23 ديسمبر، 2024 2:59 م

العنف في الشخصية العراقية

العنف في الشخصية العراقية

العنف باعتباره مجموعة من العوامل، يمكن أن تسهم في دفع الفرد الى ارتكاب العنف أو اللجوء إليه. ترجع الى ثلاثة مصادر أساسية ـ كما يشير الباحثين ـ تعمل مجتمعة على إنتاج وإعادة إنتاج ما هو سائد في مجال السياسة والدين المتطرف والاقتصاد والأسرة والثقافة من عنف وإكراه.
الأول: العائلة
على الرغم من أهمية الوظائف التي تقدمها العائلة، ألا أن جزءا كبيرا من العنف الاجتماعي و إعادة إنتاج القهر والتسلط والعبودية يتقرر داخل إطارها. أولى هذه المصادر العلاقات العمودية التي تستند الى بنية التسلط. تعتمد على الفلسفة العقابية في عمليات التنشئة، وفي تغييبها للعلاقات الدافئة القائمة على المحبة والرعاية وعدم التمييز بين الأبناء.
الثاني: ثقافة المجتمع
لا يمكن تفسير ظاهرة اجتماعية من دون تتبع جذورها داخل الأطر الثقافية التي أفرزتها، لما للثقافة من أثر في تشكيل شخصية الفرد وتحديد استجاباته على وفق منظومة من المعايير التي تفرزها الثقافة. العنف مكتسب، إذ إنه لا يظهر إلا لدى الإنسان ابتداء من اللحظة التي تتخطى الطبيعة ذاتها. فالثقافة التي يعيش في كنفها الأفراد تحمل الكثير من صفات العنف، كما أنها تشجع على ارتكابه لما تنطوي عليه من عناصر يمكن من خلالها تحديد أوليات بناء الشخصية وعناصر تشكلها. 
مثل القيم ذات الطابع التنافسي والمادي، تقاليد الصراع، التعرض لعقائد متطرفة. كما تتضمن ثقافة المجتمع الأنظمة التربوية التي تمثل قنوات لتمرير عناصر الثقافة بما فيها تلك العناصر ذات الطابع العدواني.
الثالث: تناقض الأنظمة الاجتماعية
كثيرا ما يوصف العنف بأنه استجابة لمجموعة من التناقضات البنائية، التي تعكس خللا في الأداء الوظيفي للنظام الاجتماعي. تتمثل هذه التناقضات، بمجموعة العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تعمل كضواغط تتعدى استعدادات الفرد للتكيف، ترشحه لأن يسلك بطريقة عدوانية. من هذه العوامل: غياب عدالة التوزيع واضطراب القاعدة المعاشية الناشئ عن البطالة والتضخم الاقتصادي أو انخفاض القوة الشرائية وغيرها؛ العاجزة عن إشباع حاجات الأفراد، مما يدفعهم الى تهديده وتحديه.  
الشخصية الفردية العراقية، تقريبا، تقع بين طرفي نقيض؛ العنف والسلم، الاعتدال والتطرف، الطيبة والمطالبة، الأمن والتهديد.. هكذا في علاقاتها بين الذات والآخر! هي ظاهرة طويلة الأمد، تضرب جذورها في القدم، تختفي، لكنها لا تزول، تظهر بين فترة وأخرى كلما ظهرت لها مشجعات ومحفزات.
فيما يتعلق بالعنف، فإن الشخصية العراقية المعتلة تتغذى من:
1ـ ما يحمله الماضي من أساطير، قصص وروايات، فنون تثيرها المنحوتات والمسلات الرافدينية وشعر الحماسة والتفاخر بالأنساب والبطولات الملحمية القبلية..موجودة في المناهج المدرسية ومسلسلات رمضان..الخ.
2ـ قيم البداوة والريف والمناطق الشعبية في المدن المتسربة الى الشخصية عبر حركة الزمن الذي يشجع القوة لأغراض الحماية ومواجهة الأخطار الخارجية والمحيطة الداخلية من القبائل والنخوات العشائرية، أما التصرفات المدينية فانها تعتبر العنف من قيم التغالب و(السباعية) وموجودة في التمثيليات المحلية والقصص والشعر الشعبي والمثل الشعبي.
3ـ صراع مناطق الوفرة والفقرة من الناحية الاقتصادية، التي تنتج أيدي عاملة معطلة أو منحرفة أو شيوع قيم الحروب والانقلابات والاحتلال المدمر التي أفرزت نموذجا من المواطنين يدعى (الحواسم) و أفرادا ومجاميع من الإداريين نفعية وسيلتها المتاجرة بالأرواح والسلاح وعطلت الأدوار الرقابية في المجتمع.
 4ـ هجرات الإنسان العراقي المتعددة في الداخل و الخارج، لمختلف الأسباب، ومغادرة الكثير من النشاطات التجارية القديمة والاتجاه الى الحديثة، حتى لعب الأطفال العنيفة وأقراص  CD ، جعل الشخصية تحتك بالأخرى، تمتص منها وتغذيها.
5ـ وسائل الإعلام من التلفزيون وشاشات السينما والموبايل والأنترنت والصحافة وغيرها، التي تنقل الحدث العنفي، تعرضه وتزيده انتشارا واستسهالا في حال التطبيق.
 ناتج هذه العوامل، شخصية عنيفة، اتبعت طرق للحصول على المال لإشباع الغرائز والنقص. تسرق، تنهب، تقتل وكلما اشتدت، تقابلها المؤسسات الرقابية بالضعف مثل: انفلات الأمن وغياب القانون وضعف الضمير وانحلال قيم العشيرة والعقيدة والعادات والتقاليد.
هكذا، تبدأ هذه العوازل تنهار عن الشخصية،.. على الرغم من وجود فئات عقلانية تدفع الثمن وتشترك في هذا الصراع المرير والمدمر، رغم عدم استطاعتها جمع وسائل العنف ورميها في البحر، طبقة مثقفة تقف بالكلمة والالتزام لمواجهة عصف هذه الظاهرة، تتحدث وتكتب لكن لا يكفي!.