18 ديسمبر، 2024 11:38 م

تقف قوة جبارة وراء العقوبات، تحميها وترسخّها، وهي قبل كل شيء دلالة رمزية ومادية على العظمة، والجبروت.

ليس من السهل على دولة ما ان تشن حرب العقوبات على دولة أخرى، فتؤيّدها دول العالم، وتخشى سطوتها وتسارع الى تلبية نداءها.

والعقوبات مظهر من مظاهر البأس، تفتل به دولة ما، عضلاتها، بسبب قدراتها الاقتصادية والعسكرية والعلمية والتنظيمية، ولأنّ الولايات المتحدة هي القوة العالمية الأولى، فأنها تستخدمها كسلاح تهدّد به الخصوم، في إبراز لإمكانياتها الساحقة. اما الدول الواهنة، حتى التي بلغت شأوا من الازدهار في الاقتصاد والسلاح، فانها الى الان عاجزة عن استخدام هذه السلاح المؤثر.

غرّد الرئيس ترامب الدولار، رئيس الدولة المهيمنة على النظام العالمي، في التمويل والتجارة الدولية، والمفرِطة في استخدام العقوبات الأحادية الجانب، عبر التاريخ، بـ(سحب) حزمة عقوبات على كوريا الشمالية، وهي الدولة ذات التاريخ الطويل من فرض العقوبات الدولية عليها، بسبب تجاربها النووية الخمس منذ 2006، حتى سبتمبر 2016، لتعاني من حظر الصادرات العسكرية والكثير من السلع و التكنولوجيا، وفرض حظر السفر على المسؤولين والنخب، وتجميد اصولهم المالية.

وحصد العراق من الحصار الدولي، الذي استمر قرابة 13 عاما، والذي نتج عن قرار الأمم المتحدة رقم 661 الذي صدر في العام 1990، عقوبات اقتصادية خانقة، حرمت المواطنين من الغذاء والدواء ووسائل التكنولوجيا، ما أدى إلى وفاة نحو مليون ونصف مليون طفل، نتيجة الجوع ونقص الدواء.

الحصار الأطول في التاريخ كان على كوبا، والذي استمر نحو 55 عاما منذ نجاح ثورتها العام 1959 بقيادة فيديل كاسترو، بعد قيام النظام الاشتراكي الجديد بتأميم الشركات الأمريكية.

ومنذ الإعلان عن اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية، شنّت السعودية والإمارات والبحرين ومصر مجتمعةً، مقاطعة اقتصادية وسياسية على دولة قطر منذ العام 2017.

وفٌرضت عقوبات مشددة على روديسيا الجنوبية (زيمبابوي)، العام 1966 بعد إعلان الأقلية البيضاء، الاستقلال من جانب واحد، لتستمر حتى العام 1969 بعد تحقيق الهدف السياسي منها، في وصول حكومة أغلبية سوداء الى السلطة.

وشنّت الأمم المتحدة حصارا اقتصاديا على جنوب أفريقيا للضغط على نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا، لتنجح الضغوط الاقتصادية في النهاية في تنصيب حكومة غير عنصرية في مايو/أيار 1994.

ولطالما حصد العرب، حصة الأسد، من العقوبات الدولية، اذ فرضت واشنطن سلسلة عقوبات اقتصادية على السودان بسبب اتهامات لحكومته في رعاية الإرهاب.

وشهد العام 1996 تشريع الكونغرس الأمريكي، عقوبات اقتصادية على الشركات التي تتعامل مع إيران وليبيا. وفي 2013، صوت النواب الأمريكي، لصالح فرض عقوبات مشددة، على ايران. وبعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في العام 2018 عادت العقوبات تدريجيا ضد إيران بعد ما رُفعت وفقاً للاتفاق النووي العام 2015، لينتهي الأمر اليوم، بعقوبات هي “الأشد على الإطلاق” تشمل صادرات النفط، والشحن، والمصارف، والقطاعات الأساسية في الاقتصاد.

وإذا كانت كل دولة، تستطيع ان تستخدم الأسلحة الفتاكة في حروبها، فان استخدام سلاح العقوبات، ليس كذلك، ولن يتسنى إلاّ الى الدول التي تمتلك القوة العارمة، التي تجعل الاقتصاد العالمي، طوع قرارها.

ما أحوج الدولة التي رفستها أقدام العقوبات أجيالا وأجيالا، لأنْ تطور مجتمعها واقتصادها، وتنظّم شعبها، لتصبح قوة كبرى، مهابة الجناب، لا تُفرض عليها القرارات والأوامر، بل هي سيدة نفسها، لا تقبل العقوبات الدولية على الأمم الأخرى، الا بما يناسب مصالحها وأهدافها، ولن يتأتى ذلك الا بالتأسيس للدولة المتينة في الاقتصاد والمجتمع والعلم، والإدارة.