19 ديسمبر، 2024 6:48 م

العمائم تتدحرج بين اقدام المتظاهرين

العمائم تتدحرج بين اقدام المتظاهرين

لابد ان تحدد الحكومة موقفها من كون العراق دولة مدنية او دولة دينية؟ صحيح ان الدستور يعتبر العراق دولة مدنية، لكن من يحدد سياسة العراق ويدير دفة الحكم هو علي السيستاني ومواطنيه في نظام الملالي كالخامنئي وقاسم سليماني والسفير مسجدي، لا يصدر أي قرار أو قانون إلا بموافق نظام الملالي وعلي السيستاني. في كلمة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أشار الى انه سيقوم بإتخاذ إجراءات حسب توجيهات المرجعية، وهذا ينفي ان العراق دولة مدنية، طالما ان المرجعية هي التي توجه رئيس الوزراء، الدولة المدنية لا تسيرها المرجعيات الدينة، سيما انها مرجعيات اجنبية.
أفرزت التظاهرات الأخيرة نقاطا مهمة على الصعيد الوطني، سيما ان المراجع الدينية حاولت ركوب الموجة، لكنها تأخرت كثيرا عنها، ولم تعد تجدي محاولات ركوبها. فقد أكد المتظاهرون بأنهم لم يتسلموا أية توجيهات من مرجعية النجف ولا علاقة لهم بها، وقام بعض المتظاهرين بتمزيق صور السيستاني والخميني والخامنئي واليعقوبي، والبعض الآخر تهجم على المرجع الشيعي الأعلى بكلمات نابية، وكان البعض الآخر يردد الشعار الوطني الجامع (ايران بره بره، بغداد تبقى حره) الحقيقة إننا لا نريد بغداد فقط حرة، بل نريد العراق كله يتحرر من مكائد ودسائس الشياطين.
ولأن صورة المرجعية إهتزت بسبب موقفها المريب من التظاهرات الشعبية، فخلال اسبوع من التظاهرات كان منجل الحكومة والحشد الشعبي يحصد رؤوس المتظاهرين السلميين بلا رحمه، ولم يسمع العراقيون موقفا واحدا من مرجعية النجف تدين هذا الإجرام المفرط، ولا نفهم لماذا يستخدم البعض من الكتاب تعبير العنف المفرط! هل القتل والإبادة الجماعية تعتبر عنف مفرط كأب يعنف أبنائه بقوة؟ انه تسويف لحقيقة الجرائم البشعة التي ارتكبت بحق المتظاهرين. علما ان التظاهرات رغم شموليتها، لكن طابعها المميز هو الشيعي، سيما انها إجتاحت الجنوب العراقي ذي الأغلبية الشيعية. كان يفترض بمرجعية النجف من اليوم الثاني للحصاد البشري أن تدلي بموقفها وتدين العمليات الأرهابية للحكومة وحشدها المقدس الذي أسست له، وليس بعد عشرة أيام من التظاهرة، وعبر خطبة بائسة القاها نائب فاتيكان النجف عبد المهدي الكربلائي خلال خطبة صلاة الجمعة في كربلاء بقوله أن”الحكومة وأجهزتها الأمنية مسؤولة عن الدماء الغزيرة التي أريقت في مظاهرات الأيام الماضية”، محددًا مهلة أسبوعين للسلطات كي تعلن نتائج تحقيقاتها. مضيفا ان ما حصل عبارة عن ” مشاهد فظيعة تنم عن قسوة بالغة فاقت التصور وجاوزت كل الحدود”، معتبرا أن الحكومة مسؤولة “عندما تقوم عناصر مسلحة خارجة عن القانون، تحت أنظار قوى الأمن، باستهداف المتظاهرين وقنصهم، وتعتدي على وسائل إعلام معينة بهدف إرعاب العاملين فيها”. في الخطبة تعابير غريبة في البداية اعتبر الحكومة مسؤولة عن الدماء، وبعدها يتهم عناصر مسلحة خارج القانون! هل يعتبر الكربلائي القوات الأمنية وميليشيات الحشد الشيعي عناصر خارجة عن القانون؟ وأين كان هذا الكربلائي في الخطبة التي سبقتها، وكانت دماء الأبرياء تراق في بغداد ومحافظات الجنوب؟ هل هي صحوة ضمير بعد فوات الأوان؟ أم محاولة لإنعاش المرجعية بعدما بدأت تحتضر.
الحقيقة ان تأخر المرجعية في الكشف عن موقفها يرجع إلى انها هي من أسست هذه الحكومة، وهي من ساهمت في ترسيخ الفساد ووضعت لبناته الاولى بالاتفاق مع قوى الاحتلال الامريكي والاحزاب الاسلامية الطائفية، ان المرجعية اليوم مسؤولة اخلاقيا ودينيا وشرعيا عن الدماء التي تراق، لأن الحكومة صنيعتها، وجميع الحكومات السابقة تمت بموافقتها منذ تأسيس مجلس الحكم سيء الصيت ولغاية اختيار الشجاع العادل الحازم الأمين عادل عبد المهدي كرئيس للوزراء!!
أما المهلة التي قدمتها المرجعية فهي أدرى من غيرها بفشلها، لأنه لا أحد يجرأ على تسمية الجهات التي تقف وراء عمليات الإبادة الجماعية، بل لم نسمع بإدانة من قبل مجلس النواب ولا رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء، ولا وزيري الدفاع والداخلية عن استخدام العنف (حسب تسمية الحكومة) من قبل القوات الامنية ضد المتظاهرين. ان النباح الرسمي بوجود طرف ثالث ومندسين قد زاد من صداع رؤوسنا المزمن ويأسنا من هذه الرئاسات الفاشلة. لماذا لا تستطيع الحكومة ان تفصح عن الطرف الثالث؟ هل لأنهم من الحرس الثوري الايراني؟ ام من الحشد الشعبي الذي شكل ما يسمى بالدولة العميقة. لم توجه الرئاسات الثلاث اصابع الاتهام الى اية ميليشيا تضم القناصين، بمعنى انها اضعف من هذه الميليشيات، ولا جدوى من خطاب المرجعية. اليست المرجعية قد زعمت بأن صوتها قد بح من الصراخ لمكافحة الفاسدين؟ فلماذا خرست عندما خرج المتظاهرين مطالبين بمحاربة الفساد؟ هل بسبب الخشية من فقدان المزايا والنفوذ الكبير للمرجعية واحزابها السياسية التي زكتهم لنا، وطالبت بإنتخابهم لمرتين علنا واخرى سرا؟ اليست المرجعية هي التي اختارت عادل عبد المهدي واعتبرته يتوافق مع تطلعاتها في العدل والشجاعة والحزم؟ الم ترفع المرجعية شعار (المجرب لا يجرب)؟ فلماذا تنصلت عنه؟ هل عادل عبد المهدي الذي إستوز المالية والنفط، وكان نائبا لرئيس الجمهورية، واحد منظرين الدستور المسخ غير مجرب يا مرجعية؟ على من تضحكون؟ والى متى تضحكون علينا؟ العلة ليس فيكم، بل في اتباعكم الجهلة والمستحمرين، الذين يسيرون كالغنم وراءكم.
هل تجهل المرجعية ـ وهي تزعم ان كل شيء يجري في العراق تعرف به ـ ان القناصين المجهولين كانوا يعتلون وزارة النفط، ومجمع النخيل مول، ومستشفى الجملة العصبية؟ وهي جميعها محاطة بحراسات أمنية مشددة؟ اليس هم أنفسهم الذين هجموا نهارا على القنوات الفضائية واعتقلوا بعض افرادها وسرقوا ممتلكاتها ودمروا ما لم يسرقوه؟
اليس استماتة القنوات الفضائية العائدة للميليشيات في الدفاع عن القناصين، يعني بالنتيجة انهم من عناصر هذه الميليشيات؟ انهم يسمون المتظاهرين بالمندسين ومثيري الشغب.
الا تعلم المرجعية ان اهداف المتظاهرين تلخصت في محاربة الفساد والقضاء على البطالة. وانه لا يمكن للحكومة ان تعالج اي منهما، فعد الموظفين الدائميين والمتقاعدين والوقتيين والعاملين بعقود يصل الى حوالي (7) مليون، وعدد العاطلين يقارب هذا العدد، وميزانية الدولة تعاني من عجز هذا العام بحوالي (23) مليار دولار، مع ديون خارجية تتجاوز (120) مليار دولار، وعدم وجود استثمات اجنبية او حكومية في المجالين الصناعي والزراعي، علاوة على ضغوطات صندوق النقد الدولي على العراق لتقليل الانفاق الحكومي، مما يعني انه لا أمل في القضاء على البطالة ولا مكافحة الفساد.
ورد في خطاب المرجعية أنها” تطالب بقوة الحكومة والجهاز القضائي بإجراء تحقيق يتّسم بالمصداقية حول كل ما وقع في ساحات التظاهر، ثم الكشف أمام الرأي العام عن العناصر التي أمرت أو باشرت بإطلاق النار على المتظاهرين أو غيرهم”. من جانبه أعلن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة أنه شكل لجنة عليا للتحقيق في تلك الأحداث استجابة للمرجعية. وقال إن الحكومة لن تتوانى عن ملاحقة واعتقال المتهمين وتقديمهم إلى العدالة مهما كانت انتماءاتهم ومواقعهم. لاحظ انهم يستخدم كلمة متهمين وليس مجرمين؟
كيف تقاضي وانت الخصم والحكم؟
إذا كانت الحكومة ستقوم بالتحقيق وهي نفسها متهمة بحالات الإعتداء على المتظاهرين، والقضاء العراقي فاسد ويخضع للحكومة بإعتراف المدعي العام، فمن سيحكم بعدل على القناصين؟ اليس من المفروض يا مرجعية ان يكون التحقيق من قبل لجنة قانونية مستقلة، أو من قبل خبراء من الأمم المتحدة، كما جرى في قضية اغتيال الحريري في لبنان؟ ونسأل المرجعية اين نتائج تحقيقات تظاهرات أهل البصرة، التي انحصرت على الكهرباء والتعيينات فقط؟ وسقط خلالها عشرات القتلى والجرحى؟ لماذا سكتت المرجعية حينها ولم تطالب بالتحقيق وتقديم النتائج خلال اسبوعين؟ اذا كانت الحكومة الفاسدة تحقق، والقضاء الفاسد يحكم، ومجلس النواب الفاسد يراقب ما هي النتيجة المتوقعة؟ خذ هذا النموذج” أصدرت محكمة تحقيق الشامية أمراً بضبط عضو مجلس محافظة الديوانية المعمم حسين جاهد بديري عضو منظمة بدر لاعتدائه على بعض المتظاهرين مع إيقاف التنفيذ. وبعد ضبطه من قبل قوة أمنية بتهمة الاعتداء المفرط على المتظاهرين وهو ما أثبتته فيديوهات مصورة بعد شكاوى رفعها ضده (50) متظاهرا من قضاء الشامية في الديوانية”.
الا تعلم المرجعية أن توصيات مجلس النواب (20) توصية، وتوصيات رئيس الوزراء (17) توصية، وتوصيات رئيس الجمهورية (9) توصية انما القصد منها تهدئة الشارع؟ انها اسطوانات مشروخة سمعناها في عهدي نوري المالكي وحيدر العبادي ولم تسفر عن شيء، والكثير من التوصيات تقع خارج صلاحيات من تقدموا بها، ويتوقع الكثير من الخبراء القانونيين ان المحكمة الاتحادية سترفض معظمها. انه كذب وضحك على ذقون الشعب. وطالما ان الشعب العراقي فهم اللعبة، ولن تنطلي عليه هذه الأكاذيب مجددا، فكان رأي الحكومة والميليشيات التابعة لها، اما نحن او الشعب. فسمحوا بكبح التظاهرات من قبل فرق الإغتيالات التابعة للقوات الامنية والحشد الشعبي.
مقتدى الصدر ركب الموجة ونزل منها مسرعا
لم يكن موقف مقتدى الصدر أقل فضيحة من موقف السيستاني، فقبل الإنتفاضة التشرينية المباركة اطلق الصدر تغريدة ولا نعرف من اي مكان أطلقها، المهم انه طالب بإستقالة الحكومة التي جاء بها مع نظيره زعيم ميليشيا بدر هادي العامري، وعندما هبت الإنتفاضة ضم الصدر رأسه كالفأر، ولم نسمع له حيص ولا بيص، بل انه قبل أن يلقي عادل عبد المهدي كلمته حول ما حصل من جرائم ضد المتظاهرين، والتي تأخرت عن موعدها (4) ساعات بسبب التفاوض من قبل ممثل الصدر المضمد السايق نصار الربيعي ونائب الضابط هادي العامري لإقناعه بعد تقديم استقالته، إستجابة لطلب قاسم سليماني، وليس قناعة منهم، فلطالما اتهما كلا الطرفين عبد المهدي بالفشل، ولكن نظام الملالي لم يجد عميل مثابر على خدمتهم مثل عبد المهدي.
وعندما انطلقت تظاهرات مدينة الصدر، قام قوات الأمن هذه المرة بعمليات قتل لا مثيل لها، فسقط ما يقارب المائة شهيد و(400) جريح، هذه المرة كانت القوات معروفة وهي قوات مكافحة الشعب وعناصر الشرطة الاتحادية، وتوقع البعض بكل سذاجة وربما بطيبة قلب ان القوات التي اقتحمت مدينة الصدر، قد أدخلت يديها في فم الأسد. بلا شك سيقلب الصدر الطاولة على الحكومة هذه المرة، فقد أصاب الضرر مدينته واتباعه، وليس من المعقول ان يسكت عن هذه القوات التي دخلت عرينه وأفسدته، وتوقع البعض ان عبد المهدي قد وضع قدمه على اللغم بهذا الإقتحام الدموي، ولكن لم نسمع للصدر اي صوت، ولا لجماعته صدى. قلنا ربما لأنه بالكوفة ولم تصله المعلومات كاملة، ومرت ايام ولا ردة فعل، ولا تغريدة مجرد تغريدة! المهم في الاسبوع الثالث أطلق الصدر من بطنه تغريدة ازكمت إنوفنا بسبب رائحتها الفارسية الكريهة. فقد طالب العراقيين بمسيرة مليونية إلى محافظة كربلاء، والهتاف بشعار جديد” بغداد حرة حرة يا فاسد اطلع بره”، بدلا من ” ايران بره بره بغداد تبقى حرة”. لا نعرف لماذا يطلع الفاسد بره؟ هل يريد الصدر تهريبه للخارج كما فعلوا مع وزيرين فاسدين من حزب الدعوة؟ اليس من الأجدى عدم السماح للفاسد بأن “يطلع بره”، بل ان يبقى في الداخل ويلقى عقابه ويرد ما سرقه من مال الشعب، ويقضي كم صيف في السجن؟ ثم لماذا لم ينصر الصدر” جيش الإمام” ولو بتغريدة واحدة؟ ولماذا يريد من الشباب المتطلعين الى غد افضل ان يلبسوا الأكفان، هل يريدهم مشاريع موت قادم؟ وما شأن امريكا واسرائيل بالتظاهرات؟ ولماذا كربلاء وليس العراق أمانة في أعناق الثائرين؟ طالما هم ثائرون، فلماذا تخليت عنهم؟
نقول للمرجعية والصدر وغيرهم من المراجع، كفوا عن ركوب موجات الثائرين، فقد اخزاكم الله تعالى أمام الشعب، ونحمد الله بسقوط المقدس، وتجاوز الخطوط الحمراء، لقد فضحكم الثوار، وماعاد ركوب الموج ينفعكم، ستغرقوا بعون الله وعزيمة الثوار النشامى. رحم الله شهداء الإنتفاضة الأبرار، والشفاء العاجل للجرحى الميامين، والعودة مجددا الى ساحات التحرير، حتى التحرير.

أحدث المقالات

أحدث المقالات