بالسلام الاجتماعي) او يثور ويعني الصدام، اما الخيار الاخير وهو الحوار والاتفاق والمشاركة في المصالح، فهي اللغة التي يسميها باللاعنف.
 في احد الايام وبينما كان غاندي طالبا” في بريطانيا صعد الى عربة الدرجة الاولى، والتي كانت محظورة على الملونين ,وعندما طُلب منه المغادرة رفض, فتم رمي امتعته خارج القطار, وأهين بفظاعة امام مئات المسافرين. هناك تبلورت فلسفة اللاعنف في روحه فأدرك انه وجماعته الملونين لا خيار لهم في هذه المواجهة الا المقاومة الناعمة، لان العنف سيقضي بلا رحمه على عزيمة الصمود. فكان نموذجا” ل نيلسون مانديلا ومارتن لوثر كنغ.
يقول جورج لا بيكا ان “الفروق القديمة بين العنف الشرعي والعنف اللاشرعي تم تحريفها باستمرار عن طريق مركزية الإرهاب في أنظمتنا. فالخيارات الشعبية المعاصرة واقعة بين خياري لينين وغاندي, ويبدو ان الخيار الاول لا يحتاج الى تعبئة منهجيه في الطروحات فقط اطلاق العنان لجنون الغرائز المتوحشة.
طبل الكثير من المتفائلين في الوطن العربي لحركة الاحتجاجات في مصر واليمن وسوريا وتونس واطلقوا عليها اسم الغانديه الجديدة, واخذوا يمنون الخيال, ويجادلون وسائل الاعلام الأجنبية بالمظهر الاستثنائي لساحات الاعتصام والتظاهر, حيث بدأ الكثير من مفكرينا بنبش الأفكار الغاندية من جديد والبحث فيما اذا كانت قابله لان تكون وسائل للتغيير السلمي عند العرب , وقراءة مدى نجاعتها في بدايات الربيع العربي.. حتى بلغ بالمتفائلين درجه من الخيال الى التنبؤ بسقوط العسكراتيه العربية ودخول المجتمعات العربية القرن 21
في الحقيقة إن اللاعنف مارسته الجماعات البشرية منذ زمن قديم. ولكن المتغير الديني في المجتمع العربي قلب الطاولة على المراهنين على اللاعنف العربي. حيث تحول من اسلوب لتحييد عنف الاخر واجباره  اما على الحياد او التنازل الى مرحله من مراحل التصعيد التي لانهاية لقسوتها في الذاكرة العربية.
لم تحتاج الثورة السورية زمنا” طويلا” لتنطلق اول رصاصه بوجه الدولة السورية من الجامع العمري، وكذلك في مصر من جامع رابعه العدوية، وفي اليمن وفي اغلب الدول العربية. بحيث اصبح الدين في الثورات العربية يحتضن ما تبحث عنه الشياطين، وكان الله لم ينزل السكينة وروح السلام في الجوامع كمنابر للسلام. لذلك إن جدلية العقيدة والسلوك تبقى محل شك فيما يتعلق بمدى انضباط العربي في تبني اخلاق الشرائع. فلم يجتمع على طول تاريخ المسلمين هذا العدد الهائل من البشر في عبادة الشيطان دفعة واحد، فمن قتال بين المذاهب في العراق وسوريا. وبين قتال بين الأخوة في ليبيا. وقتال دول مسلمه مع  دوله مسلمه اخرى كما في اليمن, وكم كنا سذّجا” عندما كنا مسخر من غوار الطوشه في خيمته وهو يسشترف المستقبل وكانه يقول لااوطان مع العنف الذي اينع في الذاكره.
 ومن يقول ان اللاعنف رسالة الله في الارض ولم يفهمها العرب لن يصدقه أحد.