23 ديسمبر، 2024 2:49 م

العمامة الشيعية تقصي أﻭﺗﻮﻗﺮﺍطية عرب السلطة

العمامة الشيعية تقصي أﻭﺗﻮﻗﺮﺍطية عرب السلطة

تعد الثورة الإسلامية على يد العالم الشيعي المنفي آية الله الخميني، والتي تمكنت من إزاحة النظام البهلولي الملكي، رغم الميزانية الضخمة التي صرفت على جيش الشاه وأجهزته البوليسية في إيران عام 1979، مفاجأة على مسرح الأحداث الدولية، ظفرت الطبقة الدينية الشيعية من السيطرة على الحكم بعد قرون من الإقصاء السياسي .

تأتي هذه الثورة وسط مخاوف كبيرة أصابت القوى الإمبريالية والأنظمة ﺍﻷﻭﺗﻮﻗﺮﺍﻃﻴﺔ الخليجية والعربية، والتي شعرت بخطر إيران من خلال سعيها بتصدير ثورتها إلى دول الشرق الأوسط، وخلق جمهوريات إسلامية تحل محلها، خطط الأميركان لإنقلاب يجهض ثورة الخميني؛ فأجتمع زبيغنيو برزينسكي مستشار الأمن القومي بالحسين بن طلال ملك الأردن في تموز / يوليو 1980، لعب الحسين دور الوسيط بين المستشار والديكتاتور صدام، نظم بختيار شابور ضباط إيرانيين لقيادة الإنقلاب في التاسع من الشهر ذاته، ليتم دعوة جيش العراق لغزو إيران والذي عرف بإنقلاب ” نوجة” .
لكن هذا الإنقلاب سرعان ما فشل بسبب تمكن الجواسيس السوفيت من كشف المخطط وإبلاغ السلطات الإيرانية، حيث تمكن الحسن بني صدر الرئيس الإيراني من تطويق وإعتقال 600 ضابط وإعدامهم كثير منهم، لكن صدام قرر إتمام المخطط دون الحاجة للضباط، لتبدأ حربا ضروسا دامت 8 سنوات حصدت أكثر من مليون قتيل .
نجحت الأحزاب والتيارات الشيعية من الوصول إلى سدة الحكم في العراق، بعد إنهيار البوابة الشرقية بإحتلال العراق وسقوط نظام صدام حسين، والذي أشعل مخاوف الأوتوقراطيين العرب ، من تبعات تصدير الثورة من جديد والتي أصطلحت بالهلال الشيعي ، حيث حذر الملك الأردني عبد الله الثاني، في تصريح له على صحيفة الواشنطن بوست الأميركية، في الثامن من كانون الأول / ديسمبر لعام 2004، من مصلحة إيران إقامة الجمهورية الإسلامية العراقية، حيث قال ” اذا ما نجحت شخصيات سياسية أو أحزاب عراقية موالية لإيران في الإنتخابات، فإن حركة شيعية سياسية قوية سوف تنبعث من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان، ﻭ ﺗﻐﻴﺮ ﻣﻮﺍﺯﻳﻦ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺬﻫﺒﻴﻦ الرﺋﻴﺴﻴﻴﻦ ﻭ ﺗﺸﻜﻞ ﺗﺤﺪﻳﺎ ﺟﺪﻳﺪﺍ ﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻭ حلفائها ﺃﻱ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ! ” .
وما بعد قيام تنظيم داعش وسيطرته على عدة محافظات عراقية، دخلت إيران على خط المواجهة وبشكل علني، فهي قامت بإرسال ضباط عسكريين إيران بصفة مستشارين لدعم القوات العراقية وفصائل الحشد الشعبي بعد فتوى السيد السيستاني، حيث لعب الجنرال قاسم سليماني دورا مهما خلال الأزمة، ناهيك عن الدعم واللوجستي الذي قدمه الإيرانيون للحكومة العراقية، وكما قدم العبادي وكبار المسؤولين في الدولة شكرهم لإيران .

تمكن إيران من خلق علاقة متميزة مع النظام السوري، حيث يشكلان معا حلفا إستراتيجيا قويا في المنطقة، سوريا لم تقف ضد إيران في حربها مع نظام صدام، واستمر التعاون فيما بينهما في مختلف المجالات، خلال الأزمة السورية قدمت إيران دعما كبيرا لنظام الأسد، بما في ذلك الدعم اللوجستي والتقني والمالي وتدريب الجيش السوري، فيما تعتبر بقاء الأسد ضمانا لمواجهة المحور الإمبريالي والذي يهدف إلى كسر محور المقاومة والممانعة، فيما أعلن أية الله الخامنئي المرشد الأعلى في سبتمبر لعام 2011 الجهاد لصالح الحكومة السورية .

إيران مكن لها الإمتداد إلى العمق اللبناني ودعم حركة أمل وحزب الله اللبناني وقد ألتزم الحزب رسميا هذا الشيء وفق البيان الصادر في 16 فبراير / شباط 1985؛ أن الحزب ” ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعاجلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في آية الله الخميني مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة .”
رغم الإختلاف المذهبي بين الفصائل الفلسطينية والنظام الإيراني الشيعي؛ دعمت إيران بشكل مباشر وعلني القضية الفلسطينية غير مكترثة بالمجتمع الدولي الذي كان يدعم الكيان الإسرائيلي، حيث دعمت الثورة الفلسطينية وتنظيمات فصائلها ؛ حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية / القيادة العامة، ماليا وعسكريا ومعنويا، وأولت القيادة الشيعية في حوزتي قم والنجف، إهتماما كبيرا ونددت بممارسات الكيان الإسرائيلي .
أتسمت العلاقات بين ايران واليمن بالودية، ولكنها بعد قيام ثورة الشباب في اليمن تزعزت، لإتهمت الحكومة اليمنية والمدعومة من دول الخليج، إيران بالتدخل بالشكل المباشر بالشؤون الداخلية، ولكن بعد سيطرة جماعة الحوثي ” أنصار الله “، إيران رحبت ودعت الأطراف اليمنية للجلوس مع بعضها لحل مشاكلها دون تدخل إقليمي، مما أثار حفيظة الدول الخليجة وبالتالي عمد مجلس التعاون الخليجي لإدانة ما يسمى بالانقلاب الحوثي وطلب منهم إعادة السلطة للرئيس اليمني هادي والذي قدم إستقالته لمجلس النواب .
البرنامج النووي الايراني، والذي تم إطلاقه في خمسينيات القرن الماضي بدعم أميركي أوروبي للمشروع إبان حكم الشاه، وعند قيام الثورة الإسلامية في إيران، أمر الخميني بحل الأبحاث الأسلحة النووية السرية للبرنامج، إذ كان يعتبرها محضورة بموجب الأخلاق والفقه الإسلامي، لكنه سمح بإجراء بحوث صغيرة النطاق في الطاقة النووية، حيث أعاد تشغيل البرنامج خلال الحرب العراقية الإيرانية، يثير النووي الإيراني قلق الحكومات العربية لما تعتبره من خطر كبير على وجودها، فيما يبين الإيرانيون أن برنامجهم النووي سلمي ويستخدم في المجالات الإنسانية .
تسعى حكومات الخليج إلى إفشال المفاوضات النووية بين إيران والمجموعة ( 5+1 )، لما تعتقده إن الإتفاق سيعطي الشرعية الدولية لإيران، فهي تبذل الجهود لتحشيد الساحة الإقليمية ضدها، حيث تجري مفاوضات غير معلنة بين تركيا والسعودية ومصر لخلق توازنات جديدة في المنطقة، وإعادة ترتيب البيت السني وتشكيل قوى موازية، من أجل صد الخطر الشيعي والذي يهدد إستقرار البلدان العربية على حد وصفهم .