23 ديسمبر، 2024 12:58 م

العمل السياسي في العراق : بين مفهوم التيارية والحزبية ..

العمل السياسي في العراق : بين مفهوم التيارية والحزبية ..

لكل دولة من الدولة أداواتها الخاصة في إدارة وتنظيم شؤون أفرادها, ومع تعدد الملفات التي تضع الدولة عليها اليد, الا أن عملية التنظيم هي الأساس الذي تبتني عليه أسس الدولة المعاصرة, فالعمل السياسي, أو ما أصحب يطلق عليه ب”الفعل السياسي”, إنما يمثل في حقيقته مجموعة من المبادئ والرؤى والتصورات, التي تبنى من خلاله الظاهرة السياسية . والمجتمع الذي يستطيع نظم نفسه سياسيا, يستطيع أن يدير نفسه بنفسه, ويستطيع أيضا أن يسعى في طريق الحصول على مفهوم التكامل .
    وبمرور الزمن, صاغت تراكمية الأحداث السياسية, والخبرات الناتجة عنها, مفاهيم ومصطلحات عديدة, كان لها أثرا واضحا في منهجة المفاهيم والممارسات السياسية; وأعتقد أن من أهم هذه المفاهيم السائدة الآن في وقتنا الحالي, والتي يقوم عليها النزاع والصراع السياسي: ماديا وفكريا, هو مصطلحات:الحزب السياسي, والتيار السياسي .
    الأحزاب السياسية تتميز بأنها قائمة على هيكلية تراتبية متسقة, وتهتم بالدرجة الأولى بمفهوم التنظيمات الفردية والجماعية التابعة لها, وهي تمثل في أساسها أفكارا ومبادئ خاصة تتنزل من الهرم الأعلى للحزب- كقيادات أو منظرين- الى القاعدة الدنيا في التنظيم الحزبي . وهذا ما يقود في كثير من الأحيان الى حصول شروخ, وإختلافات منهجية, وإدارية, وفكرية, بين أعضاء التنظيم الحزبي, أو بين أعضاء الحزب, وبين عملية التقبل الجماهيري لهم; قد تؤدي في كثير من الأحيان الى تشظيه, وإختلافه, وقد تؤدي الى الإتجاه صوب مفهوم التحزب, والتميز بالأفق الشمولي الضيق, بل وفي كثير من الأحيان, تقود الى التعصب, وذلك لأنهم غالبا ما يستغرقون في فكرة (الخير العام وإمتلاك معاني هذا المفهوم ) في جزئية محدودة, والتي تؤدي بالنتيجة مع تطورها,الى تقوية الأواصر الحزبية, والإضعاف الروابط الوطنية .
   يقول موريس دي فورجيه ( إن البناء الداخلي للأحزاب, قد يلعب دورا عميقا, في تضخيم التناقضات; فالأحزاب السياسية, تؤدي الى إصابة الرأي العام في البلاد, بشروخ من الصعب علاجها, وهي شروخ قد لاتكون موجودة في الحياة الواقعية ) .
   نأتي ثانيا الى مفهوم “التيار السياسي”, أو التيارية في العمل السياسي, وفرقها عن الحزبية فيه .
   إن كلا من مفهوم ” التيار السياسي” ومفهوم ” الدولة”, يرتبطان إرتباطا وثيقا بنظام المجتمع, ولكي نفهم معنى التيار السياسي, علينا أن نميز بوضوح ما بين (الدولة), و (التيار السياسي). فالدولة والتيار السياسي, ليسا نوعين متباينين, ولكن كلا منهما يختلف عن الآخر, كإختلاف الجزء عن الكل, فالتيار السياسي يُعتبر الكُل, بينما الدولة تعتبر جزء, ولكنها الجزء الأعلى من هذا الكل .
   إن ما يميز التيار السياسي, هو عنصر الكثرة, الملازم لكل مجتمع سياسي صحيح . والحياة العائلية, والإقتصادية والثقافية, والتعليمية والدينية; والتي لها أهميتها وضرورتها بالنسبة الى وجود التيار السياسي وإزدهاره, بقدر ما للحياة السياسية من أهمية .
  إذا, فالتيار السياسي يمكن عده حالة متطورة من حالات العمل السياسي المعاصر, فهو وإن كان يعتمد على معنى الهيكلية والتنظيم في عمله, إلا أنه يتميز وبوضح, بالإنفتاح على ألوان وشرائح متعددة من أطياف المجتمع, وهو حالة تظهر مع تطور متطلبات العمل السياسي الكبرى, والتي تكون عادة مرتبطة بوقائع مجتمعية, وأسس عقائدية . فهو قد يمثل بالنتيجة شرائح واسعة وأطياف متنوعة من جمهور البلد .
   ولتقريب معنى المفهوم التياري في العمل السياسي, تعرض السيد عمار الحكيم لهذا المفهوم بمقولة موجزة, تمثل أبعاد وأركان هذا المصطلح, مبينا الفرق بين التيارية والحزبية . إذ يقول :
” والعمل ألتياري هو العمل الذي لا يتجاهل التنظيم ولكنه لا ينحصر ولا ينكفئ على التنظيم وإنما ينفتح على الأمة بكل شرائحها وبكل أطيافها فهو توفيق بين ما هو تنظيم للأمور وبين ما هو انفتاح واسع على الأمة يبعد الكيان السياسي عن الفئوية الضيقة والحزبية التي قد لا تسمح للمتصدين رؤية المصالح في المساحات الأوسع منهم ” .
   وإذا أردنا ان نأخذ نمطية العمل السياسي, في بلدٍ كالعراق; نجد أن هذا البلد, هو أقرب ما يكون جماهيريا الى العمل التياري منه الى العمل الحزبي . وهذا لا يعني قدحا أو إنتقاصا لمفهوم العمل الحزبي في هذا البلد;
بل هو يعني التوافق, والإقتراب المفاهيمي, والتقارب النفسي والعاطفي الشعبي, مع هذا النمط من أشكال التنظيم السياسي . فالعمل التياري يتميز, بالإضافة الى إنفتاحه وإستيعابه, لشرائح واسعة من الوان التنوع الإجتماعي; فإنه يتميز أيضا ببنية فكرية وعقائدية وعرفية, تكون هي الأقرب, والأكثر إستيعابا, للأذواق المجتمعية المختلفة; وذلك من خلال تميز العمل التياري, بالوضوح, وعدم إمتلاك الأجندة الخفية التي يخفيها على جمهوره, بل عادة ما يكون كالشمس الساطعة, في تعاطيه مع المشكلات التي يواجهها البلد; إضافة الى أنه يطرح خطابا وطنيا عاما, يبتعد فيه عن دغدغة المشاعر الفئوية والحزبية, مستمدا ذلك من تعايشه القريب, لهموم مواطنيه.
   إضافة لما سبق, يتميز العمل التياري, بإلتفاف جماهيري شعبي, حول مبادئ وطنية, وقيم وأخلاق وثوابت, اخلاقية ودينية وعرفية; إذا فهو يعسى الى تكوين الجماعة الصالحة في المجتمع, من خلال قيادة المجموع الجماهيري, نحو غايات وأسس وطنية وأخلاقية راسخة, تسعى في هدفها النهائي, الى تكوين دولة حقيقية عصرية عادلة, تكون قابلة للحياة . وهذا هو الفرق الحقيقي بين  صورة العمل الحزبي, وصورة العمل التياري, في بلد يحتاج الى لغة إستيعابية, تبعده عن النظرات المتحزبة, والضيقة …