يأتي احتفال الطبقة العاملة في كل إنحاء العالم بعيدهم العمالي في الأول من أيار كل عام؛ وهم يواجهون تحديات على كل الأصعدة الحياة بدا بمرتكزات العمل النقابي ومهام الملقى على عاتقهم في دفع عجلة الحياة ومسيرتها التنموية اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا نحو الإمام من اجل تعزيز إسهاماتهم الوطنية في تطوير إمكانيات دولهم وتحسين أوضاع المعيشية للمواطنين ومن اجل مواجهة تحديات القوى الامبريالية التي تسعى إلى الهيمنة على شؤون ومستقبل السياسي لدول العالم الحرة والتي تقودها الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ليكون احتفال العمال بعيدهم في الأول من أيار تأكيدا على قوة عزمهم لدفع مسيرة المجتمعات نحو التطور والازدهار والتقدم لانجاز مهامهم المنشود في الحرية والاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي .
فإحياء ذكرى (الأول من أيار عام 1886) قد جاء بعد إن اقر مؤتمر (الأممية) الذي عقد عام 1889 باعتبار ما حدث في إضرابات العمال عام 1886 اثر خروج على ما يزيد عن340 ألف عامل في مدينة (شيكاغو) الأمريكية؛ مطالبين بتقليل ساعات العمل وحصرها بثمانية ساعات بعد إن كانوا يعملون لأكثر من 16 ساعة عمل في اليوم تحت ظروف قاسية، كما طالبوا بتحسين أوضاعهم المعيشية وزيادة مرتباتهم؛ ولكن خلال الاحتجاجات والإضرابات السلمية؛ ألقى أحد عناصر الشرطة قنبلة يدوية على زملاءه من الشرطة فقتل سبعة منهم؛ وذلك لتصوير بان المتظاهرين هم من فعلوا ذلك؛ مما أدى الأمر بأفراد الشرطة إلى فتح النار على المتظاهرين عشوائيا ليسقط عدد من القتلى في صفوف العمال وجرح أكثر من مئة عامل، ليتطور المشهد لاحقا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا في مختلف ولايات المتحدة الأمريكية؛ بل امتد تأثيرها إلى اغلب مدن العالم الحر؛ بعد أن أخذ الإعلام يسلط الضوء على المشهد بشكل مكثف ما أدى بالدولة الأمريكية وباقي دول العالم للرضوخ لمطالب العمال المشروعة، ليعتبر ما حدث في الأول من أيار من عام 1886 عيدا عالميا للعمال تحتفل الطبقة العاملة واتحاداتهم وتنظيماتهم ونقاباتهم العمالية في العالم بهذا اليوم كل عام .
فدور الطبقة العاملة وجهدهم في خدمة المجتمع هو دور خلاق ليس على مستوى العمل والبناء ورفاهية المجتمع فحسب بل يتعدى أمره بحجم التضحيات المقدمة في سبيل تطور أوطانهم وأمنهم واستقلالهم، ولذلك عملوا العمال على تنظيم صفوفهم في حركات نقابية تحمل الإطار التنظيمي لطبقة العاملة وتشكيل قيادات بمختلف اتجاهات فكرية وانتماءات سياسية ليناضلوا في سبيل أهداف وطنية في التنمية والتحديث والحرية والاستقلال ومواجهة القوى المعادية لتطلعاتهم ولحقوقهم ورفع الظلم والاستغلال والتسلط ومن اجل تحقيق العدالة واكتساب مزيدا من مكاسب توازي جهدهم وعملهم المتواصل في تحسين الإنتاج ووسائله؛ ليكون هم قادة الإنتاج يسعون إلى تحويل ملكية إنتاجهم إلى قطاع العام للقضاء على الرأسمالي والاستغلال الطبقي وتحجم دورها – بقدر الإمكان – من اجل نقل طبقتهم إلى مواقع متقدمة يكون إنتاجهم في خدمة مجتمعاتهم وأوطانهم، ومن هنا يبرز دور النقابات العمالية في تنظيم واجباتهم وعملهم ومسؤولياتهم باتجاه العمال وباتجاه القضايا الوطنية بدا بتنظيم عمل النقابي وانتهاء بتطوير الإنتاج من اجل برهنة حجم وعي العمل التنظيمي أولا وثانيا من جل بث روح الوطنية الخلاقة والتضحية في سبيل رفاهية المواطن والمجتمع وحرية الوطن واستقلاله من خلال زيادة الإنتاج وتدعيم اقتصاد الوطني والقطاع العام والتي تصب لصالح رفع مستوى ألمعاشي للمواطن ومن اجل تقدم وازدهار الوطن .
فالعمل النقابي إنما هو انعكاس على مدى الوعي لدى الطبقة العاملة بالمهام الملقي عليهم اتجاه أوطانهم ومجتمعاتهم وهو بتالي انعكاس على حجم النمو والتطور الاجتماعي التي وصلت إليه هذه الطبقة، لان يقيننا بان أية حركة نقابية ما هي تعبير عن مكونها الاجتماعي لطبقة ذاتها، ولهذا فان نضج الحركة النقابية تكون أسيرة لنضج المجتمع وستكون أنشطتها متعلقة بمستوى هموم ومشاكل ذلك المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ولهذا فان أية حركة عمالية تكون خاضعة لظروف محيطها الاجتماعي؛ يعتريها من الإمراض ما يعتري مجتمعها قد تكون تنظيمية أو خارج عن إرادتها أو مفروضة عليها .
ولهذا فان الحركة العمالية يكون وزنها السياسي مرتبط بطبيعة تحرك الاقتصاد والاجتماعي، ففي كثير من المواقع تكون مبعث النشاط والطاقة والحيوية؛ وفي مواقع أخرى تكون عقبه في طريق التطور، وكل ذلك يرتبط في طبيعة اختيار القيادات الحركة العمالية وأسلوبها ومهنيتها ومدى سعيها في بلورة أفكارهم مع التيارات الفكرية والسياسية بما يتم بلورة أفكار وأهداف مشتركة لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، ولهذا نرى بان أكثر تنظيمات العمالية ونقاباتها تتجه اتجاها (اشتراكيا) وخاصة حين تم بلورة مفهوم (الاشتراكية) في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، والتي شملت على مجموعة من أفكار تقدمية خصت بالدرجة الأولى أوضاع العمال والفلاحين والمواطنين وكيفية تحسينها بشكل عام، ولذا شكل التيار (الاشتراكي) نقطة تحول كبير في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد اخذ هذا التأثير مداه في الحركات العمالية وفي تنظيماتها، ولهذا فان النقابات العمالية حين بلورة مفاهيمها (الاشتراكية) وأخذت تتخلخل بين صفوف الطبقة العاملة والتي كانت في طور نشأتها مع تصاعد الثورة الصناعية، ولهذا وجدت النقابات العمالية قاعدتها بين صفوف العمال لينطلق نضالها الطبقي من هذا الوسط لتواجه هذه النقابات تحديات وصراعات شرسة من قبل الطبقات (البرجوازية) التي أخذت بانتقادات قيادات النقابات وتهديد العمال المنتمين إلى النقابات بطردهم وحرمانهم من العمل، بل اتجهوا نحو قمع تظاهرات العمال ورفض مطالباتهم بحقوقهم وزيادة الرواتب وتقليل ساعات العمل؛ عبر أجهزة الشرطة الذين استخدموا أبشع وسائل القمع ضد العمال ونقاباتهم، وحين عجزت الطبقة (البرجوازية) من قمع إرادة العمال لجوا إلى أساليب أخرى في استيعاب النقابات فبدؤوها بالحوار وأضفوا لها شرعية مقابل رضوخ النقابات لأهم شروط ومطالب الطبقة (البرجوازية) بما لا يشكل أي خطورة على المجتمع (البرجوازي)، أي أنهم أرادوا تحجيم كفاح الطبقة العاملة إلى مستوى تحسين شروط الاستغلال دون القضاء عليه، ولكن تم رفض هذه الآملات من قبل العمال ونقاباتهم مواصلين الضغط على أصحاب المصانع و رؤوس الأموال الذين عارضوا مطالب العمال بكون جل مطالبهم تعارض مصالح الطبقة (الرأسمالية (ومبدأ (حرية العمل) الذي تم صياغته من قبلهم – أي من قبل الطبقة (الرأسمالية) – الذي تم صياغة وتفسيره على مبدأ تنظيم العلاقة بين أصحاب الرؤوس الأموال والدولة بما يضمن بعدم تدخل الدولة في شؤون أصحاب الإعمال والعمال ويترك العلاقة بين الطرفين وفق شروط يتوافق الطرفين عليها دون رقابة وقيد، وهذا ما أدى إلى استغلال أصحاب الإعمال العمال الكادحين وفق شروط مجحفة تم إملائها عليهم وخاصة ما يتعلق بأجور وساعات العمل، لان كل ما هم أصحاب الطبقة (الرأسمالية) هو فتح مشاريع اقتصادية و جمع الأموال؛ والذي يترتب عنه زيادة الطلب على الأيدي العاملة والذي نتج عنه استغلال الأطفال والنساء في العمل وعلى نطاق واسع لرخص أجورهم، في وقت الذي لم يبالي أصحاب العمل إلى تحسين ظروف العمل ورعاية العمال؛ وهذا الإجحاف والطغيان من قبل الطبقة (الرأسمالية) وسيطرتهم على مراكز القرار في الدولة أدى إلى ظهور انتهاكات وتجاوز خطيرة على حقوق العمال و ظروف عملهم، وهو الأمر الذي مهد إلى قيام تجمعات وتنظيمات وتظاهرات عمالية للمطالبة بتحسين أوضاع العمال والدفاع عن مصالحهم، ورغم إن أصحاب الطبقات (الرأسمالية) وقفت بالضد مع تطلعات العمال ومنعت أي أنشطة وتجمعات للعمال، ورغم التضحيات والمشاكل التي تعرض عليها العمال واصلوا نضالهم؛ ولم تثنيهم على الصمود والمواجهة ومواصلة السعي للحصول على الاعتراف بالعمل النقابي من أجل خدمة مصالح الطبقة العاملة، وهذا ما مهد إلى زيادة الوعي العمالي في أهمية توحيد صفوف العمال لمواجهة كل أشكال الاستغلال والاحتكار؛ وهذا ما عزز دور النقابات العمالية التي أخذت على عاتقها الخوض معارك مصرية ضد المحتكرين والمستغلين بقوة ووحدة وتضامن العمال وتقاربهم وفعاليتهم مع هيئات النقابة وتضامنهم الدولي، حيث وقفت نقابات العمال في شتى دول العالم متضامنة فيما بينها وعلى كل أصعدة الحياة وأنشطها المهنية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية لتعزيز الأمن الدولي والسلام فوقفوا صفا واحدا ضد العدوان والاستعمار والعنصرية، وقد تم فعلا إحراز تقدما واضحا على مستوى العمل الدولي في هذه المجالات وخاصة في مكاتب (الأمم المتحدة) ليتم تكوين جبهة مشتركة لمنظمات العمل النقابية لعمال العالم؛ وفعلا تم في بداية القرن الماضي وضع دستور لـ(المنظمة العمالية الدولية أولى) اعد بيانها الافتتاحي المفكر والفيلسوف الألماني (كارل ماركس) بحضور وفود من عدد دول ألمانيا وفرنسا وانكلترا وايطاليا، حيث طرح (كارل ماركس) فكرة وحدة الطبقة العاملة من أجل تحسين شروط العمل وزيادة أجور العمال وخفض ساعات العمل في مختلف بلدان العالم، والعمل على إزالة الاضطهاد والاستغلال والنضال، والكفاح ضد النظم الرجعية الحاكمة، ومن أجل تعزز قيم الديمقراطية والحصول على الحريات السياسية والنقابية وتشجيع الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ليرفع (كارل ماركس) في ختام البيان شعاره العظيم ((يا عمال العالم اتحدوا)) كرمز لوحدة عمال العالم وتضامنهم، وبعد المؤتمر أعلن قيام المنظمة التي ضمت جمعيات عمالية تهدف إلى حماية وتحرير الطبقة العاملة ويكون مقرها في (لندن)، ومن ثم انتقلت إلى (نيويورك) وانضمت إليها نقابات عمالية من مختلف دول العالم، ولكن لم تعمر طويل بسبب تفاقم الصراعات والانقسامات بين قيادة هذه المنظمة، ولكنها بلا شك وضعت اللبنات الأساسية لوحدة الحركة العمالية الدولية وساهمت في بلورة الأفكار الاجتماعية والاقتصادية وإلى ظهور الأفكار (الاشتراكية) وانتشارها في العالم والتي مهدت الطريق أمام عمال العالم لتوحيد مطالبهم وحقوقهم وفي تحديد ساعات العمل؛ والتي أمرت فيما بعد بعقد مزيدا من اللقاءات وتبادل الزيارات بين النقابات لمختلف دول العالم .
وهكذا صاحب التنظيم النقابي للعمال تطور ملحوظا في الحركة النقابية وبنيانها اثر تأثرها بالأفكار (الاشتراكية) التي دعمت حركة العمال ضد كل أشكال الاستغلال؛ و أدى ذلك إلى تطور في الفكر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ولهذا سعوا الساسة إلى كسب واستمالة أصوات العمال وهو أمر الذي جعل العمال يؤثروا على مراكز الحكم؛ لذلك برز دور النقابات في تزكية أي مرشح للحكم أو إسقاطه، ليظهر أهمية النقابات في النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتحديدا في فترة (الحرب العالمية الثانية) ليكون جهد العمال في زيادة الإنتاج وسد احتياجات الدولة من الصناعات الحربية من اجل تحقيق النصر على الأعداء أثره على جبهة القتال كما حدث في (الاتحاد السوفيتي) حين تم لـ(ستالين) تجنيد طاقات العمال في خدمة أهداف الدولة الإستراتجية في صناعة الأسلحة لمواجهة أعداء الدولة وصمود وتحقيق النصر، ليشكل ما قام بعمله (لينين) في تنظم العمل ودعم جهد العمال واستكمله (ستالين) في دعم (الطبقة العمالية) وإقامة نظام تكون زعامة الدولة بسيادة هذه الطبقة أي الطبقة (البروليتاريا)، نظرا لدور الذي تلعبه هذه الطبقة على كل مستويات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ كما لعبت الطبقة (البروليتاريا) دورا عظيما في الاتحاد السوفيتي حين استطاعت هذه الطبقة إن تحول دولتهم وبفترة قصيرة من دولة محراثيه إلى دولة نووية .
ليتضح مما تقدم بان العمل النقابي بقدر ما يكون فاعلا في أهدفه دفاعا عن حقوق العمال فانه لا محال سيتحول بنيته إلى حركة اجتماعية تتسع حلقاتها لبث الوعي في نفوس المواطنين وتنمي قدراتهم في تطوير الصناعة في الدول و التضامن مجتمعي وليتم تحقيق العدل والمساواة ودعم الحرية والديمقراطية والتعبير؛ من اجل أحداث تغير وتنمية المجتمع والمساهمة في وضع سياسات مستقلة لدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا .
ومن هنا تبرز أهمية هذا اليوم ورمزية في تاريخ الشعوب المناضلة من اجل الحرية والديمقراطية والسيادة والاستقلال، إذ يتبلور مفهوم التضامن ونضال (الطبقة العاملة) إلى معطيات أكثر ايجابية في البناء والازدهار من اجل الدفاع ليس عن مصالحهم فحسب بل على مصالح المجتمع باعتباره طرف أساسيا في رسم سياسات الدولة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا؛ حينما يكون قادرا على قراءة قدرته قراءة صحيحة فان لا قوة تستطيع الهيمنة علية إذ اتحدوا، وكما قالها (ماركس): ((يا عمال العالم اتحدوا))، لان العمال ما لم يتحدوا لن يستطيعوا إن يكونوا قوة لمواجه المستغلين؛ ولان طبيعة البشرية كما قالها (ماركسي) قائم على الصراع مستمر بين (المستغِلين) و(المستغَلين) بين (العمال) و(الرأسماليين)، فان كانت (البرجوازية) قد تمكنت القضاء على (النظام الإقطاعي) لتخلق طبقة جديدة وهي (الطبقة العاملة) وريثتها ومبيدتها، فالطبقة (الرأسمالية) لن تستطيع القضاء على (الطبقة العمالية – البروليتاريا) لأن وجودها مرتبط بوجود (الرأسمالية) ولأنها كما يقول (ماركس) جزء من كيانها فان تطور (الرأسمالية) لا محال سيؤدي إلى تطور (الطبقة العمالية) لتصبح هذه الطبقة قوة قادرة تقضي على (الرأسمالية)، لان يقيننا وكما قالها (ماركس)، بان (الرأسمالية) تحمل بذور فنائها في نفسها، وهذا ما سيكون……!