23 ديسمبر، 2024 5:16 ص

العمائم المعقودة والإنسانية المفقودة!!

العمائم المعقودة والإنسانية المفقودة!!

إذا إتفقنا أن الأديان رحمة للعالمين , فأن على المدّعين بها أن يتقدموا بخطابات رحمانية ذات معاني إنسانية , بدلا من الخطابات العدوانية السائدة على المنابر ووسائل الإعلام بأنواعها , فالذي يتم الترويج له عبارة عن أفكار غابرة وتطلعات سوداوية , وإمعان بالتصورات المنغلقة والتوجهات التخندقية المرابطة وراء متاريس عاطفية إنفعالية شديدة السمك , لا تسمح بنفاذ الماء ووصول أوكسجين الحياة إلى المقبوض عليهم بها.
فمما يُخجِل ويُشين أن بعض ما يتم طرحه من فوق المنابر في خطب الجمعة عدواني الطباع والتوجهات , ويندر فيه الكلام عن الأخوة والمحبة الإنسانية , ويزدحم بالمفردات السلبية والعبارات المتطرفة الداعية لإلغاء الآخر , وتقديم الدين على أنه الدين اليقين وغيره من الأديان لا وجود لها ولا قيمة ولا معنى , ولا يمكن الإقرار بها , بل بنفيها والتعامل مع أصحابها على أنهم الأعداء الذين لا يستحقون حتى أن يكونوا في الحياة.
وفي هذا الطرح أعلى درجات التطرف والإنحياز الأعمى لما يراه صاحب العمامة , وتعبير عن الإنغلاقية الحمقاء والتورط في موضوعات تستحضر الويلات والتداعيات الجسام , وقد يكون ذلك عن قصد , لأن البعض يحسب الفتك بالآخر من الإيمان , ويجد له تخريجات وتبريرات وتسويغات ما أنزل الله بها من سلطان.
قد يقول قائل أن ما تقوله فيه نوع من التجني على الذين تصفهم بالعدوانية , وما تقدم ليس من معين الرؤى والتصورات , بل تحصيل حاصل , ولسان أدلة وبراهين , وبديهيات لا يمكن لعاقل أن يغفلها , فلو تأملنا كم من الخطب تحصل في بلاد المسلمين كل جمعة , لتبين لنا أن أعدادها بعشرات أو بمئات الآلاف , وهي تتكرر في الشهر أربعة مرات , وفي السنة إثنان وخمسون مرة أو أكثر بقليل , أي أن المجتمع يتعرض لتثقيف متكرر من المفروض أن يزيده وعيا وتقربا من جوهر دينه ويؤثر في سلوكه الخاص والعام , ويعني أيضا أن على المجتمع أن يتقدم ويتطور وينهض ويستثمر في قدراته وطاقاته , لكن الذي يسود أن المجتمعات العربية والمسلمة في معظمها تنحدر من سيئ إلى أسوأ , ولا يمكن تبرأة الخطاب المقدم لهم كل جمعة أو كل يوم من المسؤولية المباشرة على هذا التردي والإنحطاط السلوكي المهين.
وفي بلدان تسيطر عليها الكراسي المعممة والتي تدّعي بدينية أحزابها وبأنها تمثل الدين فيما تقوم به وتريده , ينتشر الفساد والظلم وإغتصاب الحقوق وقتل الأبرياء وتنمية الفقر والقهر والإذلال , فماذا تعني الرسائل المعبر عنها بالسلوك وحتى بالقوانين التي تضمن الإمتهان والإستحواذ على ثروات المواطنين؟
فالعلة في الذين يخادعون الله ورسوله وكتابه ويتاجرون بالدين , ويحسبون البشر أرقاما وممتلكات يتصرفون بها كما يحلو لهم , وكما تفرضه عليهم النوازع الفاعلة فيهم.
ولكي يكون السلوك قويما والدين مستقيما على الذين يمثلون الدين أن يكونوا مؤمنين صادقين لا مغفلين أو متاجرين!!