23 ديسمبر، 2024 5:09 م

العملية السياسية…أبرز المشاكل وبعض الحلول

العملية السياسية…أبرز المشاكل وبعض الحلول

المشاكل عديدة، والخطير منها كثير، ولكننا هنا نريد التركيز على ماهو أكثر إلحاحاً ويحتاج الى تصدي مباشر وهي:
1- الاحتقان الطائفي: نعتقد أن الاحتقان الطائفي ظاهرة مصطنعة جاءت بشكل عرضي لأسباب عديدة ومتنوعة يقف الاحتلال وتدخل دول الجوار في مقدمتها، ومع ذلك نرى أن الأمر يتطور وينمو بشكل ملفت آخذاً طابعاً تناحرياً استفادت منه قوى الإرهاب كثيراً، ومما يؤسف له أن بعض الفئات الاجتماعية والشخصيات الدينية تسعى لتحويله الى صراع تناحري يحمل لواء المظلومية والخوف على ضياع الهوية مما يجعل هذا الاحتقان يتفاقم بسرعة بفعل التدخلات الخارجية التي تستهدف هدم النسيج الاجتماعي العراقي وتفتيت وحدته واستنزاف قوى جميع الأطراف بدون استثناء وجعل الجميع يلهث خلف المساعدات والحماية والانشغال بالذات الضيقة بدلاً من الانشغال بهمّ الوطن والإنسان العام..
إن نمو التمايزات وتعميق الخلافات وإبراز الهويات الفرعية وتغليبها على الهوية الوطنية الأكبر كـ (دسَّ السم في العسل) خاصة وإن الأدوات الداخلية الحاملة لمشروع التفتيت تدفع الى الحرب الطائفية والى التقسيم تحت مسميات متعددة…
إن هذا المشكل الخطير يتطلب حلولاً عاملةً تمنع الفتنة والتفتيت وتقف جريان الدم الحرام، علماً إن التقسيم تحت أي مسمىً سوف لا يحقق لأيَّ طرف شيئاً مما يتوقع سوى الدخول في دوامة الاحتراب ومستنقع التبعية والصراع على الأمتار والأشبار والامتيازات الجديدة… وسوف لا تقف عملية الاستنزاف للموارد والقوى بل تتجاوزها الى (القيم والعقائد والثوابت والأولويات) وليس بعيداً مآلات الربيع العربي الذي صنعته إرادة الشعوب المضطهدة ورغبتها للخلاص من الدكتاتوريات الغاشمة إلا أن القوى الخارجية نجحت في إحتواء وصرف مسارات الربيع وتحويل أوراقه الى صفراء تتيبس، عندما تحوّل الصراع بين أبناء البلد الواحد يتنازعون ناسين مشاكل الفقر والتخلف والعدو الحقيقي، وبالطبع لم يكن في بلدان الربيع العربي شيءُ من ثنائية (شيعة – سنة) لكن العقل التآمري قادر على ابتداع ثنائيات متناحرة متى شاء فخضرة الدولار تستهوي الآخرين…
ولأجل التصدي لهذا الخطر ينبغي تعزيز (الوعي الوطني) وتجسيد فكرة (التسامح) و (المواطنة) من جهة، وتوحيد الصفوف في مواجهة الإرهاب بقوة وقسوة وإدانة احتضانه وإدراك عملية الترابط بين الإرهاب والفساد من جهة أخرى، مما يستوجب ضرب المفسدين بلا رحمة وملاحقتهم في الداخل والخارج وكشف هوياتهم وفضحهم مهما كانت جنسياتهم الثانية وإنتماءاتهم الطائفية والحزبية والقومية… كما أن من اضروري التأكيد على أهمية (الحوار) بأعتباره السبيل الأفضل لحل كل العقد المركبة وكشف النوايا المستترة…

2- التدخل الخارجي والمشكلة الأمنية (الإرهاب): بالطبع ان الإرهاب كما نشاهده في حالة من التصاعد كمّاً ونوعاً، رغم الجهود الأمنية في مواجهته فقد بات شهداء الإرهاب مجرد أرقام لا تحضى بالإدانة والمواجهة إلا لساعات بسبب تكرارها واعتياد التعايش معها…
ولأجل التصدي لهذه المشكلة لابدّ من معرفة الأسباب الحقيقية لاستمرارها… فسطوة الاحتلال وأدواته الاقليمية والداخلية لازالت هي العامل المباشر لاستمرار وتصاعد العمليات الإرهابية بالاضافة الى مساهمة القوى الداخلية التي فقدت امتيازاتها فضلاً عن الشرائح الانتهازية والمرتزقة التي تستفيد من بعض اخفاقات العملية السياسية وضعف التجربة وضعف تجهيز القوى الأمنية وانخفاض مستوى التدريب ومحاولات إثارة الخلافات التأريخية وعكسها على الواقع…
والحل يكمن في إنجاز مهام عديدة لكن الأكثر إلحاحاً هو السعي لامتلاك السيادة الكاملة وتحرير الإرادة بشكل مطلق والتعاطي مع القوى الاقليمية والخارجية بحزم مثلما يجب إشاعة قيم التعاون والإخاء في الداخل وتحقيق منجزات ومكتسبات تمس حياة جميع العراقيين بلا استثناء مما يجعل وحدة الشعب أمراً غير قابل للنقاش…

3- العملية السياسية: لقد أصبح واضحاً بجلاء أنَ مسار العملية السياسية مضطربُ وشائكُ بسبب بنائها من قبل الاحتلال على أسس (المحاصصة) القومية والطائفية وعلى وفق مبدأ (التوافق) وعلى دستور مليء ببراميل البارود، واسدلوا عليه الستائر لمنع أيّة محاولة لاصلاحه أو تغييره فالجميع يشاركون بالسلطة والجميع يعارضونها حتى ضاعت المسؤولية تحت ضلال اختراع الديمقراطية (التوافقية) التي استوردت لنا من مناشئ غير مناسبة…
ولأجل التصدي للحل لابد من العودة الى دستور خالٍ من الألغام ولمن يريد الديمقراطية نظاماً فعليه تخليصها من قيود (التوافق) لتكون المسؤولية محددة، فهناك سلطة وهناك معارضة تتوزع بينها الأدوار والمسؤوليات بلا لبس أو التباس، كما يجب رفض المحاصصة وبيع المناصب واحتماء المفسدين بحواضنهم، كما يجب إدراك أهمية القيم في حماية مصالحنا…

4- المنهجية في وعي السياسي: لاشك أن الكثير من المتصدين للعمل السياسي الراهن والمشاركين في العملية السياسية يتعايشون مع بناها وهيكلها وما تأسست عليه من (محاصصة) و (توافق) و (دستور) أدركوا متانة الغطاء والحماية التي يتمتعون بها، فحتى من اتهمته المحاكم بالإرهاب أو الفساد تراه فوق القضاء والقانون مطلق اليدين واللسان وبعض هؤلاء المتصدين يحملون معهم إما مرض (دوار الصعقة) أو مرض (فوبيا المستقبل) والمصابين بالمرض الأول ينبغي أن يكونوا قد تجاوزا حالة الدوار بعد طول المسار، أما المصابون بالفوبيا فهم يعملون بعقلية (المقاول) الذي يعرف أن مستقبله مناط بمدة استخدامه التي سيعود بعدها الى الهجرة ولأجل أن لايعود الى ظروف ومعاناة الماضي فلابد أن يجعل همّه الأكبر مزيداً من المال لمواجهة المستقبل المجهول وهؤلاء يجب أن يتجاوزوا اليوم وبعد أكثر من عشر سنوات هذا المرض فقد امتلأت الخزائن بما يكفي..
وكذلك فإن كثيراً من المتصدين للمارسة السياسية يخضعون لفهم خاص للسياسة يتمثل في أن السياسة عبارة عن علاقات واتصالات ومناورات ومساومات على قاعدة (المغالبة والشطارة) فالسرقة شطارة والقتل مهارة والصدق والأمانة سذاجة… وهذه المنهجية تنطلق من فهم عقيم ونفوس مريضة قيدت نفوسها بسعة (الغنائم) الآتية من الخارج أو الداخل لا فرق، هؤلاء عبيد فكيف يتصور أن يكونوا سادة؟! والحل يتمثل بوعي وانتفاض الشعب ومعاقبتهم وامامنا فرصة الانتخابات القادمة لممارسة حقنا في الاصلاح قبل اللجوء الى التغيير بوسائل اخرى يفرضها علينا الشرع والوطنية والمصلحة وتسوقها الضمائر والمشاعر..

[email protected]