18 ديسمبر، 2024 11:19 م

العملاق كيسنجر والفأر زيلينسكي!

العملاق كيسنجر والفأر زيلينسكي!

يؤسفنا ايّما أسفٍ لإستخدام مفردة ” فأر ” بحقّ الرئيس الأوكراني ” فولوديمير زيلينسكي ” , < وهي المرّة الأولى التي نستخدم فيها مثل هذه الكلمة منذ دخولنا معترك الكتابة > وقطعاً فليس مقصوداً التشويه او التصغير من مكانته الرئاسية ولا التقليل من شأنها , وذات الأمر ينطبق مع تعابير التفخيم او التضخيم لأيّ مَن كان , لكنّ مؤدّى ذلك هو الرّد غير الموضوعي للرئيس زيلينسكي على مقترحات وآراء السيد هنري كيسنجر بشأن ايجاد حلّ موضوعي لهذه الحرب والتي حذّر من عدم الأخذ بها او العواقب الكبرى في عدم تطبيقها خلال الشهرين القادمين , وما سيترتّب عن ذلك على مستوى اوربا على الأقل .

رئيس اوكرانيا وضمن محاولة استعطاف قواته المسلحة لهذا الرفض بأعتباره مسألةً وطنيةً , بجانب ما يرنو اليه من كسبٍ جماهيريٍ مفترض ” وكان هذا واضحاً في الجانب الإنشائي في حديثه المطوّل ” , لكنه ذهب بعيداً وربما تمادى في استرساله عبر اتهامه لرجل < الدبلوماسية والعلاقات الدولية الأول في امريكا والعالم منذ سبعينيات القرن الماضي > , بأنّه رجل من الماضي العتيق ! وبإيغالٍ آخر قال الرئيس الأوكراني < لماذا لم يطالب كيسنجر بمساومة المانيا – ادولف هتلر – لإيقاف الحرب العالمية الثانية .! > , حيث اصل المسألة أنّ كيسنجر الألماني الجنسية هاجر مع عائلته الى الولايات المتحدة وهو في سنّ 15 عاماً , وكان من المحال طرح مثل تلك الطروحات آنذاك او حينذاك . ومعروف أنّ المفكّر الستراتيجي كيسنجر قد اخترق النخب الأمريكية ” بسرعةٍ قياسية ” وتبوّأ منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي , ثمّ جرى تنصيبه وزيراً لخارجية امريكا , وكيسنجر ” العملاق ” هذا نجح نجاحاً باهراً في وقف الحرب الأمريكية- الفيتنامية التي استمرت لسنينٍ طوال , عبر مفاوضاتٍ مكثّفة ومركّزة دامت لستّة شهور مع الوفد الفيتنامي في الإجتماعات التي انعقدت في باريس , كما أنّ هذا السياسي الأمريكي العريق الذي انتقده زيلينسكي بحدّةٍ حادّة ” واختزلنا حديثه بهذا الشأن الشائن لتجاوز الإطالة عبر الكلمات والسطور ” قد اخترق الصين ” وجدار الصين العظيم ” اثناء ولاية الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون , حيث كانت الدولتان في حالة تقاطع , عبر ارسال فريق لعبة المنضدة الأمريكي – Ping Pong – الى بكّين لإجراء مباراةٍ مشتركة مع الفريق الصيني , كبادرة ” ربما سيكولوجية – سياسية ” لإزاحة الستار وافتتاح العلاقات الصينية – الأمريكية , والتي سرعان ما اثمرت بإقناع القادة الصينيين بالموافقة على استيرادٍ مفتوح لمشروب الكوكا كولا الأمريكي ” الذي كان الشعب الصيني الملياري محروماً من تذوّقه ” مما صار يدرّ مليارات المليارات على الشركة الأمريكية المصنّعة ,

وايضاً فإنّ كيسنجر الذي اطلنا الحديث هنا عنه , ليس نكايةً بالرّد غير المتوازن لزيلينسكي , وانّما لتنوير الأجيال الجديدة التي لم تعاصر حقبة الوزير الأمريكي السابق , رغمَ تقاطعنا معه عربياً وقومياً من كلّ فتحةٍ وزاوية .! , لكنّه والحقّ يقال فإنّ السيد هنري نجح نجاحاً باهراً في ايقاف حرب عام 1973 بين الكيان الصهيوني ومصر ” عبر مفاوضات الكيلو 101 ” بين الوفدين العسكريين الأسرائيلي والمصري , ولصالح اسرائيل بالكامل , وَوسط ضعفٍ وتخاذلٍ ساذج من الرئيس المصري السابق انور السادات , وللأسف !

زيلينسكي ورغمَ ما ارتكبه من اخطاء غير مقبولةٍ دبلوماسياً بشأن كيسنجر تحديداً وشخصياً , لكنّه وبرفض هذه المقترحات لإنهاء الحرب في اوكرانيا , فإنّما يدرك عبر العقل الباطني والخارجي بأنّ إيقاف الحرب على وضعها الحالي ” عبر التنازل الأضطراري عن اقليم الدونباس وجزيرة القرم – بدلاً من خسارة مقاطعات ومدنٍ واراضٍ اخرى في قادم الأيام – , فإنّ إيقاف كوابح عجلة الحرب المسرعة ” في هذا الظرف المصحوب بأزمة غذاءٍ عالميةٍ ” فإنّما سيهدد مستقبله السياسي والشخصي – الرئاسي , وسوف يتعرّض لنقدٍ بالغ الحدّة والشدّة من قادة القوات المسلحة الأوكرانية ” التي تتمتّع بالضبط والإنضباط العسكري العالي ” عن عدم موافقته المبكّرة للتنازل التكتيكي لموسكو ” اضطرارياً ” بدلاً من الخسائر البشرية الجمّة للعسكر الأوكراني فضلاً عن الخسائر الأخرى في المعدات والأسلحة والمواقع , كما وبموازاة ذلك فماذا سيقول لبضعة ملايينٍ من المواطنيين الأوكرانيين الذين لجأوا الى دول أخرى وخسروا ما خسروا بما لا يمكن تعويضه مادياً ومعنوياً .!

من المفارقات أنّ هذه الحرب غير المرشّحة لإيقافها في المدى المنظور القريب , فإنها تخضع لإعتباراتٍ سيكولوجيةٍ – سياسيةٍ , سواءً لرئيس الأوكراني , او للإنتخابات النصفية للكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكي , وما لها من انعكاسات على مستقبل الرئيس بايدن في انتخابات ولايته الثانية , ومهما بلغت اعداد القتلى والجرحى والأسرى من الجانب الأوكراني , ولا نقول الجانب الروسي في الصدد هذا وسواه .!