23 ديسمبر، 2024 12:52 ص

إضطراب إدراكي وخيم يتسبب بتداعيات خطيرة تصيب الأفراد والمجتمعات والأمم , وهو نوع من الوهم الذي يتسيّد على الرؤى والتصورات ويسوّغ ويقرر السلوكيات المتصلة به.
ويصيب الأحزاب والمجموعات والفئات والحركات العقائدية ويؤدي إلى موتها ودمارها , فالحزب الشيوعي الروسي قضى عليه العمى العقائدي , وكذلك أحزاب أخرى كثيرة , لكن الحزب الشيوعي الصيني نجا من العمى العقائدي لأنه مال إلى الواقعية أكثر منه إلى العقائدية , فكانت خطواته وقراراته مبنية على دراسات وأبحاث وإستنتاجات عملية واضحة.
والعمى العقائدي يتأكد في الأحزاب الدينية ويجعلها أخطر الحركات ويدفعها إلى إرتكاب أبشع الجرائم والآثام لأنها عمياء تماما , ولا ترى ما تقوم به إلا أنه الأفضل والمعبر الأصدق عن عقائدها مهما كان نوعها.
فالأحزاب الدينية والعقائدية الأخرى لا ترى ما تقوم به من جرائم ضد الإنسانية على أنها سلوك خاطئ أو غير صحيح , وإنما تجد لها ألف مبرر ومبرر في عقائدها , ولهذا تراها تقوم بما يتنافى مع أبسط القيم والمعايير والمبادئ التي تنطق بها وتنادي بإتباعها , فتقدم على أعمال وحشية لا مثيل لها على وجه البسيطة , لأنها ترى في ذلك تعبير أصدق عن عقيدتها.
فلا يمكن مواجهة الأعمى عقائديا بما يقوم به , لأنه يحسب عمله واجب ومن ضرورات عقيدته , ولهذا تجدنا أمام سلوكيات شنيعة حمقاء في جميع هذه الأحزاب والحركات.
فهي صاحبة الحق الأوحد والحقيقة المطلقة , وغيرها على خطأ وهو الآثم والمجرم , وهي التي تقيم العدل وتصنع الحياة الحرة الكريمة الصالحة وتنفذ أمر ربها بخلقه الفاسدين , والآخرون الذين يعارضونها يريدون حياة ذات آثام وخطايا ومظالم.
وهو ذاته منطق جنكيز خان وهولاكو وجميع القوى والأحزاب التي فتكت بالبشرية على مر العصور.
فجرائم الإبادة الجماعية لا تُعتبر جرائم في نظرها , والإعتداء على حقوق الآخرين تبرره بما عندها من هذيانات عقائدية.
وهذا ينطبق على بعض القوى الإقليمية التي لا ترى أي سوءٍ فيما تقوم به في غير بلادها , بل تجده تعبيرا صحيحا عن عقيدتها , فلا يمكن أن تواجهها بما تقوم به , لأنه من صلب عقيدتها وتبرره بقوة بخطابات وتصريحات وفتاوى عقائدية صرفة , ولهذا فأن الذي يعترض على سلوكها يعتبر عدوا ومتطاولا على وجودها وقس على ذلك.
ووفقا لمعطيات التأريخ فأن العمى العقائدي يردي أصحابه إن عاجلا أو عاجلا , ويأخذهم إلى نهايات وخيمة , كما حصل للنظام العقائدي في العراق وليبيا وغيرهما من الأنظمة التي تهاوت على عروشها في لحظة حامية من الزمن.
فهل من واقعية بدلا من العقائدية؟!!