18 ديسمبر، 2024 8:39 م

العمامة بين المسار والمسير

العمامة بين المسار والمسير

بطبيعة الأحزاب والتيارات والحركات السياسية، عند نشأتها وانبثاقها تضع لنفسها منهاجاً واضحاً, وأيدولوجيات محددة, وثوابت معينة، تكون لها منهج سياسي تسير عليه، بتوجهات كأن تكون إسلامية أو علمانية أو لبرالية أو ما شاكل، ولا يختلف (تيار الحكمة الوطني) الذي شكله السيد (عمار الحكيم) مؤخراً، عن تلك الأحزاب والحركات والتيارات، من ناحية المبدأ الأساسي لانبثاقها.

فعندما ارغم السيد الحكيم على الخروج من المجلس الاعلى، بسبب تصاعد وتيرة الخلافات بينه وبين الحرس القديم للمجلس الأعلى، واخذت الأفكار والرؤى تتقاطع فيما بينه وبين الهيئة القيادية، ترك المجلس وزهد فيه وخرج وحيداً منه، الا إن غالبية التنظيمات أبت البقاء ضمن التنظيمات السابقة والتحقت بالحكيم، إيماناً منها بمنهجيه الصحيحة ومسيره الواضح، وبقائه العلني تحت عباءة المرجعية الدينية في النجف الأشرف واستضلاله بخيمتها، ولم يكن ذلك ادعاء، لأنه ابن مرجعية النجف وابن زعيم الطائفة، فهو جزءً منها ولم يكن دخيلاً عليها.

الحكيم وبعد خروجه والإعلان عن تياره الجديد، تعرض الى الهجوم من البعض وعلى الملأ، وأخذوا يتهمونه في الكثير من الامور التي لم تكن فيه، ومن جملة تلك الإتهامات، انه انحرف عن الخط والمسار المرسوم للتيار، إلا ان المدعين للإنخراف لم يبينوا ما هو ذلك المسار والخط الذي انحرف عنه، هل إن الإنحراف هو إبتعاده عن إسلاميته ومذهبيته ومرجعيته أو نزع عمامته ولباسه الديني، والتحق بالعلمانية والتوجهات اللادينية.

فما شهدناه في اليوم الأول من محرم الحرام كان رسالة واضحة وضوح الشمس، حيث خرج الحكيم بزيه الديني وعمامته السوداء واعتلى المنصة ليقول “إننا نقولُ بملء الفمِ, أننا بحمد الله مسلمون, مؤمنون باللهِ ورسولهِ وكتابهِ العزيز…الخ”، ولن تخلو محاور كلمته من ذكر الحسين عليه السلام والإستشهاد بثورته، ولم يختزله لنفسه ولمذهبه ولدينه ولبلده وقال “نحنُ حسينيونَ ، ولكنَّ الحسينَ لا يُمْكِنُ أن يصادرَهُ أحدٌ ولا يُمْكِنُ أن يحتكرَهُ أحدٌ، فالحسينُ للسنَّةِ والشيعَةِ، وللعربِ والكُردِ والتركمانِ و الشبك .. للمسلمينَ والمسيحيينَ والصابئةِ والأزديين، الحسين للعراقِ ولإيرانَ والسعوديةِ ومصرَ وتركيا وكلِّ الدولِ العربيَّةِ والاسلاميَّةِ، بل الحسينُ للإنسانيةِ جمعاءَ مهما اختلفت دياناتُهُم وتوجهاتُهُم الفكريَّة.

اما عن الجمهور والادعاء بأن الحكيم فقد جمهوره، فرسالة الجمهور كان من اروع الرسائل الواضحة، وكان حضورهم حضور منقطع النظير، إمتلئت بهم الملاعب المخصصة للجمهور، وكانت عبارة عن افواج هادرة عصفت بها الساحات، لتعلن بيعتها (للإمام الحسين) عليه السلام في اليوم الأول من المحرم.

لقد خسر الكثير الرهان, وفاز به الحكيم وأنصاره, وأثبتوا ولائهم الديني والمذهبي والمرجعي لإمامهم الحسين المظلوم، ولقائدهم الذي ما زال يراهن عليهم لثقته بهم، وبان المسير والمسار الحقيقي للسيد (عمار الحكيم)، وأنه ابن المرجعية وليس من مدعيها, وإنه على نهج آل بيت النبوة والرسالة، وأنه جزء من القضية الحسينية وليس دخيلاً عليها, وانه ما زال متمسكاً بعراقيته وعراقه الموحد الذي يجمع كل العراقيين بمختلف دياناتهم ومذاهبهم وقومياتهم، وان العراق لا يمكن له ان يكون بمعزلِ عن اي احد من ابنائه, ولا يمكنه ان ينأى بنفسه عن محيطه الإقليمي والعربي, وكان وما يزال يمثل قلب المنطقة والعالم، وما زال يؤمن بالوسطية والإعتدال التي هي منهجاً واضحاً لمسيرته