23 ديسمبر، 2024 1:52 م

العمامة في العراق فوق القانون

العمامة في العراق فوق القانون

تنويه
ارجأنا نشر مقالنا الجزء الثاني من الهدر الحكومي بثروات العراقيين، بناء على طلب من كاتب عراقي عزيز، وجد في هذا الموضوع، موضوع الساعة، وعلى قدر كبير من الأهمية، ولا بد من إلقاء الضوء عليه.
تحولت قضية القاء القبض على رجل معمم ايراني الجنسية وفي جبته مخدرات الى مسألة رأي عام، بعد أن تحولت الجريمة الى صراع بين العمامة والقانون في حلبة العراق الديمقراطي، وكانت النتيجة كما هو متوقع سقوط القانون بالضربة القاضية من قبل العمامة. المراقب للمشهد السياسي العراقي يعرف النتيجة مقدما، كما يقول المثل العراقي (طفل الميت معروف من كنيفه). فالعمامة وما يرافقها من عدة محابس في الأصابع، والألقاب الشائعة في ظل حكومة طائفية الموسوي والياسري والحسيني والجعفري، ومفردات العلوية ومولانا ومرجعنا هي الكلمات التي لها صوت عالي في الحياة السياسية والإجتماعية اليوم ولها صدى مؤثر عند الجهلة والمستحمرين. فالعراق كما يصرح الزعماء الشيعة والسنة، وانضموا اليهم الاكراد مؤخرا، لا يتحدثوا في أي موضوع دون الإشادة بمرجعية النجف ودور المرجع الشيعي علي السيستاني، ولا يمكن أن يمضي قانون أو قرار في البرلمان والحكومة دون موافقة المرجع الأعلى، ولا تطرح مسألة في الشأن العراقي دون التشرف برأي المرجعية، ولا يأتي زائر اجنبي كبير للعراق إلا زار فاتيكان النجف وتبارك بلقاء المرجع الأعلى وأشاد به ومواقفه في حفظ العراق! حتى رئيس الوزراء الجديد بإعتراف نواب في البرلمان رشحته مرجعية النجف، وليس تحالف البناء وسائرون كما يدعون، فالكذب سجية السياسيين العراقيين سيما المنتمين الى الأحزاب الإسلامية. لذا فالعمامة هي من تحكم العراق، وبشكل أدق العمامة الفارسية وليس العراقية، لأن العمائم العراقية هي عمائم صغيرة لا قيمة لها، شكلها الخارجي عربي، لكن باطنها فارسي. وما عمامة المرجع السيستاني إلا ظل لعمامة مواطنه الخامنئي، وهذه حقيقة يعرفها العراقيون تماما، ولكنهم لا يجرأون على التحدث عنها جهارا، لأنه سبق أن هدد الكثير من قادة الميليشيات الشيعية بأن عمامة المرجع خط أحمر، مهما ضمت بين طياتها ابالسة وشياطين ومردة. لذا لم يكن من المستغرب ان يكره العراقيون اليوم العمامة التي أحبطت كل آمالهم وأحلامهم وحولتها الى كوابيس مخيفة. وفي ظل تدخل رجال الدين في الشؤون السياسية وما وصل اليه العراق من فساد وانحطاط على كافة المستويات، قد لا يجرأ رجل الدين في السنوات القادمة على لبس العمامة والا تعرض الى موجة من الصفعات وانهالت عليه النعل من كل صوب.
القت قوة من مكتب مكافحة المخدرات في البصرة القبض على ايراني معمم يتاجر بالمخدرت والزئبق الأحمر كما ظهر في المقطع، والحقيقة ان الزئبق اضيف كما يبدو الى الموضوع للتغطية على المخدرات، أو ان هناك صنفا من المخدرات يطلق عليه بالزئبق، مثل الكرستال، والحشيش وغيره من التسميات العامية الشائعة في العراق اليوم. تبين ان القوة لديها معرفة مسبقة بالمتهم وهو مراقب من قبلهم، وله علاقة بعصابة تم القاء القبض عليها كما تحدث الضابط المكلف بالمهمة، وطلب الضابط من المتهم نزع العمامة وهذا أمر يثاب عليه حفاظا على سمعة العمامة كما ذكر الضابط نفسه، وطلب الضابط بعدم تصوير المشهد احتراما لكون المجرم بزي رجل دين، وهذا تصرف يثاب عليه الضابط ايضا، اما من قام بالتهجم على المجرم فهذا بالطبع سلوك غير مقبول، لكنه من خلال سلوكيات رجال الشرطة في العراق ومراجعة بعض التحقيقات المسربة سيما مع النساء والقتلة لأدركنا حجم السيل من الكلمات البذيئة من قبلهم بحق المتهمين، لهذا فهو تصرف طبيعي من بعض رجال الشرطة يعبر عن المستوى الضحل في تربيتهم وثقافتهم، وجهلهم المتميز بالقانون وما يسمى بحقوق الإنسان، علاوة على عدم وجود محاسبة لسوء تصرفاتهم، القضاء يحميهم ويسمح لهم بهذه التجاوزات، وهذه واحدة من مصائب ديمقراطية العراق. رجل القانون فوق القانون!
البعض إعترض على تصوير المشهد على إعتبار ان المجرم بريء حتى تثبت إدانته، ولكن المجرم القي القبض على المعمم الايراني متلبسا بالجريمة، وادوات الجريمة بائنة، وهناك العشرات من الأفلام التي صورت ونشرت عن تحقيقات مع دواعش قبل صدور مذكرات القاء قبض عليهم او محاكمتهم، وهذا ما يقال عن عمليات القاء القبض على الكثير من المجرمين في العراق، بل ان السجون العراقية مليئة بالمعتقلين ممن لم تصدر بحقهم مذكرات قضائية، ولم نجد من اعترض على هذا الأمر. لا نعرف لماذا تخفت الأصوات تارة، وترتفع نفس الأصوات تارة أخرى، ومن يقف وراء رداءة هندسة صوت الحق في العراق؟
الحقيقة ان تصوير المجرم بتوفر أدوات الجريمة لا يشكل مثلمة قانونية، حتى الدبلوماسي في الدول الأجنبية عندما يقوم بجريمة مع توفر أدوات الجريمة وامام شهود عيان، تُرفع عنه الحصانة الدبلوماسية فورا ويلقى الفبض عليه، فما بالك بتاجر مخدرات! ان عرض الفيلم يشكل رادعا اخلاقيا لمن يلبس العمامة، ويميط اللثام عن حقيقة ان ليس كل من لبس العمامة هو رجل دين، فكثير من العمامات توطن تحتها شياطين، وعرض الفيلم يمثل درسا وعبرة لمن يجرأ على الجريمة وهو بزي رجل دين، ويكشف عن أحد طرق التهريب. القانون لا يعترف بالعمامة، جميع المواطنين هم سواسية وفق القانون حسب الدستور العراقي، كما يفترض.
وزارة الداخلية العراقية صرحت بأن” التحقيقات جارية بشأن مقطع فيديو يظهر اعتقال معمم في البصرة قادم من إيران، وإن الشخص الذي ظهر في الفيدو المسرب ويرتدي الزي الديني ملقى القبض عليه ما زال يخضع للإجراءات التحقيقية، وأنه بعد اكتمال هذه التحقيقات سيتم إحالته للقضاء ليفصل بأمره بشكل نهائي”. وهذا اجراء روتيني لا شائبة عليه، ولكن لمن لا يعرف حقيقة وزارة الداخلية، فإن 98% من منتسبيها هم من الشيعة وغالبيتهم من منظمة بدر ذات الولاء الايراني، وان الوزير السابق والمدراء العامون ومدراء الأقسام جميعا من منظمة بدر، وهذا يعني ان ولائهم للولي الفقيه في ايران، وطالما ان المجرم معمم وايراني، فلا يمكن التعامل معه وفق القانون العراقي وانما وفق سطوة السفير الايراني صاحب القرار النافذ في العراق، الذي اتصل على الفور بوزارة الداخلية لإخلاء سبيله خلال (24) ساعة.
واثق البطاط لمن لا يعرفه هو أحد المعممين المزيفين، هرب الى ايران بتسهيل من الحكومة العراقية لرفع الحرج عنها، بعد ان القي القبض على أخيه وهدد الحكومة العراقية بإطلاق سراحه خلال (48) ساعة، وفعلا استجابت الحكومة الى تهديده وأطلقت سراح أخيه، وهو مدان قضائيا بسبب جرائمه المثبتة، وبسبب وولائه المطلق الى ولاية الفقيه ارتأت الحكومة العراقية عليه ان يلجأ الى دولة ايواء المجرمين (ايران) اسوة بمن سبقه كممثل المرجعية في ميسان مناف الناجي ومحافظ البصرة السابق ماجد النصراوي والمئات غيرهم، وهو يترأس عصابة تطلق على نفسها (حزب الله)، علما ان حزب الله العراقي نفى بشكل مطلق انتسابه الى الحزب، بمعنى انه دجال.
هذا المعمم الدجال هدد ـ وهو بالطبع غير قادر على تنفيذ تهديده ـ لأنه لا يستطيع الدخول الى العراق من جهة، وليس بقدرته ان يواجه سطوة العشائر في البصرة من جهة أخرى، فقد علقت قبيلة الضابط الذي هدده البطاط، (عشائر بني مالك)، بأنها ستحمي الضابط وعائلته، محملين البطاط مسؤلية أي حادث يقع للضابط، بمعنى ان هذا الأمعي لو كان فعلا ينوي قتل الضابط ومن معه لكتم الموضوع ونفذ المهمة بسرية، لا ان يضع نفسه امام فوهة المدفع.
قال جرير: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا … إبشر بطول سلامة يا مربع
قال الأمعي البطاط، موجها كلامه للضابط” انت اللي مسوي نفسك رجال، والله العظيم والنبي الكريم لنخلع عيونك من جمجمتك، والله العلي العظيم لنسوي راسك نفاضه مال جكَاير، إذا لم يكن في البصرة رجال، فإن المحافظات العراقية الأخرى فيها رجال وستكون عبرة للجميع”.
بلا أدنى شك يمثل هذا التهديد العلني اهانة مباشرة للحكومة العراقية، لأنه يستهدف رجل امن يقوم بواجبه الوظيفي، بمعنى ان التهديد يتضمن عدة إتهامات:
الأول: هو تهديد معلن بالقتل لمواطن عراقي، وهذا التهديد يحاكم غليه صاحبه وفقا للقوانين العراقية.
الثاني: انه تهديد بالقتل لموظف حكومي قام بمهمته أثناء الواجب الرسمي.
الثالث: اساءتة لأهل البصرة بدعوى عدم وجود رجال فيها.
الرابع: التهديد بالتمثيل بجثة الضابط بخلع عيونه وتهشيم جمجمته.
الخامس: شمل التهديد المراتب الذين كانوا بمعية الضابط، وبإمكاتهم ان يقدموا جميعا شكاوى للقضاء ضد البطاط.
السادس: شمل التهديد رئيس الضابط الذي قام بالواجب ولا نعرف من هو؟ وما هي رتبته ومنصبه؟ بل انه هدد كل من أيد الضابط، ورضى بفعله ـ اي بمن فيهم كاتب هذا المقال ـ وغيره ممن يؤيد فرض القانون على الجميع، وبلا استثناء.
الأعجب منه ان البطاط سخط وغضب من توجيه فرد من القوة الفاظ مسيئة الى المعمم، لكنه استخدم اسوأ منها فقد وصف الضابط بـ ( يا سافل، يا تافه، يا فاجر، يا غادر، يا ماكر، يا جبان، تتعرض الى عمامة رسول الله).
لا نعرف ما علاقة عمامة رسول الله بعمامة تاجر مخدرات؟
المهم ان وزارة الداخلية العراقية ردت على تهديدات واثق البطاط، مؤكدة أنها ” قررت رفع دعوى قضائية ضد قائد جيش المختار، واثق البطاط؛ متهمة إياه باستخدم لغة بربرية انتقامية لا تختلف عن منطق الدواعش”. ما يؤخذ على بيان وزارة الداخلية:
1. الحقيقة ان استخدام كلمة (بربرية) غير جائزة وفيها اساءة للبربر (الأمازيغ)، انهم اقوام لهم وجود في عدة دول عربية كالمغرب ومصر والجزائر وتونس وموريناتيا وليبيا ودول اخرى، يبلغ تعدادهم حوالي (100) مليون فرد، منهم مسلمين ومسيحيين ويتكلم بعضهم العربية، ولا يجوز الإساءة اليهم من قبل الوزارة، لكنه الجهل، وما ادراك ما الجهل!
2. تجاهلت الوزارة أهم تهمة كان من المفترض ان توجه الى البطاط وهي تهديده علنا للضابط، فهي تتحدث عن لغة وليس عن تهديد لأحد منتسبيها.
3. غيرت الوزارة بيانها على الفور بعد اتصال السفير الايراني، وضغوط زعماء ميليشيات الحشد الشعبي. إذ كشفت تقارير إعلامية عراقية في 17/4/2019 عن تقديم وزارة الداخلية الاعتذار لرجل الدين (كاظم جمال الدين)، بعدما أكدت أنه ثبت براءته من التهمة المنسوبة إليه. ويأتي قرار إطلاق سراح رجل الدين، بعد أقل من 24 ساعة على تهديدات قائد جيش المختار التابع للحشد الشعبي واثق البطاط، للضابط بإدارة مكافحة المخدرات بالبصرة (علي شياع الحمودي) الذي ألقى القبض على المعمم.
ربما يكون هذا اسرع تحقيق يجري في تأريخ القضاء العراقي بعد تبرئة مشعان الجبوري من تهمه خلال ساعتين، هل من المعقول استكمال التحقيقات خلال اقل من (24) ساعة ويطلق سراح المجرم ويعتذر منه، ليت القضاء العراقي بمثل هذا النشاط والسرعة مع بقية المعتقلين العراقيين ممن امضوا عدة سنوات بإنتظار محاكمتهم! وليت وزارة الداخلية بهذا المستوى العالي من الأخلاف فتعتذر من المهم بعد ان تثبت برائته.
السؤال: ما هو عدد المتهمين الذين اعتذرت منهم الوزارة بعد ان برأ القضاء ساحتهم منذ عام 2003 ولحد الآن؟ الجواب فقط هذا المعمم! اما لماذا؟ فالوزارة اعرف.
4. بهذ التصرف اثبتت وزارة الداخلية العراقية تبعيتها للسفارة الايرانية، وانها تدعو تجار المخدرات في ايران والباكستان وافغانستان بلبس العمامة خلال تجارتهم بالمخدرات مع العراق، لأن العمامة فوق القانون، كل شيء يجوز عمله تحت العمامة، العمامة هي غطاء الكبائر، ولا يجرأ أحد على المساس بها مهما كانت سلكته القانونية، لأنها عمامة رسول الله كما زعم البطاط.
5. كلمة أخيرة للدجال البطاط، هل فكرت قليلا با جاهل بأنه اذا حدث ان تعرض الضابط لا سامح الله الى القتل لأي سبب، فأن حربا شعواء ستجري بين عشيرتك وعشيرة بني مالك، وسيذهب العشرات ضحايا بسبب تصرفك الأخرق.
انزع انت وكل المعممين العمامة، عمامة رسول الله لا تقبل الدجل والكذب والرياء، كفاكم يا أوغاد ما فعلتم في العراق، اتركوا الناس تعيش بسلام، وكفاكم متاجرة بعمامة رسول الله.
سؤال اخير: لماذا لم يستأثر هذا الموضوع بإهتمام الكتاب العراقيين، سيما الشيعة منهم؟ لو كان هذا المعمم رجلا سعوديا، هل سيكون لهم نفس هذا السكوت المريب؟ سؤال بريء جدا!!