تتصاعد بين الفينة والأخرى دعوات لإقامة (النظام الرئاسي).. لحل لما يعانيه العراق منذ 17 سنة.. من فوضى وغياب القانون.. والفساد الذي استشرى كل مؤسسات العراق.. والدعوات أساسا من قادة سياسيون وجزء من النظام.. فهل حقاً النظام الرئاسي هو الحل لما يعانيه العراق.. أم ماذا ؟
الفرق بين النظام البرلماني.. والنظام الرئاسي:
الفرق الأساسي بين الدولة الرئاسية.. والدولة البرلمانية.. يقوم على الفصل بين السلطات والتعاون فيما بينها.. وما يتفرع عنهما من أمور:
1- ففي النظام البرلماني نجد أن مبدأ الفصل بين السلطات قائم.. إلا أنه هناك تعاون بين السلطة التشريعية المتمثلة بالبرلمان.. وبين السلطة التنفيذية المتمثلة بـ (رئيس الدولة و مجلس الوزراء) في إدارة شؤون الدولة.
ـ أما في النظام الرئاسي فهناك فصل تام بين عمل السلطة التنفيذية وباقي السلطات.. إذ يكون الرئيس المنتخب من قبل الشعب هو صاحب السلطة التنفيذية والمنوط به إدارة أمورها.
2- في النظام البرلماني.. السلطة التنفيذية قائمة على رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة.
ـ وهذا يعتبر اختلاف جوهري إذ أنه في النظام الرئاسي السلطة التنفيذية محصورة بـ “الرئيس المنتخب”.
3- في النظام الرئاسي الرئيس منتخب من قبل الشعب.. أما في النظام البرلماني فرئيس الدولة ينتخب من البرلمان أو قد يكون عاهل وراثي.
النظام المختلط:
ـ هناك نظام يجمع بين النظامين.. وهو (النظام الشبه رئاسي).. حيث يتقاسم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء تسيير شؤون الدولة.
ـ هذا النظام.. يقترب من النظام الرئاسي في أن الرئيس يتم انتخابه من قبل الشعب مباشرةً.
ـ والنظام المختلط.. يقترب من النظام البرلماني في أن رئيس الوزراء مسؤول أمام البرلمان.. ويستطيع البرلمان محاسبته مثالاً عنه فرنسا.
النظام الرئاسي:
ـ نظام سياسي.. يقوم على الفصل بين السلطات الثلاث.. ويمنح صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية.
ـ في حين يتميز (النظام المختلط).. النظام شبه الرئاسي بانتخاب الرئيس.. لكن الحكومة تنبثق من البرلمان.. وتكون مسؤولة أمامه وأمام الرئيس.
ـ يعتبر النظام الرئاسي.. أحد الأنظمة السياسية الديمقراطية التمثيلية.. ويقوم على فصلٍ صارم بين السلطات التنفيذية (الرئيس).. والتشريعية (البرلمان).. والقضائية.
ـ يُركّز النظام الرئاسي.. السلطة التنفيذية في يدي رئيس الجمهورية.
ـ يُنتخب الرئيس عن طريق الاقتراع العام المباشر.
ـ ويُشكل رئيس الجمهورية.. حكومة لتنفيذ برنامجه السياسي.
ـ تكون الحكومة مسؤولة أمام رئيس الجمهورية… وليس أمام البرلمان كما هو الحال في النظام البرلماني.
ـ بحكم الفصل الصارم بين السلطات.. فالبرلمان ليست له صلاحية إسقاط الحكومة.. كما أنها في المقابل (أي الحكومة).. لا تملك صلاحية حل البرلمان.
النظام شبه الرئاسي.. (المختلط):
ـ النظام شبه الرئاسي أو المختلط.. هو صيغة تجمع بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني.
ـ إذ يُنتخب الرئيس بالاقتراع العام المباشر.. ويتمتع بقدر هام من الصلاحيات.
ـ في نفس الوقت تكون الحكومة منبثقة عن البرلمان.. ومسؤولة أمامه.. كما أنَّها مسؤولة أمام رئيس الدولة.. ويتمتع رئيسها بصلاحيات واسعة.
ـ سادت نماذج هذا النظام في الغرب بريادة تاريخية للولايات المتحدة التي أخذت بالنظام الرئاسي العام 1787.. وكان خياراً فرضته طبيعة الدولة الناشئة.. التي هي في الواقع اتحاد فيدرالي بين عدد كبير من الدول (الولايات).
ـ حيث تحتفظ فيه كل منها بصلاحيات واسعة في تسيير شؤونها المحلية.
ـ في حين تتحكم الحكومة الفيدرالية في مجالات الدفاع والسياسة الخارجية.
ـ يتميز النموذج الأميركي الرئاسي.. بتركيز صلاحيات كبيرة في يد الرئيس المستند إلى شرعية سياسية قوية سببها انتخابه بالاقتراع العام المباشر.
ـ يتمتع (البرلمان) في النظام الرئاسي بكامل الصلاحيات التشريعية.
ـ السلطة القضائية.. ممثلة في المحكمة الفيدرالية ذات النفوذ الكبير.. والصلاحيات الواسعة في إقامة العدل.. ومساءلة السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ـ رغم النجاح الباهر للنظام الرئاسي في الولايات المتحدة إلى حد بات معه مرجعاً على المستوى العالمي.
ـ فإن الديمقراطيات الأوروبية والأميركية اللاتينية كانت لها تجارب مريرة مع النظام الرئاسي.. مما حدا بها إلى تركه.. واعتماد النظام المختلط أو شبه الرئاسي.
ـ في أوروبا.. أنتج الصراع المتواصل بين الجهازين التنفيذي والتشريعي أزمات متواترة كرست عدم استقرار سياسي مزمناً.
ـ انتهت الصراعات بين السلطة التنفيذية والتشريعية في دول امريكا اللاتينية إلى انقلابات عسكرية.
ـ وفي أحسن الحالات إلى إصدار الرئيس مراسيم تنفيذية متجاوزاً البرلمان.
ـ أوجد هذا الواقع بيئة سياسية غير صحية.. تسبب في انتكاسة كبرى للديمقراطية.
ـ تحولت أغلب بلدان أوروبا وأميركا اللاتينية إلى النظام شبه الرئاسي.. (النظام المختلط).
ـ مدفوعة بالأزمات السياسية المترتبة عن النظام الرئاسي.. التي غالبا ما تكون لها نتائج سلبية جداً على الاستقرار والنمو الاقتصادي.
ـ تُطبق عدة دول أفريقية النظام المختلط.. وإن كان فصل السلطات فيها صعب التمييز نظراً لسيادة الحكم الفردي.. وهيمنة حزب الرئيس في أغلب الأحيان على المشهد السياسي.
نواقص النظام الرئاسي:
ـ يُؤخذ على النظام الرئاسي.. قصوره في تيسير الخلاف السياسي المؤسساتي.
ـ فنشوب أي خلاف بين الرئيس والبرلمان قد يؤدي بالبلاد إلى أزمة شاملة تشل أجهزة الدولة وتعطل الاقتصاد.
ـ في غياب آلية للتحكيم.. وعدم توفر السلطة التنفيذية على صلاحية الدعوة لانتخابات مبكرة.
ـ وعدم قدرة البرلمان على إسقاط الحكومة.. باختصار هناك غياب تام لآليات الضغط المتبادل الضرورية للتغلب على الأزمات.
ـ كذلك في حق النظام الرئاسي مركزية منصب الرئيس.. لدرجة أنه يدفع إلى الهامش دورَ حزبه السياسي.
ـ ويُصبح تقييم الفترة الرئاسية مترتبا على شخصية الرئيس.. وأدائه أكثر من الأفكار والمرجعية الحزبية.
نواقص النظام المختلط:
ـ يُؤخذ على النظام المختلط أو شبه الرئاسي إخفاقه في ضمان توازن دائم بين السلطات.
ـ فحين يتوفر الرئيس على أغلبية في البرلمان يسطو الجهاز التنفيذي بشكل صارخ على البرلمان.. الذي يكاد يتحول في هذه الحالة إلى غرفة لتسجيل القوانين والقرارات الحكومية دونَ اعتراض أو مساءلة.
ـ أما إذا خسر الرئيس هذه الأغلبية فإنه يكون مضطرا للتعايش مع أغلبية وحكومة مناوئتين.. وفي هذه الحالة يتضرر تنفيذ برنامجه السياسي بشكل صارخ.
هل يصلح النظام الرئاسي في عراق اليوم ؟
ـ العراق معروف بتاريخه الطويل من الحكم الديكتاتوري.. وقد بلغ ظلم هذه الأنظمة المستبدة الذروة في عهد الديكتاتور صدام حسين.
ـ كما ان الشعب العراقي مكون من مختلف المكونات العرقية والدينية والمذهبية.
ـ ومعروف بالولاء العشائري والقبلي والطائفي.. يدين بالطاعة لشيخ العشيرة.. ورجل الدين أكثر مما يدين للحكومة.
ـ استطاع النظام البعثي على ترسيخ هذه الولاءات الفرعية الثانوية على حساب الولاء الوطني.. فأعاد المجتمع العراقي إلى مرحلة القبلية والعشائرية.
ـ هناك استعداد نفسي كبير لدى الحاكم أن يتحول إلى ديكتاتور.. والتربة العراقية خصبة لإنتاج الدكتاتورية.. فالعراقيون بغالبيتهم معروفون بقدراتهم الفذة في صنع المستبدين وعبادة الشخصية.
ـ أما إذا كان هذا الحاكم رحيماً متساهلاً.. فكل واحد منهم يحاول إظهار نفسه بالبطل الشجاع في تحديه.. كما حصل أيام الزعيم عبد الكريم قاسم.
ـ كما إن تواضع وبساطة الرئيس عبد الرحمن محمد عارف.. كانت سبباً رئيساً في تشجيع الانقلاب عليه.
ـ لقد تطرق العلامة علي الوردي إلى هذه الظاهرة في المجتمع العراقي.. وعزاها إلى بداوة المجتمع.. إذ يقول المثل البدوي: (السيد هو من أقبلً هابوه.. وإن أدبر عابوه).. وعلى هذا الأساس يفضل الرجل في هذه المجتمعات أن يكون مهاباً على أن يكون محبوباً.
ـ أن النظام المقبل يجب أن تحميه قوانين تمنع ظهور ديكتاتور آخر.. والنظام الرئاسي التنفيذي يشجع على بروز مثل هذا الدكتاتور.. فهو لا يصلح لدول العالم الثالث.. وبالأخص العراق.
ـ لهذه الأسباب فالنظام النيابي الذي يكون رئيسه شرفياً هو الأنسب للعراق.
ـ ورئيس الوزراء هو الرئيس التنفيذي المسؤول سياسياً في إدارة شؤون الدولة.
ـ كما يكون رئيس الوزراء مسؤولاً أمام البرلمان.. الذي يحاسبه على أعمال الحكومة يومياً.
ـ ومن السهولة إزاحته من قبل حزبه أو البرلمان في حالة تجاوزه لصلاحياته أو استغلاله لسلطاته.
ـ إن عراق ما بعد داعش يتطلب تغييراً جذرياً ينسجم مع أوضاع جديدة.. وكتل صاعدة.
ـ والدعوة الى إقامة نظام رئاسي تؤدي في النهاية الى إقامة نظام دكتاتوري بلباس رئاسي ديمقراطي.
ـ فالرئيس المنتخب في ظل واقع العراق سيؤدي الى إن الرئيس يحكم بقوته مدعوماً بكتلته والكتل المتحالفة معه.
ـ هذه الكتل تعتمد بالأساس على قوتها المسلحة (ميليشياتها).. وبالتالي نحن أمام أسوأ نظام حكم يشهده تاريخ العراق الحديث والمعاصر.. أو يتحول العراق الى نظام رئاسي.
ـ أو يتجزأ الى أكثر من ثلاثة أجزاء تتطاحن فيما بينها.. وتعظم الفوضى وغياب النظام.
ـ بقيً أن نشير ان جميع أطياف العراق.. ترفض قيام النظام الرئاسي.. الذي يفقدهم حقوقهم كطوائف.. باستثناء (العرب).. وهم الغالبية.. يدعو بعض سياسييهم وجماهيرهم الى اقامة النظام الرئاسي!!