18 ديسمبر، 2024 8:08 م

العقول تتحور بتفاعلها مع المحيط الذي تكون فيه , فالدماغ يمتلك قدرة لا محدودة من المرونة والمطاوعة وإعادة التشكيل , وحالما يتحوَّر يكون تفاعله مع الأفكار متوافقا وكيانه الجديد.
ويستقبل أفكارا غير التي كان يجتذبها من قبل , وعندها يكون سلوكه وفقا لنوع التحوير الذي أصابه.
فقد يتحور نحو الإيجابية والسلبية , فالعوامل العاطفية ودرجات القلق والإنفعال , تساهم في صناعة الآلية اللازمة لتأمين التواصل والبقاء.
وتلعب وسائل الإعلام دورها في تحوير العقول , فتدفعها لتبني الرؤى المطلوبة والموقف المرغوب.
كما أن للرموز الدينية والسياسية والثقافية تأثيرها المباشر في صياغة العقول الجمعية والمحورة اللازمة لتنفيذ إرادتها , والتمازج في كينونة تستلطف الإستعباد والذل والهوان , وتتعبد في ميادين التبعية والإستلابية.
وما يحصل في واقع بعض المجتمعات انها تتعرض لهجمات مدروسة , وغارات نفسية محسوبة بدقة , ومجربة في مختبرات إسترقاق الأمم والشعوب , فتدعمها بالأحداث المقرونة بهزات عاطفية عنيفة , تزعزع ثوابتها القيمية والفكرية والأخلاقية والروحية , وتدفع بها إلى أتون التفاعلات الخسرانية الإمحاقية المناهضة لوجودها الوطني والإنساني.
ومعظم هذه الهجمات تتخذ من الدين مطية لتنفيذ مشاريعها وتدمير أهدافها , فالإستثمار في الدين من أهم العوامل اللازمة لصناعة الطاقة الذاتية لتدمير الهدف المنشود.
وتجدنا أمام ألاعيب متطورة , وجرعات من الرسائل الوبائية التي تصيب البشر بطاعون الكراهية والحقد والإنتقام , والإنهزام , فتدفع به إلى التناطح الشرس المؤجج للعواطف والمندفع نحو النهايات المأساوية القاسية.
وتم إستعمال رموز الدين بدرجاتهم , وتأمين أوهامهم وتعزيزيها ورفدها بما يسخرها للتنازع الدامي والدمار الحامي.
فيتم تحويل الجماعات المؤهلة للإستعمال وإيهامها بما تتصور , فتغدق عليها المال والسلاح ووسائل الدعم الأخرى , فتنطلق في مشوارها العدواني على دينها ودنياها , كالمذهولة المخبولة الفائقة الإستهتار بالقيم والمعايير وتدّعي ما تدعيه.
ومن أخطر أدوات التحوير العقول وإمتلاكها , هو الإنطلاق بمفاهم مدروسة ذات تأثير وفعالية في الواقع النفسي والمعرفي عند البشر المستهدف , ومنها لعبة دولة الخلافة التي تحقق التواصل في تسخيرها لتحوير الأدمغة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى ولا يوجد توصيف لها , لكنها صارت حلما خياليا يتوهم الوصول إليه من فيهم عاهات نفسية وأمراض عقلية , فيعيشون في وهم الخلافة المتصورة , وهم لا يستطيعون إطعام أنفسهم , وبناء مدنهم وقراهم , وتوفير المدارس اللائقة بأطفالهم , والرعاية الصحية اللازمة للحفاظ على قوة أبدانهم , وعافية نفوسهم.
فهل نستوعب العدوان ونتحرر من الخبل والهذيان.
وننطلق بإرادتنا السمحاء إلى ميادين ذات قيمة موضوعية وقدرة إنجازية بعيدا عن سرابات الأوهام؟!