لاشك أن الدين الإسلامي قد اكتمل تماماً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، شريعة ومنهاجا، وذلك مصداقا لقوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم ). في حين أن الاجتهاد لفهم القرآن الكريم، واستنباط الأحكام الشرعية منه، ومن السنة النبوية، ظل مفتوحا أمام الفقهاء ، وذلك لغرض استيعاب حركة الحياة، ومراعاة متطلبات التطور على الأرض مع الزمن .
وتجدر الإشارة أيضاً، إلى أن وحي الله لعباده فيما يعرف بالإلهام، هو الآخر، لا ينقطع، على قاعدة (وأوحينا إليهم فعل الخيرات)، وذلك ما بات يعرف بالعلم اللدني، باعتباره كل علم يوهب من الله تعالى على سبيل الخصوصية لبعض عباده المخلصين، ومن ثم فإن العلم اللدني علم ثابت، وحقيقة قرآنية لا يمكن جحدها على قاعدة (وعلمناه من لدنا علماً) .
على أن من الضروري التنويه في هذا المجال، إلى أن العلوم البحتة، المتعلقة ببحث الظواهر الكونية، والفيزياوية،هي علوم تحقيقية ، وتجريبية، وهي لا تتعارض مع الدين، بل إنها تتناغم معه على طول الخط، تساوقا مع قوله تعالى (واتقوا الله ويعلّمكم الله)، وهو ما اثبتته الاكتشافات العلمية والتقنية المعاصرة.
لذلك فإن ما كان من الحقائق وهباً من الله على سبيل الاختصاص، فإنها تكون عندئذ علماً لدنيا محضا . ومعلوم أن الله تعالى يعلّم عباده عن طريق وسائل كثيرة، منها الرؤيا والإلهام والكشف والإلقاء والفهم. ولذلك فإن ألالمام بعلم الحقائق عن طريق الدراسة، أو القراءة، أو التفكير، والاستنباط لايقع ضمن مفهوم العلم اللدني، باعتباره معرفة إنسانية تتراكم مع الزمن عبر الملاحظة والتجربة العملية.
ومن هنا يتطلب الأمر، التميز التام، بين العلم اللدني الموهوب من الله لخاصة من عباده المتقين، وبين العلم التجريبي الذي يرتكز في استكشافاته على التجربة والملاحظة، وعدم الخلط بينهما.
وما دام العلم اللدني هو ناتج التقوى الخالصة لله الوهاب، فإن المطلوب ان يتم النأي به تماماً عن الشعوذة، والخرافات، والادعاءات الباطلة بالكشف، والاستبطان لبعض الادعياء، مما يشوه نقاء هذا العلم الوهبي النبيل، كما عرضته وقائع قصة النبي موسى عليه السلام مع العبد الصالح، ويجعله عرضة للتخريف، والتضليل .