تستمر ردود الأفعال متعددة الاتجاهات لشعار”باسم الدين سرقونا الحرامية” الذي رفعه المتظاهرون لفضح ممارسات ما تحت الطاولة السياسية و ما نجم عنها من أزمة ثقة بين العمائم” السياسية” و المواطن المغلوب على أمره ، الذي خرج من الزيتوني ليجد نفسه محاصرا بعمائم حصر لها و لا يعرف مصدرها وثقافاتها ،بعيدا عن موروث اجتماعي يكن احتراما عفويا لرجل الدين، وذلك قبل أن تتغير الصورة باقحام السياسة بالدين بلا حدود وفي أجواء يتجاذبها الفساد من كل جانب.
ولم يتعود العراقيون قبل 2003 هذا العدد الكبير من رجال الدين و من مختلف الأعمار و الاتجاهات، لدرجة تم تشبيه الظاهرة بحالة الزيتوني قبل 2003، حيث تمت عسكرة المجتمع بغض النظر عن القناعات الشخصية، بينما تم فرض ” الرجال الجدد” على نمط الحياة اليومية بغض النظر عن القبول و الرفض، سيما وأنه باتت لكل مناسبة” العمامة الخاصة بها”، ما أثر سلبا على هيبتها بشهادة رجال دين منصفين، يستغربون هذا الكم الهائل من رجال الدين الشباب بمختلف التوصيفات.
ونحن هنا ندعو الى التفريق بين حالتين متناقضتين.. رجل الدين المجتهد و البعيد عن مغريات الحياة خارج الضوابط و بين اللاهثين عن جاه حتى في محطات بيع الوقود ، فالأول له من الجميع كل الاحترام و التقدير فيما لا يجوز حشر الفريق الثاني في خانة الباحثين عن رضا الله و الشعب بتضحيات لا بمزيد من الأمتيازات و المغريات، التي يحاول البعض تعميمها على الجميع بمجافاة كبيرة للحقيقة و المنطق.
ونحن هنا نود التأكيد على خطورة جر التظاهرات ضد الفساد والطائفية، إلى صراع بين الدين و الدولة المدنية أو ما يطلقون عليه العلمانية، في محاولة مقلقة للايحاء بان المتظاهرين يخرجون عن القيم الدينية المتوارثة وهم براء من هذه التهمة، لأنهم يريدون تطهير رجال الدين مما لحق بهم من شوائب بعض المحسوبين عليهم بلا وجه حق، والذين يحاولون تشويه النهج الوطني للتظاهرات من أجل التغطية على تراكمات في الفساد الذي تعفن ففاحت رائحته على مستويات عليا، لها من نفوذ السلطة ما هو كثير، ما يؤهلها للعب دور الجلاد و الضحية في وقت واحد، بينما غالبية الشعب دون مستوى خط الفقر، ما يدفع المئات الى ركوب موجات الموت في البر و البحر للتخلص من بؤس الحياة العراقية بالوقت الحاضر، حيث يتم تسييس الدين بطريقة غير معهودة و لامقبولة.
ليس هناك الا المجانين الذين يتخيلون أن هذه التظاهرات هي ضد الدين، فالشعب خرج من الجوع و الظلم و انعدام الأمل، محاولا دفع علماء الدين العقلاء الى الواجهة وهو ما تحقق من مواقف أجهضت أحلام المغامرين بإثارة الفقرءا ضد المتظاهرين بزعم المساس بالثوابت و التقاليد، لينقلب السحر على الساحر ويبدأ العد التنازلي لرؤوس كثيرة ” حان وقت قطافها”.