مقدمة :
اسمحوا لي أن أبحث في هذا الموضوع ، بعيدا عن كل السياسات وعن كل أيدولوجيات الأحزاب و بعيدا عن كل برامج الأنتخابات الرئاسية ، وبعيداعن كل عمليات التصويت بالتأييد او بالرفض لبعض الأفراد الذين لا يقارنون كقيمة بأهمية النشء ودوره المستقبلي ، وبعيدا عن كل الحروب والصراعات وعن كل التكتلات السياسية … بعيدا عن كل هذه المحاور التي أتعبت العالم وأتعبتنا بالخصوص نحن العرب الغارقين بأرض قفراء / لا ماء بها !! لانه غير مستغل بالشكل المطلوب ، الأن وجب علينا أن نقف لحظة صدق حقيقية مع دورنا الذي أهملناه تجاه النشء ، هذه الزهور الندية التي حاصرتها النكبات من كل جانب وصوب .
هذا النشء هو أول المكونات في بناء أي حضارة ، وكل التراكم العلمي والثقافي والأجتماعي يبدأ منه ، و أن
الأهتمام به والعمل على شحنه بكل وسائل المعرفة والثقافة سوف يقود الى بناء الركيزة الأساسية لبناء الدول و الأمم ، وليس من أمة متحضرة ، يعمل أحداثها / بورش السيارات ، توزيع الجرائد ، والأستجداء عند أشارات المرور … كمثل ما يحدث في الكثير من بلداننا العربية !!
ولغرض الدخول الى السلبيات والأيجابيات المتعلقة بالأهتمام بالنشء ، لا بد لنا أن نبين المراحل الأولية للتكوين
المجتمعي للنشء لما له من أهمية في هذا الصدد ، ولتكون مدخلا لهذا البحث المختصر :
التوجيه والتربية :
بشكل عام تضم هذه المرحلة المحاور التالية :
*الأسرة :
تعتبر هذه المرحلة نقطة البدأ الأولي ، وهي تعتمد وبشكل رئيسي على دور الأم ، وذلك لما لها من دور مهم
للطفل في نشأة الطفل بالتحديد ، وهو يرتكز على جانب التوجيه / الأولي ، من ناحية الأعتماد على النفس
في نواحي عديدة منها / المآكل والمشرب والأمور الحياتية الأولية الأخرى ، وهي تمتد للسنوات الأربع الأولى من حياة الطفل ، وأن أهمال العملية التوجيهية الأولية ، تجعل من الطفل أن يبتعد عن الأنسجام وينفر من التأقلم لكل الأفعال الحياتية لاحقا . لذا أرى أن وجود الأسرة في حياة الطفل / والأم بشكل خاص ، هي من أهم العوامل التي يجب أن نتبه أليها ، وأن أي فصل بين الأثنين / الأسرة والطفل ، يقود الى أمراض نفسية لاحقة تؤثر على سلوك الطفل المستقبلية ، لذا أن دور الأم هو أكثر من أساسي في هذه المرحلة .
*رياض الاطفال :
نستطيع أن نقول أن بداية مرحلة تشكيل الشخصية الأولي / حسب رأي ، تبدأ بالظهور من هذه المرحلة ولغاية الست السنوات الاولى ، وتتبين للطفل في هذه المرحلة الكثير من الأمور ، من خلال قضاء وقته مع لعبه وأغراضه ، وأقباله على لعب معينة دون أخرى ، أندماجه مع جنس دون أخر . أضافة الى ظهور مؤشرات معينة في السلوك ، كأنعزالية الأطفال ، أو أندماجهم مع أطفال معينين دون أخرين ، كما تظهر لديهم بعض الممارسات العدوانية أو الودية وغير ذلك .. هذه المرحلة بالرغم من أهميتها فأنها تتصف بعدم الوضوح الكامل ، وذلك لعدو وجود أدراك تام ووعي واضح ، وذلك لضبابية بعض الممارسات التي قد لا تجد سببا أو مبررا لها في بعض الأحيان ، ولكنها ضرورية في رسم الخطوط الأولية للشخصية . فمن الضروري العمل على وجود مؤسسات تعني بالأطفال بهذه المرحلة ، من أجل تواصل المرحلة الحالية مع المرحلة التي سبقتها / الأسرة و المراحل اللاحقة ، ويجب عن الشرخ الزمني بين المراحل ، ان مرحلة رياض الأطفال لها فعالية مهمة في عملية تهيئة الأطفال بشكل جدي للمرحلة التعليمية اللاحقة .
* مرحلة الدراسة الابتدائية :
هذه المرحلة تنتهي بشكل عام بعمر 12 عاما ، وهذه المرحلة مهمة ، لأنها تضم خلاصة التوجيه الأسري أضافة الى مرحلة رياض الأطفال / التعليم الأولي ، كل هذه يشكل مؤشرات وأنطباعات مهمة على السلوك الأنساني / تنطبع في العقل الباطن ، وفي أغلب الأحيان أن الضبابية تبدأ بالذوبان في هذه المرحلة لتتبين للنشء الكثير من الأفكار والمبادئ الأولية ، وتترسخ أيضا في هذه المرحلة الكثير من الأفعال كالأيمان والشعور بالمسؤولية وفق نطاق محدد ، وتتحدد لبعضهم بعض المؤشرات التي تتعلق بالمستقبل ، لذا وجود المؤسسات التعليمية له دور مهم في هذه المرحلة ، ومنها يبدأ الأنطلاق الحقيقي للمراحل الدراسية اللاحقة ،
وأن حرمان النشء من المدارس ، قد يحيلهم الى عناصر طفيلية على المجتمع ، وتستكمل بعض مؤشرات بناء الشخصية في هذه المرحلة أيضا .
السلبيات :
في عالم اليوم الكثير من الممارسات اللاأنسانية والغير حضارية تجاه النشء الجديد ، هذه الممارسات تكشف عنها عمليات الحروب والتطاحن والتطهير العرقي والتهجير والترحيل والأضطرابات … ، كل ذلك وغيره يلقي بظلاله السوداء على هذه الأجيال ، وذلك لأن أي عملية مس بهذه الأجيال ، يعني حرمان الأنسانية من طاقات خلاقة يمكن أن تتفجر في المستقبل لو توافرت لها الأمكانيات والظروف المناسبة ..
ومن السلبيات التي يتعرض لها النشء / على سبيل المثال وليس الحصر ، الأتي :
النكبات ، وتحت هذا الباب تدخل الكثير من الأمور التي تلحق بالقرى والمدن والبلدان ، وهي تتمثل بأوجه مختلفة منها الحروب ، المشاكل العرقية والأثنية ، الترحيل و التهجير ، وبعض المشاكل الطبيعية كالجفاف والقحط والفيضانات … وغيرها من النكبات التي تتعرض لها البلدان والتي يكون النشء أول المتأثرين بها ، وتلقي هذه النكبات بتأثيراتها السلبية على النشء ، التي تتمثل في فقدان المأوى/السكن الدائم و ما يتبعه من حرمان التعليم والصحة ..
التلقيحات الوقائية ، ونلاحظ حكومات بعض البلدان تهتم بالعاصمة و مراكز المدن فقط ، ولا تعتمد التغطية الصحية الجغرافية الشاملة ، لهذا تفتقر الكثير من القرى والأرياف وحتى المدن الصغيرة لبعض البلدان للكثير من الأهتمام الصحي ، التي يأتي في مقدمتها تلقيحات .. الحصبة ، الجدري ، التيفوئيد ، ألتهاب الكبد الوبائي ، شلل الأطفال ، السحايا والسل والكزاز .. وغيرها . أن الأهمال أو النقص أو فقدان العناية الصحية يقود بالمحصلة الى القضاء على أجيال كاملة ، ويؤثر في تفاعلاته الثانوية على مرحلة النهوض المستقبلي لأي مجتمع ، وسيخلق مجتمع مريض / معتل .
تشغيل الأحداث ، هذا الأمر يعتبر أغتصابا لجيل كبير من النشء ، ويعمل على زجهم في محيط مملوء بالسلبيات بعيدا عن ممارساتهم الطبيعية للحياة الأعتيادية ، الأمر الذي يؤدي الى أنحراف في السلوك العام ، وزيادة في في نسبة الأمية ، وتحمل الحدث للمسؤوليات الحياتية في سن لا طاقة له عليها ، كما قد تجره في كثير من الأحيان الى التورط في كثير من الممارسات غير الأخلاقية ، وممكن أن تقوده الى تعاطي المخدرات والمسكرات / الكحول ، وغيرها من السلبيات ، هذه الأمور تبعد النشء عن الدور الأجتماعي المناط به .
الحالات الأجتماعية العائلية / غير المستقرة ، قد تقضي بعض حالات الأختلاف بين الأبوين على مستقبل الأبناء بالكامل خاصة اذا تمت والأبناء في مرحلة الطفولة ، وهناك الكثير من الحالات في هذا الشأن ، لذا تقع على الأبوين مسؤولية كبيرة من أجل أكمال مسيرة الأبناء بعيدا عن كل الخلافات الزوجية ، التي قد تجر الى كوارث مستقبلية لا يمكن التنبوء بها ، وأن حل المشاكل الزوجية عقلانيا يوفر مناخا صحيا يبعدنا عن المصاعب التي يستحيل معالجتها مستقبليا ، وفي هذا الصدد من الممكن القول أن حالات الزواج الناجحة توفر مناخا صحيا للطفولة البناءة .
الأيجابيات :
أن لعملية الأهتمام والرعاية بالنشء والتي تشمل التوجيه والتربية والتعليم من خلال الأسرة والمؤوسسات التربوية الكثير من الانعكاسات الأيجابية والفعالة على سلوك النشء ، ممكن تلخيص أهمها في الأتي / على سبيل المثال وليس الحصر :
1. رسم الشخصية ، أن الأهتمام بالنشء / بالطرق القويمة ، يساعدهم على عملية رسم صورة واضحة لشخصيتهم وتكون هذه أداة مهمة في تحديد مستقبلهم في المراحل اللاحقة ، خلاف الحالات الأخرى التي تهمل النشء وتغفل الأهتمام بهم مما يؤثر على نمو شخصيتهم ، وترسم صورة سوداء قاتمة لهم ، تقودهم الى مستقبل عقيم تنعكس مؤشراته على المجتمع .
2. الوقاية من الأنحراف ، أن عملية الأهتمام بالنشء / بشكل عام ، تقود الى عمليات وقائية مهمة تبعد النشء عن الأعوجاجات في السلوك في الحياة العملية ، وهذا أمر مهم ، حيث أن السلوك القويم في المراحل الأولية منه يقود الى تفاعلات فعالة في المراحل الثانوية ، تتسم بالايجابية تجاه التفاعلات الحياتية ، وتجعله واعيا ومدركا تجاه أي أنحراف من الممكن أن يتعرض له ، كما أن الأنحراف يؤدي الى نتائج سلبية لا يمكن السيطرة عليها لاحقا ، لانها تكون قد ترسخت في عقلية النشء وتركزت في الوقت ذاته بالمكونات البنائية لشخصيته .
3. خدمة الوطن ، التعليم الجيد والوعي والشعور بالألتزام ، يقود الى خلق أجيال تتحمل مسؤوليتها الأجتماعية ، أضافة الى تملكها لحس وطني عال تجاه قضايا الوطن ، فكيف تشكل الجيوش / مثلا أذا كانت اللبنات الأولى للمجتمع غير واعية ، مغيبة ، منحرفة السلوك وبلا شعور أدنى للمسؤولية ، وكيف تدافع هذه الأجيال / المستقبلية ، عن قضاياها أذا كانت أصلا لا تعرف المسؤولية الأجتماعية تجاه عوائلها وتعيش عالة عليها وعلى المجتمع ، لذا أرى أن المؤوسسات تزرع التعليم و التعليم يزرع الوعي ، والوعي يزرع بذور الوطنية .
4. أن النشء الموجه جيدا أسريا و الذي توعيته كانت أيجابية والمحصن دراسة ، يكون بعيدا عن كل الأنحرافات التي يلجأ أليها شيوخ ودعاة الفتنة من خلال دعوات فتاوى الجهاد التي يتورط بها شباب الأمة .
كلمة لا بد منها :
أن النشء الواعي المبني على أسس قويمة مجتمعيا ، سيخلق أجيالا لاحقة خلاقة ، وسيؤسس لمجتمع منتج مستقبليا ، ويؤسس أيضا لقاعدة متينة للمواطنة الصالحة ، كل هذا وغيره يضع البذور الأولى لعملية النهوض المستقبلي ، والذي بدوره سينقل المجتمع من المرحلة السلبية الضبابية الى مرحلة مجتمع بان لوطن أمن و مستقر .